صابر رشدي

تمهيد: «شوكولاتة نيتشه»، للكاتب المصري المبدع صابر رشدي، نصّ سردي- حكائي يتضمن في جوهره مجموعة قصصٍ قصيرة عذبة مرحة وعميقة، تنحو في اتجاهها إلى استثمار عناصر الواقعية السحرية التي تنفصل طبعا عن واقعية ماركيز وخصائص عالمه الروائي الأمريكو- لاتيني، رغم أنها تتقاطع معها على نحو من الأنحاء، ما يحمل...
كان الميدان يئن تحت وطأة ظهيرة قائظة، ورطوبة لاتحتمل، فشمس أغسطس تتعامد فوق المبانى وأسفلت الطرقات، تلهب رؤوس البشر وكافة الأشياء . رغم هذا، كان هناك بشر كثيرون، وحركة دائبة، وثمة رجل يمشى بطيئا فى هذا الزحام، جذبنى إليه المعطف الصوفى الثقيل الذى يرتديه فى هذا التوقيت من العام . كان يمشى وحيدا،...
البنت االجميلة، التى لا تزيد عن تسعة عشر ربيعا، قوامها النموذجى مخفى عن عمد مدروس تحت زى يحاول طمس هذا التكوين السحرى وطمس أنوثتها. كانت تحمل حقيبة متوسطة، وبين يديها ألعاب صينية. وقفت قبالتنا. - مساء الخير. - مساء الخير . قمت بالرد، فهذه عادتى مع مندوبى المبيعات . بادرتنا با لحديث عن بضاعتها،...
الولد الشاحب، مطفأ العينين، المخدردائما بأحلامه المحرمة، كان يجلس بالمقعد الأخيربغرفة الدراسة، مشتتا، وشبه غائب عن الوعى، كفيلسوف للغرائز المحتقرة. كان وجهه يضئ مرة واحدة فى اليوم، فقط، عند حضورمدرسة اللغة الإنجليزية، تلمع عيناه بالفرح المفاجئ، والإنتعاش المخالف لطبيعته. إنه يجلس وحيدا بعدما هرب...
الأزيز المهدد للمارة والعابرين، يبرق فى الأسلاك العارية تحت المطر، ولمعان البرق ينذر بسيل عارم . فى هذه الظروف، يتخفى الجميع من الشيطان الخارج من عمق االظلام، للصيد واقتناص الضحايا، وفرض شروطه المجحفة على هذا المشئوم، سئ الحظ، الذى سيكون اول من يفابله عند الإنقطاع التام للكهرباء. يتخفى الجميع...
مبكرًا، بدأ التعلق بالحشيش كمادة سحرية، وخيار غير أخلاقي لا يتم الإفصاح عنه بسهولة رغم احتلاله مركزًا متقدمًا على قوائم اهتماماتنا. كان مخدرًا عالي الجودة، متوفرًا بكثرة، دقائق قليلة تقذف بنا إلى أولئك الذين يوردونه إلى جميع المناطق. الأشقياء المستأجرون، يتناثرون في المكان، غرباء مجلوبون من...
الشهادة لكي تكون كاتبًا، فى الزمن الحالي، لابد أن تتريث قليلا، وتبحث لنفسك عن وسيلة ناجعة – لا تتوافر بسهولة -إنها الإجادة، الشيء الوحيد، الذى يسعفك، ويمنحك جواز المرور فى هذا الزحام، مبتعدا بك عن مخاطر الفشل، يحدث ذلك-غالبا- فى لحظة استبصار، في أثناء ترددك حيال هذا العالم المدهش الذى تريد طرق...
زحام وصخب وتفاهات يومية تمتصّ من العمر، وتجعل مرور الزمن أمراً مقضيًّاً، تجعله يمرّ سريعاً وبلا ثمن في صيرورة تتشابه فيها الساعات المتبخِّرة وهي تتضافر بكل ما هو سخيف وسطحي، هي أشياء كابية، إحباطات لا حصر لها قلَّصت لديه مساحة الأمل، وجعلته يبحث عن ركن يأوي إليه، يعيش داخله لحظات من التأمُّل...
تخبرنى، بنوع من القلق، عن اشياء غريبة، تقول وهى تدارى حرجا بالغا. _ لا أخاف دخول المطبخ! رنت ضحكتى قى الفضاء. قلت مندهشا _ ماذا؟!! لكنى تذكرت، من الفور، هذه الأفكار السوداء، التي تخايل النساء عند وقوفهن أمام احواض غسل الصحون، والحوارات الداخلية المتشائمة، وتوترهن هناك بدون اسباب مفهومة. انكمشت...
مستندا إلى ظهـر سريره وممددا ساقيه تحت غطاء رقيق، كان يرى في المساءات أشياء جميلة، حكايات تتشكل وتنساب أمام عينيه وهو مستغرق في حالة من الاسترخاء والسكينة، كانت يد فنان خفي، هادئ النفس، ذو سمت وقور، هـى التـى تلتقط الفرشاة وتقـوم بشـق مسـارات لهـا فـوق الجـدار المواجـه لـه، بالرسـم والخطوط...
من حين إلى آخر ،كان يذهب إلى بيت الزواحف ، لاينطلق سوى فى اتجاه وحيد اعتادت عليه قدماه ، هو قاعة الثعابين ، يلج هذا المكان ذا الضوء الخافت ، والهدوء المريب ، شاعرا بهذا التيار الخفى الذى يسرى فى أجواء القاعة. إنه إحساس مقبض يخترق أعصاب بعض الحضور ، الذين يتجمدون أمام الصناديق الزجاجية وهم...
المقهى مزدحم، الكراسي الموجودة بالشارع تغص بالزبائن، بينما هو يجلس بعيدأ، منزويا في أبعد نقطة، وحيدا، ومندمجا في متابعة العالم حوله بنظرات ساخرة. عندما رآني قادما، أشار لى حتى آراه، دائما ما يكون بجواره مكانا فارغا. إنه يوفر على حيرة البحث عنه بين البشر المتواجدين هناك. كان يطالع رواية...
كل ما فى الغرفة وثير ومؤثث على نحو مبهر ومبالغ فيه ، جميع القطع المرصوصة بعناية تتألق ببذخ واضح لا تخطئه أعين الناظرين ، ربما غاص الزائرون في مقاعدهم وراحوا فى استرخاء لايستطيعون معه التحاور عن تلك الاشياء التى جاءوا من اجل الحديث عنها، فجميع مايحيط بهم يدعو الى الاستهانة بالاخرين والقضاء على...
كان يذوى يوما بعد يوم ، يتلاشى متحولا إلى شبح ، كنا نلاحظ ذلك بسهولة ، ربما لانه الوحيد بيننا الذى يملك جسدا عفيا متناسقا ، وعضلات مفتولة ، تبرز بدقة تحت تي شيرتاته الضيقة التى يرتديها متعمدا ، كان الذبول يضرب ملامحه أيضا ، ويطفئ هذا البريق اللامع فى نظرات عينيه ، لم نكن نعرف سببا قويا وراء هذ...
عندما تطلب من المرء شهادة، فإنه في حقيقة الأمر، يكون بصدد اعتراف بشيء ما، بسر منطو على ذاته، مخفي في دهاليز الذاكرة،. هكذا أظن، فالمسألة مقرونة بالصدق والحقيقة في المقام الأول، وستعامل على أنها أقوال كاشفة تضئ مناطق مازالت مظلمة، بكماء، ترقد في الصمت والهدوء، بعيدا عن التداول وهى تؤانس وحدتها...

هذا الملف

نصوص
88
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى