بسمة الشوالي

رآها.. اِختالت إليه على مهل الغنج البدويّ / بْقَدْ وِاعْتِدَالْ، كِمَا شَجَرْ سَرْوِلْ مِلْهُبُوبْ يْمِيلْ (1)/ كشقيقة نعمان تطفر من شيب العشب وشحوب السّنبل فتُوهم حمرتُها النّافرة الحقل الصّائف بعوْد الرّبيع على بدء الغرام.. فغرت فيها الحواسّ حواسَّها لمّا صارت منه مرمى ذراعين واهنيْ العضل...
تركت غيابها يفاجئ نشرة الأخبار الصّباحيّة تُذيعها الأبواب المشرعة على الأبواب أسرارا وجه أسرار، وأفْجرت تخرج من مسكن ضيّق بنهج ضيّق من حيّ مكتظّ . كانت على بساطة مترفة الأناقة ، وقوام حسن يميس في بنطال وسترة ناعميْ الزّرقة ، يباهيان سماء عينيها الرّائقة بدقّة التّفاصيل المنحوتة على مدى الجسد...
“ اِلْمِتْغَطّي بالَّيَّامْ عِرْيانْ”(1) تأنّقت على كعب الزّهو الفضّيّ عبّادة شمس هيَف قدّها في انحناءات الهبوب، واكتملت بدرا بالنّضوج. شده خيري في محاسنها تتحرّش به من تحت ثوب الزّمرّد الشّفيف كشمس تغازل الكون من وراء حجاب. ماء عينه رغت فيه الشّهوة فاعتكر، ولونه عند ظلال القسمات اكفهرّ. تثنّت...
كانوا جمعا متنافرا متقاتلا صمتا وجهارا حُشروا في فضاء الحبس الضّيّق حشرا مقيتا: فلاّحين، حرفيّين، متسوّلين، مثقّفين، مدّعي علم، ومتعلّمين، قتلة، عمّالا أضربوا أو عَنَّ لهم خاطر الإضراب ذات تمرّد، شيوعيّين، دستوريّين، وهمّجا منحرفين.. وجوها دواخن، أفواها دقماء، أجساد مهازيل، طرابيش افرنجيّة...
الجوع أيضا أسلوب في مقاومة الموت، تقنية في البقاء حيّا. في رواية ” في بلد الأشياء الأخيرة ” لبول استر، كتبت آنّا بلوم لصديقها :” .. لولا جوعي لما استطعت أن أستمرّ. على المرء أن يتعوّد على الاكتفاء بأقلّ قدر ممكن. فكلّما قلّ ما يريده، رضي بالقليل، وقلّت حاجته، وأصبح في حال أفضل. هذا ما تفعله...
طاحْ الكـــافْ عْلَى ظِلّـــي والكــــافْ واعْرَه هْفُـــوفـــهْ كـلْجُرْحْ بِينْ لَكْتافْ قْعَدْتِلّي نِتْلَمْسَه وْمَا نْشُـوفه مرثيّة فرحات ظلام، من خلفه، دامِس. طين، من تحته، لزج، ومن بين يديه وجهها الزّهريّ يحاصره بمكر طفوليّ يخاتل خربشة الشّوق الثّمل تحت جلده، ويؤطّره في المحيط الضّيق...
سار خلف الدّابّة مُكِبّ الوجه على أرض تتأرجح بين المرتفعات ، وشِقْف التّراب المُعنّى يُبْسا يتطاير رذاذا عنيفا يشجّ العرق المنسكب من جبينه. أمامه، وعلى مسافة ذيل غضوب، كان البغل يرفس الأرض الجافّة ويطوي الأثلام طيّا يوجع سنابكه، ومحراث بينهما دفن رأسه الفضّيّ يبحث في الجوف المتّقد عن أمل سقط من...
تريد هذه المقالة أن تقف عند قصّة: «ترنيمة وجع» التي ضمّتها المجموعة القصصيّة: «قناديل المطر» التي أصدرتها الكاتبة التونسيّة بسمة الشوّالي عن الدار التونسيّة للكتاب 2013 ، والتي يشي عنوان قصّتها بدلالة تحيل إلى وجع ظاهر، فالترنيمة في اللغة: من الرَّنيم والترنيم: تطريب الصوت، والترنّم التطريب،...
