عبدالله البقالي

انتبه الفقيه فجأة إلى أن بطاقة هويته الشخصية قد تقادمت وفقدت قيمتها القانونية. و من ثم فكر في تجديدها، خصوصا و أنه يمكنه الحصول على شهادة الإقامة بعد المدة الطويلة التي قضاها في الدوار. زار المقدم الذي رحب بمقدمه. وحين عرف الغاية من زيارته ، أوضح له ما الإجراء الذي يجب ان يقوم به. انذهل الفقيه...
لقد ترسب في ذهني منذ الطفولة انطلاقا مما كان يحكيه الاهالي، ان ظهور طيارة في السماء هو دليل شؤم. و يسوقون عن ذلك مثال " الطيارة الحمراء" التي لم يجلب تحليقها غير الويلات و المآسي. و حتى بعيدا عن الحروب و المواجهات ، فالطيارة ظلت في حدود الصورة نفسها. فهي تنتزع الافئدة من احضانها، و تلقي بهم في...
الكبار هم العارفون. و هم لسان الحقيقة. تلك كانت مسلمات، ما اعتقدت للحظة أنها يمكن ان تصبح محل مساءلة. و من ثم تبنيت كل ما افضت لي به جدتي من حكي و آراء. مستنتجا من خلاصاتها ان الانقسام و التضارب في الافكار و المعتقدات، ليست سمة إنسانية صرفة. بل و تشمل حتى الحيوانات و الحشرات أيضا. و ان النمل على...
لم يضع نفسه في موقف العارف. كان ينفش شاربيه و ينظر بعيدا. ربما كان يستعيد على ضوء ما كان يسمعه ،خطواته الأولى على مسار صفحات غربته الطويلة. و ربما كان ينتشي لكونه ضمن الخلود في ذاكرة مخاطبه لكون الغريب لا ينسى أبدا شبيها له التقاه على عتية مسار غربته. كان يعي أن هذا القادم في حاجة إلى من يصغي...
ظلت المدن بعد الحقبة الاستعمارية محتفظة بسحرها. و شكلت الحياة فيها عامل جذب . و كان الشباب هم أكثر من تأثروا بذلك لحد أن الكثير منهم شدوا الرحال إليها للاستمتاع بما تزخر به من متع، و ما تتيحه من فرص شغل. لم يكن من المفاجئ أن يشد الرحيل هو الآخر إلى المدينة. حتى و إن كان والديه قد أعداه لأمر آخر...
انتصب قائد المجاهدين واقفا بين الاشجار , يرصد بمنظاره تحرك قوات الاحتلال التي كانت قد غادرت القرية للمرة الاخيرة , و تسير في قافلة طويلة سالكة الطريق الملتوية , مخترقة الربى وحقول التين و الزيتون , وتتجه منحدرة صوب مضيق يتقاطع عنده واد صغير مع الواد الكبير القادم من شمال القرية. كل شئ في الظاهر...
كنت قد فكرت في أن أضع ضمن اهتمامي في محاولات كتاباتي إنقاذ بعض الوقائع التاريخية من خلال نقلها من التداول الشفاهي إلى المدون. لأن ذلك سبجعلها مع الزمن عرضة للنسيان و الخلط و الضياع. و من ضمن ما فكرت فيه أو وجدته يفرض نفسه، معركة او "عيطة" الغديرا الزرقا. و بقدر ما أثارت بطولات من خاضوا فصولها...
بلا استئذان كان صوتهم يخترقني، و يبيح لنفسه الوصول إلى عمق جوارحي قبل عقلي، لأتحول إلى مجرد ورقة تتراقص على إيقاع الهبات و الذبذبات التي كانت تبثها حناجرهم. أصوات تغذيها الحرقة التي كانت قادرة على ترميد الستائر التي هدفت الى حجبهم و حشرهم خلف المشاهد. و لأن الإرادة و سلطة الألم لا يمكن للكائن أن...
يكسب نصف جولة و ينجح في اجتياز الإمتحان الكتابي في انتظار أن يخسر الجولة بكاملها. في كل السباقات التي خاضها، كان دائما ذلك المتسابق الدؤوب. لكنه بعد أن يقطع عشرات الأميال، كان يفاجأ دوما بأن الإشارات مصرة على مغالطته. كل الشواهد التي نالها وجدها لا تصلح سوى لتغطية الثقوب و التصدعات التي تشكو...
مع انصرام الايام, و مظاهر الكهولة مبثوثة على محياه ’ الكهولة " السافرة المتبرجة " غير القابلة للاختفاء , ازدادت حدة قسوة قلمه حين دسه في بالون النفس المتكبرة المتجبرة " ففرقعها" واعدها الى طبعها الاول. ومنها خرج عبدالله البقالي, طفلا صغيرا اسيرا لمرحلة تبدو اخاديدها المحفورة على مدارات الروح...
كان العالم ضيقا لحد بدا فيه أن أنفاس طفل صغير كانت التهابا.الآفاق كانت ممتنعة على الابصار بسبب الجبال التي كانت تسيج القرية من كل جهة.و ربما لهذا كانت تنظر بحزن الى الرحاب التي كان كل من يدب فيها ينطق بالغربة و الضياع.و ربما لهذا أيضا بدت تلك البقاع سجنا حشر فيه قاطنوها نتيجة خطيئة وحدهم الأسلاف...
حين كسر "جان فالجان "واجهة احدى المخابز من اجل الحصول على ارغفة لافراد جائعين من عائلته ، كان يقوم بتصويب لمسار العدالة المتعطل. اذ لم يستطع ان يستوعب كيف يموت البعض تخمة ، و يموت الاخرون جوعا. غير انه لم يدرك لحظتها انه بذلك الفعل قد وضع رجليه داخل مسار طويل ، سيمتد لحوالي عشرين سنة ، متوزعة...
الابداع هو تلمس موقع خارج المألوف و بعيدا عن اي توافق. وهو الجنوح الى مساحات غير مكتشفة، و لم يسبق ارتيادها. مسعى لا يخلص فيه المبدع لغير رؤيته و دون اي اعتبار يفرض تعديلا او تصويبا. و الالتزام هو خريطة مليئة بالمعالم يجب ان تؤخذ في الاعتبار عند اي تحرك او ابحار. وهي معالم مجسدة في شكل ثوابت تصل...
لم تسر الأمور وفق ما خططت له. تعثر كل شئ وبت في نظر الكثيرين انسانا متهورا عاجزا عن تدبر أموره. كان بإمكاني أن أتحمل كل العواقب وحدي دون أن اعبأ بالأمر، لكن مشكلتي تلك اللحظة أن الآخرين سيشاركونني دفع الثمن. ماذنبهم؟ خرجت إلى الشارع باحثا عن اي شئ يسحبني لبعض الوقت بعيدا عن تلك الأجواء.كانت تلك...
اليوم رحل جيو. أكيد أنه لم يوص بشئ. بل لم تكن له الرغبة في الحديث لأي كان. لم ينظر لا يمنة و لا يسرة. لم يحاول ان يعرف من حضر لوداعه و من تخلف. نبس بكلام مبهم يقوله أي مقبل على الموت، وراح طافقا الباب خلفه بكل قوة.. و الأكيد انه لو كان ما يزال محتفظا ببعض قوته, فانه كان سيبصق في وجع الجميع، و...

هذا الملف

نصوص
184
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى