ديمة محمود

سأعدُّ قهوتنا من ريش الغربان لتكون حالكةً بما يكفي لظلام الغرفة قد نلطخ بها جسدينا بلا هوادة حتى لا نبغي فكاكاً أو أتخذها تعويذةً كي لا يأتي النهار سأجرّبها كأحمر شفاهٍ أطبعه على شفتيك ثم نحتفظ بنسخٍ غير قليلة لشفاهنا على المرآة سأرسم شجرةً في الحائط المقابل للنافذة وبأطراف أصابعي سأسحب أغصانها...
الشاعر فلاحٌ بِساقٍ واحدة/ ساقُه الأخرى قطعتها فأسٌ من جرادٍ يهذي/ حامَ في حقله فَنفَق/ الساق المبتورة تنمو وهو باقٍ على العهد. 
*
 الشاعر شوكةٌ ناتئةٌ من غصن أجرد/ قوّضه الصهدُ واحتباس المطر/ بزغت الشوكة رغماً عن الغصن/ في مجازفةٍ لِـرأب الصِدع بِقصيدة.
 *
 الشاعر مخمورٌ أدْرد/ نفدتُ زجاجاته...
هسيس مارد النّهايات التّترى الّتي تطير في موسم الحصاد لم تنتظر الشّعانين ولم تتريّث حتى يلد النّخيل الببّغاء ويستظلّ المتعبون بفيء ما تطاير من طلْع هنا خطوه، همُسه، شكواه قلمه وعنوانها هنا هنا جيوب الذنوب والرزايا والخوذات هنا حفرَ الخنادق ليخبّئ الأحراش من التّنّين والغزلانَ من قيظ الوحشة...
سمعتُ أنّ شاعراً بالقرب قد جثم في فوّهةِ الموت لا أعرفُه لكن الصريرَ الذي صكّ أطرافي كان مُنذراً بالفراغ من حولي ربما لأن مجسّات الموت تلوحُ في مخيلتي في كل اتجاهٍ لا ترحم تعبّىءُ بالمجان أطفالاً ومراهقين وجميلاتٍ وفقراء وباعة عرباتِ وكهولاً وعشاقاً ومثليين وتفرغُهم في مقالب الجماجم والشواهد...
هل كان من حقِّ الصيف أن يُطيل الغياب/ ويتركَنا لِجحيم الصقيع/ أمْ أنّ الرحى التي انشغلت بِدكِّ الجثث/ أصرّت أن تنظفَ حجارتها بِسحق ما تبقى من مفاصلنا. * هل كان على العين أن تقاوم المخرز/ أم أنّ ثوب العرس الأبيض كان باهظ التكلفة/ وكان الكفنُ أقربَ منه. * هل كان من حقّ الصيفِ أن يماطل في مِشيته/...
لا نشبه هذا العالم المصفّحة التي تتّربص بنا تغسلنا قبل أن نتعرّى هذا الرُّكون لا يعني كثيراً ونحن نفقأ عين العالم بإبرة العالمُ الذي يقفز كمهرّجٍ فرحان هو نفسُه الذي يصوّب رؤوسه النّوويّة والنابالم في مقتل بينما تحجل الانتهازيّة في أمعائه بلا ريبةٍ أو تردّد. ماذا سيحدث يعني لو استبدلنا نصفينا...
الملاءةُ التي تلفُّ السروة تشعرُ بِالبرد فَتَتكرمش * مطرٌ رهيفٌ في زاوية الكأس يرقاتٌ تتدلّى من غصن شجرة الكينا ترقص كَبندولات من الخمسينيات ودُعسوقةّ* حطّت بِبلادة على مقبض الباب * شذىً أزرقٌ يطوف على الحائط يحجُّ بِمشية فلامنجو هذا الضباب الأرجواني يتكاثفُ في رأسي ثمّة ما يطقطقُ أمسكُه أن...
تنضوي الزهرة تحت إبطِ الريح/ تقاوم نزعتَها لِلهبوب/ والعَرَقُ إبريقُ اللّذة/ تمطُّ عنقَها كَشريطةٍ حمراء/في شعر طفلةٍ تقف في طابور الصباح وترددُّ النشيد الوطنيَ/ يقصمُها الطوفانُ فَيغرقُه الطّلع. * جعفرُ في أرضٍ صلدة/ انسيابٌ ناعمٌ ضدّ الجرانيت والإحداثيات الديكارتية/ باردٌ كَـكنيسةِ أَحَدٍ...