هـــي قضت عشرين سنة تصغي إليه يعزف وعينُها مظلمة. تدفق الألحان من حناياه نهرا من الجمال قدسيّا، وترجّع الأوتار خريرها السّماويّ. تنبسط لها حينذاك مركبة الخيال، وتعرج بها في ثنيّات السّماوات حتى العُلا. تجد هناك أبواب الجنان السّبع مشرعة فتدخل من أيِّها شاءت. وكانت كلّما دخلت جنّة وجدت العازف في...
اِستقلّتْ مقعدا وسطا في الصفّ الثاني من سيّارة الأجرة. الوجه المنعكس على المرآة الخارجيّة صفحة مجعّدة لامرأة شاحبة رشَم عليها الزّمن كلّ تواريخه القٌلّب. قدّرت أنّها في مثل عمرها أو أزيد بشقاء غير قليل، ومثلها ربّما، محمّلة بكيس كبير من عبوات الأدوية وفواتير مكلفة. لحافها صوفيّ كالذي تلتفع به،...
يتكئ المساء على حرف الغروب، ويقشّر حبّة أترنج شهيّة. بعد أن يرشف ماءها المحمّض في سُلالة البرتقال يرمي المساء على جسد الطريق المجعّد بالقشر. مرّ الثّعلب بجنّة وارفة تقرئه الغزل، وأخرى هناك تفتح شبّاك وحدتها عليه. رأيته لا يبالي. وقف حذوي في محطّة النّقل العموميّ. نصف ساعة أو ما يناهز ربّما تأتي...
تبسّم النّهار خجلا لمّا فاجأته الشّمس ممدّدا في حجر اللّيل يغمغم حُلما. نسائم تتلوّى من حرّ في الفضاء. المدينة تنهض من نومها على صفير القطار كسلى منتفخة الجفون ومنبّهات السّيّارات تنوب عن أصحابها في إضرام العراك الصّباحيّ بعد نَوْم أرِق. تضوّعت ذاكرة المنزل، في غفلة من دلاء الماء وشراسة...
"أناهيد"، هي أقصوصة لعبة الوجوه: تلك الممثِّلة للنّسخة المزوّرة، أو تلك الدّالّة على الأصل السليم ( لم يكن سليما في الحقيقة بل كان مصابا برائحة الماضي العطنة).. تشي النّسخة المزوّرة بما لا يعكسه الأصلُ السّليم.. من هنا ينشأ التّناقض و تنهض المفارقة فيبدأ الوعيُ في التمزّق.. ما بين وجه قديم...
يأتي اللّيل، كلّ ليلة، حاملا حزمة من حطب الوهم يلقي بها في مدفأة بركن من النّفس ليدفئ عري روحي، يسند ظلّه الأهيف إلى شجر الحديقة المنزليّة، ويدخل عليّ فيجدني، كما تركني البارحة، غيمة لم يكتمل نضجها باغتتها ريح جفول فانسكبت حيث لا تدري، وضيّعت شكل الغيم إلى الأبد. يرمّم اللّيل شكلي، يُكَنِّس...
رفرفت إليه من باب موارب، سرعان ما انغلق خلفها كأنّ يدا ماكرة أوصدته. لا تذكر ما كان بين يديها من شأن منزليّ فأهملته يتكسّر أو يتعفّن أو يحترق.. ذهنها لا يعقل حينها سوى صوته الذي كما المزمار السّحريّ ينفّر كلّ فئران الفرح الغافية في جحور الخجل فتتبعه كطفلة مسرنمة.. غير أنّ اليوم، سُدّ باب الرّجوع...

هذا الملف

نصوص
27
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى