صغارًا كنا. نقف على عتب الجدات ونمدّ أكفّنا الصغيرة وننتظر الحلوى، تلك الممزوجة بماء الزهر وأغاني الأيام الطيبة. كنا صغارًا نعدو في الطرقات حفاةَ الأرجل، فصاحبتنا الأرض، واختلط ترابها بعرق طفولتنا البهيّة، ووعينا مبكرًا أننا نتشابه في الأصل. صنعنا من زهر أشجار الياسمين تيجانا زيّنا بها رءوسنا التي انشغلت بالمكان الذي يبيت فيه القمر، خلسة صنعنا عرائسنا من دقيق البيت، والتهمناها بعد ساعات من لعب ومرح بريء. هكذا حدثتني، وهي تنظر إلى السماء، ويداها لا تتوقفان عن غزل قطعة الكروشيه، التي ستغطي بها...
دعهم يتحدثون عني، ويتندرون على تلك "المندوهة" بالحب دعهم يتحدثون عن تلك العاشقة التى تجاهر بالعشق نهارا وليلا فمنذ التقيتك ولهفتى لا تخبو، أتوق فى كل لقاء بيننا لساحتك الرحبة وإنصاتك الشجى وحنانك الذى لا ينضب. أتزيّن لأجلك، أضع أحب العطور وأنتقى أفضل ما لدي، فمن غيرك يستحق زينتى وتعطري؟ ارتدى ما تفضّله فى اللقاء رغم أنك ترانى عارية من كل ثوب وتأنق وزيف، وتقبلنى بلا مساحيق ولا كلمات منمقة ولا أبيات شعر ولا قصائد غزل . فى حضرة محبّتك، تسقط أوراق تصنعى واحدة تلو الأخرى، ولا أجدنى بين يديك...
تفحّصت وجهها جيدا في المرآة، كي تتأكد أنها انتزعت الشعر الذي بدأ ينبت على ذقنها، قبل أن تباشر وضع المساحيق، استعدادا للقاء صديقاتها الدور. ابتسمت وهي تحرك يديها يمينا ويسارًا، كي تتأكد من أنها لم تترك شيئا، تذكرت كلمات زوجها بضرورة ذهابها للطبيب كي تفحص خللها الهرموني الذي أدى إلى ظهور ما لم يكن من المفروض أن يظهر، تحدثت وكأن هناك من يسمعها: ماذا تريد من صحراء لا تروي أن تنتج؟ الصحراوات الجافة لا تنبت فيها إلا الأشواك يا عزيزي. علت ضحكتها قبل أن تنتبه إلى أنه من الممكن أن يسمعها الجيران...