محمد فائد البكري

منذ جئتُ إلى هذا الجسد وأنا أبحث عن عنوان الحياة. بالطبع، لا أحدثك عن حظي السيء! أتحدث عن اللاشيء فقط. أو اللاشيء السيء تحديدا. منذ جئت إلى جسدي هذا وأنا أحتاج إلى جسدٍ آخر لم تستعمله الذكريات. جسدي هذا غبيٌ جدا استهلك أحلامه كلها واستنفد مخزونه الحيوي من الأوهام. أحتاج الآن إلى جسدٍ آخر ليس...
في البيت الذي فيه جارتي زمنٌ يحبها ومساء تمنحه ضوءها وأشياء أخرى تعيش بدفء جارتي لم يخلقها إله الصدفة لاشك خلقها إله الماء أشياء كثيرةٌ حدثت في حياتي حتى قبل أن أولد أشياء كنت أسميها الصدفة وأمشي إلى اللحظة التالية كما لو أن بيدي فارق التوقيت بين الصوت والصدى أو أن اتجاها آخر أملك مفتاحه في...
أيام أنْ كانت بريطانيا العظمى خارج جغرافيا الليل سافر أبي إلى ما بعد بعد قريتنا وترك الجبال على حدود أمي وصل إلى عدن المحتلة وزوّر اسمه لينجو من يأسه القديم ولكن أحلامه المزورة كانت أشد عليه من أحزانه الوراثية لم يستطع اسم صالح المنصوري أن يحمي أبي من ألم الذكريات كان اسماً طِبْق الأصل من حزنه...
عند أول منعطف في الذاكرة أخذ لقلبه صورة جانبية ورمى المسافة كقشرة موز ترك التاريخ يشيخ في جسده ومايزال يمشي بجلده كمن يمشي بكفنه الجديد، حطم كل مرايا الذات القديمة وسدََّ بالصمت كل ثقوب الكلمات سمَّوه مجنونا وهو يرحل في أعماقه إلى أبعد مما يرون ويتوغل في قلب اللاشيء يهرول خارج قلبه حافي الخيال...
الصورة التي في الظلام ترى أبعد مما يراه الضوء في زوايا الروح تعلم أن في كل صورةٍ يختبىء زمنٌ أعمى ويضحك على حواف الصورة الزمن الذي يتخثر في اللون يسيل مرارة صفراء والرجل الذي يضحك ملء الإطار تسرب زمنه من جسده الحزين وتركه جثة ألوان مصلوبة على الجدار ترتجف حسرةً في مهب الذاكرة وتلعن السنوات التي...
مثل زمنٍ أدار ظهره للصدى مثل شراع عصرت قلبه العاصفة سقطت ورقةٌفي غابة حاصرتها الرياح سمع الموتى صراخا في قلب الهواء ولم يفطنوا إلى أن حلما يختنق تلك الورقة التي ماتت علاقتها بالشجرة ستعيش لنفسها من الآن بعد أن أرهقتها العلاقة المعلّقة وامتصت حلمها بالحرية تلك الورقة التي انتهت صلاحية حلمها سقطت...
الرجل الذي مات دون أن يدري! لعب ضد نفسه الشطرنج إلى آخر هزيمة ممكنة عاش بين الأبيض والأسود يبحث عن لونٍ لايموت ولا يخاف من النهاية لعب مع نفسه الشطرنج وهزم ظله مرتين مرةً لينسى الخطأ الذي جاء به إلى هذا العالم ومرةً لينتصر على خوفه من الغد انتصر على حزنه مرةً واحدة وخسر مرتين مرةً أمام اللاشيء...
أين الرصاص الطائش أريد رصاصةً واحدة تصوب الخطأ الذي يسكن جثتي. حاولتُ أن أهرب إليك من الحياد لكن ذاكرتي كانت تغلق الباب بإحكام صار من الصعب جدا أن نعيش أنا ونسيانك في جسدٍ واحد ونقتسم الذكريات بالتساوي! صار من المستحيل أن نقسِم المستحيلَ على اثنين لا بد أن يكون أحدنا خارج جسده لينسى إما أنا أو...
أعترف أمام الليل والنهار أعترف وأنا أقف أمام نفسي عاريا إلا من جِلدي أعترف أن المِرآة التي كنتِ تقفين أمامها لا تنام والشرفة التي كانت تحظى بإطلالةٍ منك على الخارج انكفأت على نفسها وعادت إلى أقصى الداخل والمزهرية التي تركتها في الشرفة تحيةً للشمس صبغت نفسها بالحزن والشحوب حتى لا يتعرف عليها...
هذه المرة وهي الأخيرة جدا خرجتُ من اسمي ليلاً تسللت منه ولم أغلق الباب على رائحة النسيان ولم أجرح وردة السياج خرجت من اسمي كما يخرج الزمن من ثقوب الجسد وتركت حزني عارياً أمام المرآة تركته أعزلا يصارع قدره البليد وعدتُ إلى جسدي المثخن بالذكريات أبحثُ عن حدود المجاز ، وأقشر الكلمات الخشنة بحثا عما...
أعيد قراءة السيناريو الذي صار بلا نهاية بالرغم مما محته الدموع وما كتبه الليل الأعمى على هامش الريح أضع خطا أحمر تحت قلبي وأنسى لماذا تتكرر الأيام ولماذا كلها صارت ضدي. للغصة المجانية سيناريوهات كثيرة! أجلس بين آهتين صديقتين أشاهد فيلم الوسادة الخالية وأدعو الماضي للنوم معي في سريرك الحزين...
دخل البرابرةُ إلى فراش الحكاية، تسللوا من كل ثقوب الليل إلى رحم الفوضى قتلوا علامة الاستفهام بمدفعٍ قديم وأغتصبوا واو العطف أمام نون النسوة وشنقوا ياء المخاطبة وهي في حِجْر أمها وما يزالون حتى الآن ينهبون خزائن الملكوت ويعبثون بأثاث الجنة، يذبحون الحروف الأولى من اسمك، ينهبون ذكريات الله الثمينة...
أصابع الذاكرة تشير إليك تشير إلى الفراغ القديم إلى ثقبٍ في قلب الزمن لا مجال للتحدي يا قوة المستحيل! وقع البعيدُ في فخ الصدفة البليدة، وارتبكت الجهات على حافة الليل والذكريات عمياء لا ترى حدود نفسها أيتها الهاوية! صار الهباءُ قريباً جدا، وواثقاً من يأسه، لم يقل أحدٌ لرأس السنة أين جسدها. والسنة...
منذ سقطت آخر دمعةٍ من عين اليقين ونبت مكانها قبرٌ مثقوب صرتُ أمشي وراء ظلي حتى لا أتعثر باللاشيء أمشي وراء الكلمات البيضاء وأُرْخِي للأيام حبلَها أو أتناولُ غيمةً من أقصى الخيال الرث وأحبسها بيني وبين اسمي المثخن بالخيبات؛ أو أضعها على الرف المجاور للردى لتبكي بالنيابة عني؛ أو بالأصالة عن الزمن...
مات الندم الذي كان امرأةً أحبها ولم يبقَ من ذاكرة الهواء ما يستحق انتظار المساء. مات الهواء الذي كان يتلصص على خبايا نهديها ليلا ويتسلق الجدار الفاصل بينهما. ماتت الليلة الأخيرة. وما بقي مني لا يحتمل الرهان على وهمٍ جديد تعب اللاشيء من كل اللاشيء. تعب الهواء الذي يمرُّ أمام عينيك كطيفٍ يُسجل...

هذا الملف

نصوص
127
آخر تحديث
أعلى