لم يكنِ الطريق قديماً/ ولا الحجارةُ مملوكيّة/ الشجرة التي نبتتْ في عين اللؤلؤة/ كانت لا تزال تكبرُ/ ونتأت فيها عروقٌ/ يملؤها قطنٌ وفراشات. * أُطلُّ عليها مرتين في الصيف/ تطبخُ في شرفتها حلوى الحب/ وترفرف أكواز الفرح/ فَتبتسم غمازة القصب وتقول/ أنتظر ألف حبيبٍ كلَّ ليلة/ وأنتِ وحدكِ بألف عبّادة...
كَفراشةٍ نيّئةٍ أُحلّقُ في بيتي/ وقتي الذي أقضيه في المطبخ أقطع بالسكين جزءاً منه للشِّعر وراء الستارة/ لا يعلم أحدٌ أن ثمة قصيدة انسكبت مني وأنا أغسل الأطباق/ وأن إعصاراً من الكلمات اجتاحني وأنا أطهو البامية/ أحياناً لا أجدُ تفسيراً لهذا الزخَم الذي يعتريني وأنا أشوي السمك/ كَالبنْدول تتردّدُ...
كَغيمةٍ تمور / يكتم مطره/ ثم يسكبُه دمعة. * نهران لِشجرة/ يَعبران الزمن/ بينما لا تزالُ تتكىء عليه. * أُسقُفٌ بِمنجل/ رماه في البحر/ واعتنق التراب. * طحلبٌ عجوز/ في مستنقع ضرير/ يلفِظُ الدرَن والضفادع. * عبّادُ شمس/ يصلي بِقــنّـيـنة/ فَيحرك الشمس تجاهه.
كَـقطرات مطرٍ في ديسمبر لا تزال تسيلُ على زجاجي وبلا خدوش منذ قبلة طفولتنا واكتشافنا العبثي للّذة والحب * بشفتين جافّتين تمسك بنصف مظلة تحفر شوقها رغم المسيل في غبار الذاكرة وعشب التفاصيل وأشجارٍ ما فتئ اخضرارها يعكس ظله بسرمديّةٍ في الركن الشماليّ من رفوف الماضي الدّسمة المفرَّغةِ من الزوايا *...
تتثاءبُ قناديلُ البحر بعد ليلةٍ مكدّسةٍ بالحبّ والأسِرّة تستفيقُ حينما يقذفها موجٌ أتخمَهُ الشراب والسمك يَنِزُّ السؤالُ من مجسّاتها هل لِفوارغ الرصاص أن تكون أقلاماً لأحمر الشفاه هل لأفواه البنادق أن تصبح أعمدةَ إنارة هل لِتروس المدرّعات أن تصبح حلقاتٍ لِلرقص هل لِلقنابل أن تغدوَ زجاجات حليب...
«ثمّة شيء بيننا» كُـرةُ صوفٍ دحرجها وانسلّ في ضوء الكوّة الشفيف ما كانت سجادة السفر لِتوصلَ الغريب لولا أن شُبّاكه نقَرته العصافير أو أن الحويصلات أثقلها القمحُ ولا مناص من منجل *** الراحلة تجِدُّ المسير في صهوة السُّرى وريثما تنبلج الشِّباك عن علائق الوشيجة الريح الحبلى بِالفُلّ تتدلى من شرفة...
حائط الصبيّ الذي ربط التاريخ من ذيله وراح يجرُهُ كعربةٍ زائدةٍ عن الحاجة أو يكوّره؛ ليصبح "كُرة شرَاب" يلهو بها مع رفاقه تصّاعد من رأسه الأحلام بهيئة طائراتٍ ورقيّة وحيتان زرق وتنفتح رأسُه نافورةً من الأمنيات وكؤوسًا للمونديال. البنايات الضخمة وسط المدينة تعرف أنَّه لن يعيش طويلًا كلُّ سربٍ...

هذا الملف

نصوص
31
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى