محمد عكاشة

قبل أن تولد وأنت مجرد نطفة صغيرة تتشكل على هيئة إنسان بثت فيك الروح، بالضبط كنت كبالونة فارغة مكرمشة نفخ فيك، فانتفخت وعُبئت بأعداد كثيرة من الدقات حين تمايلت متأرجحًا بالحبل السري، كنت حينها لا تعلم أنك ستملأ كساعة منبه بزمبلك، يطلق رناته حتى يفرغ شحنته، أو إذا أسكنته أيد غاشمة، كنت ساعتها لا...
هي تدرك أنها تتحدي الجاذبية، وتعلم أنها بخفتها من الممكن أن تصل لأي مكان- شرط أن تترك نفسها للهواء، هي تصاحبه وتعقد معه اتفاقات موثقة بعقود لا يحيد عنها أي منهما، هي قالت له: سأبلغك بكل الأسرار، وأنت ستطيرني كيفما أشاء، وعندما اختلفا على طريقة بث الأسرار والأماكن التي تحدد هي الوصول إليها- وقفا...
أصوات عديدة كانت تتدافع لتلحق ما تبقى من أحلام ، هذه الليلة لم أقدر على تمييز صوت عن الآخر ولكن بقيت كلها بصداها الجهورى الصاخب تطاردنى ، وتصفر فى أذنى كحشرات ليلية لا تغفل ، ولكن ما هو أجدر ذكره فى هذه اللحظات ، والتى أغط فيها سابحا فى نوم عميق مطعم بصيحات تشد رأسى نحو المذياع ، وعمود إستقباله...
حين خلق الله الإسفنج عرف الإنسان الناحية الأخرى للحياة وعرف كيف يكون مطاطيا إلى أبعد مدى وكيف يمتص الطلقات المتجهة نحوه ومتى يكسر الصلابة بليونة واحتواء وعرف أن الماء معبأ بكائنات لاتراها العين ولكن يراها الإسفنج الراقد في عمق البحر تماما كما يرى اللصوص المختبئة في الغابات المرجانية الملونة وهم...
في البدء كان الملح الذي راوغ البحر بدواماته وانسل من بين مسامه المترامية حول تضاريس الأرض وقت الشهيق ووقت الضحى حين تتبخر الأرواح لتتلاقى في الأفق وتدفعها أنفاس الكواكب السائرة حول القلب حين تتذوق الشمس طعم الماء وتصهر الأوكسجين من رئتي العالم فيتوالد الغيم من أحشاء الملح ولأن الملح حبل الغمام...
من هنا كان المِلحُ حين بكت الملائكةُ وسالت عبراتها كنهر ثائر ولحظة تهافت الشياطين بمشاعل حارقة نحو الأرض_ خلقه الله _ حين جرت الشمسُ كانت روحُه تجري لمستقرٍ لها في أوردةِ الكائناتِ جميعِها كي تبقى حكاياتُ العالمِ نابضةً وحيةً كدورانِ الدم وتنبتُ حدائقُ السماوات ورودًا بيضاءَ من مِلحٍ كي تحكي...
الكهرباء الكهرباء التي تملأ الهواء بثتها أعمدة الإنارة الواقفة على أجناب السماوات وبثها البرق النابع من جوف الأرض ودفعها الغيم الرابض كوحوش حول حبيبتي الكهرباء ولدّهَا تلاطم أمواج الدم في أفئدة العاشقين الكهرباء تلك الروح الهائمة تسري في الأوردة كي تنير جدران القلب وأيضا كي تحرك الفلك...
الشجر يعرف لحظة الوداع ويعرف مسار الطيور المهاجرة ويعلم متى يحط عليه الحب كعصافير صغيرة ملونة وظله كبندول يهتز ليدون دقات القلب الشجر ابن الشمس الذي نما على أطراف السماوات كان في الأصل شعاعا من نور قبل أن يرسله الله ويهبط على حواف الأنهار وتتمدد جذوره كألياف ضوئية في باطن الأرض لتضخ النور في...
الشمس تلك الطائرة الورقية اليوم كانت الشمس كطائرة ورقية يطيرها ولد صغير وكانت تعلو وتهبط من فوقي وكانت مزينة بقصاصات من رسائلك القديمة الشمس يلعب بها الهواء يشدها يمينا فيساقط الشوق من رسائلك على أغصان الشجر يسحبها يسارا فينهمر الوجد من رسائلك كسحابة صيف تمطر يترك لها الخيط فتفصل رسائلك بين...
سنتركُ لكَ الهواءَ تلهو فيه كيفما تشاءُ فقط اتركْ لنا مسافةً عموديةً قصيرةً تكفي لنزحفَ كحشراتٍ تنخرُ في باطنِ الأرضِ سنتلوى كحياتٍ تبحثُ عن صيدٍ بديلٍ ونتهادى كدودٍ خرجَ للتوِ من جثثِ الحروبِ السابقةِ سنقفزُ كأرانب بريةٍ تأكلُ من أعشابِ الصحراءِ وتتوارى من فحيحِ الأفاعي سنصبحُ صراصيرَ تبني...
غَدًا سَنَتَبَرَّعُ لَكَ بِأَقْفَاصٍ صَدْرِيَّةٍ لِفَتَيَاتٍ يَافِعَاتٍ قد غُرِرَ بِهنَّ وَهْنٌ عَلَى طَاوِلَاتِ اَللَّيْلِ يبحثنَ عن طيرٍ قد سقطَ من فرطِ التحليقِ والدورانِ كان صدرُ الواحدةِ منهنَّ منتفخًا كَبَالُونَةٍ مُلَوَّنَةٍ وكنَّ ينفثنَ الأوكسجينَ بأفواهِهنَّ داخلَ صدورِ أطفالِ...
لديَّ ممحاةٌ منذُ كنتُ صغيرًا سوداءُ ومدببةٌ كمسدسٍ، أعطاني إياها اللهُ وعلمني الخَلْقَ، وعلمني أيضًا كيف أمحو، وكيف أنفخُ بقاياهم بفمي من حينِها وأنا أعملُ ربًا لهذه المساحةِ البيضاءَ الشاسعةِ، أخطُّ بيديَ الخطَّ الفاصلَ بين السماءِ والأرضِ، أخلقُ بحرًا وشمسًا تشرقُ فتمخرُ سفينةٌ لاتعجبُني...
لديَّ ممحاةٌ منذُ كنتُ صغيرًا سوداءُ ومدببةٌ كمسدسٍ، أعطاني إياها اللهُ وعلمني الخَلْقَ، وعلمني أيضًا كيف أمحو، وكيف أنفخُ بقاياهم بفمي من حينِها وأنا أعملُ ربًا لهذه المساحةِ البيضاءَ الشاسعةِ، أخطُّ بيديَ الخطَّ الفاصلَ بين السماءِ والأرضِ، أخلقُ بحرًا وشمسًا تشرقُ فتمخرُ سفينةٌ لاتعجبُني...
رأسي التي ركنتُها على سطحِ المنضدةِ منذُ زمنٍ، بدتْ ليَ وأنا مضطجعٌ على حافةِ الفراشِ كخريطةِ العالم، هزأتْ بيَ عندما شاهدتْني أقيسُ المسافةَ بين منبتِ الشَّعرِ والعينين، وأخططُها بمحراثٍ تجرُّهُ بقرةٌ صفراءُ كي أشتِلَها ببنادقَ آليةٍ معبأة بالبارودِ وأسقيَها من بئرِ نفطٍ جديد. والرأسُ بيضةٌ...
لدي مزرعة واسعة من السحب تؤتي ثمارها كلما هبت روح ناحيتها الأرواح التي تهاجر كسرب طير والسحابات عندي تنقل الألم من قلب بطريق تائه على شاطيء جليدي لقلب نسر يطير بجناحيه في صحراء قاحلة كي تنثر رذاذ الندى على حواف الأشجار التي هددها العطش كي تبخ بطرواتها على رمال متحركة نحو القلب ربما توقفها...

هذا الملف

نصوص
98
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى