محمد جبريل

ـ 1 ـ صحوت على زقزقة عصفور فى داخل الحجرة . لمحته ـ وأنا بين اليقظة والنوم ـ فى زاوية السقف . بدا كحلم بجسده الصغير ، وزقزقته الجميلة ، وريشه المتداخل الألوان .. أسرعت بإغلاق الباب والنافذة . أرهقنى حتى استطعت أن أمسك به . ـ 2 ـ عدت إلى البيت ، وفى يدى قفص من الأسلاك...
ـ 5 ـ تعددت زياراتى للعيادة . لا لمرض ، ولا حتى للقاء الدكتور جارو ، وإنما لرؤية نورا . الجلوس إليها ، ومناقشتها . يغيب الموضوع المحدد ، القضية المحددة . مجرد أن أجلس إليها . أتأمل الوجه الطفولى ، والبشرة الناعمة ، والعينين الزرقاوين ، الواسعتين ، اجتذبتنى بما لم أستطع تحديده . شعور غامض...
تقف على شاطئ البحر . تنظر إلى البلانسات والقوارب ، وشباك الصيادين ، وطيور البحر تحوم فوق الأمواج الساكنة .. خلا الشاطئ وقت الصباح الباكر ، إلا من قوارب متباعدة ، وصياد يجذب طراحته فى المسافة بين البحر والأرض الرملية .. طال الأخذ والرد بينك وبين نفسك ، قبل أن تخترق الشوارع الضيقة . تعبر...
فاجأتنا الفتاة بنفخ الكيس الورقى الملون ، الصغير . استطال فى لولبية ، وأحدث صفيراً ، وتقلص.. قال محيى معوض : ـ إنها تعاكسنا .. هززت رأسى فى عدم فهم . خمنت من حوارنا الهامس اختلافنا فى معنى تصرفها . أعادت نفخ الكيس ، فاستطال ، وأحدث صفيراً ، وتقلص ، ثم غمزت بجانب عينها ، وواصلت السير .. فتحت...
(إلى مريد البرغوثى .. تحية له ، ولرام الله) حين دخلت المقهى المطل على الميدان ، فلأنه بدا أقرب الأماكن إلى الجسر ، ولأنى كنت أريد أن أستعيد ما حدث . التفت ـ بعفوية ـ ورائى ، قبل أن أخطو داخل الجسر ، يسبقنى ويتبعنى العشرات . رجال ونساء وأطفال . يحملون الحقائب والأكياس ، أو يكتفون بحافظة ورق ...
لم تعد جدتى رقية تقدر على النزول من الطابق الثانى ، أو الصعود إليه . عانت تورم قدميها ، وأبطأت الشيخوخة حركاتها . حتى ما كانت تثيره من أسئلة ، لم يعد يشغلها .. ضايقتها فكرة أنها لن تستطيع الخروج من حجرتها ، هبوط درجات السلم ، السير ـ عبر الشوارع الضيقة والحوارى والأزقة ـ إلى شاطئ البحر ، التطلع...
الطريق تتلوى صاعدة فوق الجبال المتلاصقة ، تمضى إلى نقطة غير مرئية . زرقة السماء صافية ، إلا من سحب صغيرة ، متباعدة ، وثمة نسائم خريفية باردة .. افترش الناس الأرض فى دائرة واسعة . النساء خلف الرجال ، فى مواضع تتيح لهن الرؤية . على الأسطح ، وفى الشرفات ، وعلى مقاعد أمام الجدران .. الديكان...
ـ 1 ـ أظهرت الدهشة ، وإن لم أعترض ، على أن يصحبنى الولد فى جولاتى داخل موريتانيا . فى حوالى الثانية عشرة ، قامته طويلة ، لا تتسق مع الطفولة البادية فى ملامحه . تلتمع عيناه الواسعتان فى بشرته السوداء ، وتعلو شفتيه ابتسامة دائمة . ترك لى وزير الزراعة أن أزور مناطق التصحر ، وأسجل ملاحظاتى . قال...
ـ 1 ـ أستلقى على ظهرى . تتقاطع اليدان خلف الرأس ، أتأمل تكوينات النشع فى السقف ، وفى أعلى الجدران .. أحدثت الرطوبة نشعاً ، تقشر به طلاء الجدران عن أشكال ، صغيرة وكبيرة ، مستطيلة ، ومربعة ، ومستديرة ، ومفرطحة ، ومشرشرة ، ومتداخلة . أتصور الملامح والشخصيات والأحداث . تفاجئنى الأشكال...
استأذنت سادتى فى محكمة الديوان أن أسجل ما يطرحون من أقوال وأفكار، وما يقضون، فأذنوا لى. لا أسجل إلا ما أعرفه، أقف عليه، أتثبت منه. ترك الناس لمحكمة الديوان أمر البت فيما يطلبون من النصفة والمدد، وتصريف أمورهم الخاصة والعامة. يقتصر حضور المحكمة على السيدة الرئيسة وسادتى الأولياء الأربعة...
لما صوب خضر أبوشوشة بندقيته إلى غراب البحر ، فى وقفته على صارى البلانس ، طلب الجد السخاوى أن يشق الرجال بطن الطائر ليروا ما فيها .. السمكات السبع فى داخل البطن أذهلت الرجال .. كانوا قد أهملوا نصيحة الجد السخاوى ـ عندما ظهر غراب البحر على شاطئ الأنفوشى ـ بأن يبعدوا الطائر عن الشاطئ . ألفوا رؤيتهم...
قال أحمد أنيس وهو يضع رزمة النقود على مكتبى : ـ ثلاث ساعات وأنا أتنقل بين البنك المركزى وبنك مصر وبنك فيصل .. أودعت رزمة النقود درج المكتب : ـ ما فعلته جزء من عملك ، فلم تشكو ؟ رسم على وجهه ابتسامة معتذرة : ـ لم أقصد الشكوى ، لكننى أشرح ما حدث .. لما ضاق وقتى عن استيعاب مسئولياتى ، عهدت إلى أحمد...
أعادت تأمل الشعرة البيضاء . لم تكن رأتها من قبل . تنظر إلى المرآة إذا وضعت المساحيق ، أو مشطت شعرها ، أو وهى ترتدى الملابس . ربما تأملت وجهها ، أو جسمها كله ، بلا مناسبة . هذه هى المرة الأولى التى تكتشف فيها الشعرة قافزة فى الغابة السوداء خلف الأذن .. غالبت مشاعر متباينة ، وإن غاب معناها الحقيقي...
حين صعد الشبان الخمسة إلى عربة المترو ، كان يقرأ جريدة وهو واقف فى الزاوية بين ظهر المقعد والباب المغلق من الناحية المقابلة . كانت المقاعد ممتلئة ، وتناثر الوقوف فى المساحات الخالية . استأنف الشبان كلامهم فى وقفتهم بالقرب منه . تشاغل بقراءة الجريدة ، وإن عكست تعبيرات وجهه ما يبين أنه يتابع...
هل أخطأ محمد حافظ رجب حين ترك الإسكندرية..؟ وهل أخطأ حين عاد إلى الإسكندرية..؟ سؤال يناوشنى -أحياناً- فلا أعثر له على إجابة محددة. محمد حافظ رجب -إن كنت لا تذكر، أو لا تعرف- هو صاحب مقولة: نحن جيل بلا أساتذة.. قصصه القصيرة موسومة بطابع فنى لم يقلد، وإن حاول البعض تقليده.. حتى نجيب محفوظ -هذا...

هذا الملف

نصوص
32
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى