مي عاشور

لم التق بوالدى لأكثر من عامين، وأكثر شيء محفور في ذاكرتي ولا أستطيع نسيانه هو هيئته من الخلف. رحلت جدتى في شتاء ذلك العام، وانتهت مدة عمل والدى، مررنا بأيام قاسية توالت فيها المصائب. قررت العودة من بكين إلى شو جو، لأحضر مع والدى المأتم، وعندما وصلت إلى هناك لرؤيته، كان فناء المنزل ممتلئ بأشياء...
دائمًا ما يعتبر الناس التواصل نوعًا من القدرات، لكنهم يتجاهلون كون الوحدة مقدرة أيضًا، بل وأنها عند معنى بعينه تعد مقدرة أكثر أهمية من التواصل. لا شك في أن عدم البراعة في التواصل هو شيء مؤسف، وعدم تحمل الوحدة ليس ضروريًا أن يكون نوعًا من القصور الشديد. إن تحمل الوحدة هو نوع من القدرات، صعب أن...
تقول الفتاة، أنه لا يمكنها أن تكون مع من تحب الآن، فتعلق نفسها بأمل لقائه في يوم ما، من سنة ما، في مكان ما. أيمكن أن يحدث ذلك فعلاً؟ دائمًا ما تكون قلوبنا مفعمة بالأمل عندما نقول يوم ما، من سنة ما، في مكان ما، وفي الوقت ذاته يخالجنا شعور بالإحباط؛ لأننا ندرك لو كان الأمر متاحًا الآن، ما كانت...
هذه قصة حقيقية.. كانت هناك فتاة ساحرة الجمال من عائلة كريمة تعيش في قرية، وكان يتمنى أناس كثيرون أن يتوسطون في موضوع زواجها، ولكنهم لم يصرحوا عن ذلك قط. لم تكن الفتاة قد تعدت الخامسة عشر أو السادسة عشر من عمرها في ذلك العام، عندما ذهبت ذات ليلة من ليالي الربيع للوقوف عند الباب الخلفي ،...
(1) الإنسان غريب الأطوار حقا، عندما يكون في غرفة أو مكان صغير، يسرح عقله في عالم الخيال ويهيم فيه طولا وعرضا، لكن حينما أكتب مذكرات أسفاري المتنوعة إلى الجبال الشاهقة المشهورة والأنهار الممتدة في كل بقاع الأرض، كانت هناك دوما بعض النقاط المبهمة وغير الجلية، ثابتة أمام عيني، ربما كان رجلاً...
أصبحت في المئة من عمري هذا العام، فقد وصلت إلى حافة الحياة، ولست متأكدة على الإطلاق أنه لا يزال بوسعي السير بخطى أبعد من ذلك، فمستحيل التحكم في العمر، لكنني أعي جيدًا أنني أوشكت على “العودة إلى دار الحق”. يجب أن أغسل كل ما دنّس هذه المئة عام من شوائب، ثم أعود إلى دار الآخرة. لا يمتلكني شعور...
كانت لدي هواية عظيمة في السابق، ألا وهي النقاش عن الحياة, وفي أوقات كثيرة كان يغمرني شعور عظيم, في كل مرة كنت أمارس فيها هذه الهواية، وهذا الشعور جعلني مستمتعا بهاـ لا أكل منها أبدا. حتى أتى يوم، ولا يزال قلبي يخفق حتى الآن, كلما ذكرت بهذا اليوم الغاية في السوء. ففي ذلك اليوم, كانت الصديقة التي...
عزيزي وانغ: قد نكون في مكانين بعيدين، تشرق الشمس عندي ، بينما تغيب عندك؛ ولكننا على الأقل نتنفس نفس الهواء. كُنت أمس في حجرة مكتبي ، ووجدت بين مجموعة من الأوراق ، صورتنا وتلك الورقة التي تركتها لي قبل مغاردتك من القاهرة، مكتوب فيها عنوانك واسمك. حاولت البحث عنك عبر شبكات التواصل الاجتماعي...
انبعث هواء بارد من مكان ما، فاخترق دائرة الحرارة الصيفية الخانقة، ثم تبعته رياح رقيقة متتالية. بدأ الصيف في الانسحاب تدريجيًا، وانشرحت الصدور. باب موصد ونافذة مغلقة… ظلت روحي بهذا الشكل لأيام وشهور، معتمة، قاتمة، تفتقد الهواء، أبحث عن منفذ لأخرج منه ولا أجد. حتى ظننت أنني سأظل حبيسة هناك إلى...
إن الروح تشعر بقدر من السكينة المسبقة لتواجدها في مكان ما، فتسوق المرء إليه بلا تفسير. أخيراً …أفضى بي ذلك الزقاق الطويل الذي سكنت فيه إلى شارع فسيح، ظننت أن هذا الزقاق لا نهاية له، تركت نفسي أسير مع سيل الطريق، الذي يقسم البيوت القديمة رمادية اللون، حمراء القرميد والنوافذ على جانبي الطريق،...
عندما رأيتهما في تلك الحديقة جذبني إليهما شيء لا أعرفه، جعلني أتتبّعهما بعينيّ، على الرغم من بحر الرؤوس السوداء الذي كان يغمر المكان. كانا مسنّيْن تجاوزا الثمانين، ولكنّ البريق الكامن في قلبيهما ينعكس بوضوح على وجهيهما، فيكسو الخطوط والتجاعيد التي حفرها الزمنُ بحيويّة عجيبة. كانا يسيران...
قد اجتزت‮ ‬أمورا هائلة‮ ‬في حياتك،‮ ‬ولكنك لا تدري‮. ‬ عندما كنت تبلغ‮ ‬خمس سنوات من عمرك،‮ ‬جريت علي والدك لتستقبله وهو عائد من عمله،‮ ‬ودون أن تنتبه وأنت تجري تعثرت وسقطت علي وجهك،‮ ‬ولكنك لم تُجرح‮. ‬لم تدر حينها،‮ ‬أن‮ ‬في نفس المكان الذي وقعت فيه،‮ ‬علي بعد‮ ‬اثنين سنتي متر بالتحديد،‮...
لا يكون الأمر مملاً تماماً حينما يداهمني الأرق. بعد الساعة الرابعة والنصف فجراً، يمكنني أن استمع إلى صوت مبهم غير واضح لكنس الأرض، منبعث من خارج النافذة؛ بعيد ويدنو، خفيف ويحتد، كما أنه غاية في الرقة، وكأنه طراز حديث لسلم موسيقي ابتُكر خصيصاً. ينشغل تفكيري أحياناً بعامل النظافة الذي يكنس الأرض،...
رائع حقًّا! أهداني صديق زوجين من طيور الزيبرا. وضعهما بداخل قفص بسيط من أعواد البامبو المضفرة، بداخل القفص كانت توجد أيضًا لفافة من العشب الجاف، التي كانت بمنزلة عش دافئ ومريح لهما. يقال: إن هذا نوع من الطيور يهاب البشر. عَلقت القفص أمام النافذة، حيث كانت هناك أصيصة لنبات الغيلان الفرنسي مزدهرة...
ذات صباح، عندما تنهضون من فُرشكم، تكتشفون أن قشرة طلاء الحياة بدأت في التصدع. تحملقون إلى عينوكم وكأنكم تتأملون وجه يائس وطاعن في السن.. يطل وجه الحقيقة الحزين الذي كان مغطى بالطلاء المتساقط من دورة المياه. تملأ كفوفكم رعشة قلق من الماضي لا يمكن أن تُخفي، والمعلوم أنها هي تلك قصص الهروب...

هذا الملف

نصوص
28
آخر تحديث
أعلى