صالح رحيم

كنتُ، في السادسة من عمري، كبيراً جداً، عرفتُ مبكراً ازدراء الجيران لطفل وقح، وحرَكَي، أتذكر الأحداث التي ساهمت ببناء جرحي الكبير، شخصيتي المطعونة بخناجرَ مسمومة، كنتُ دائماً أحس بأنني مختلفٌ عن الجميع، لم يخطر في رأسي أن هذا الشعور هو العفن المأساوي لطفولة مغطاة برطوبة اللامبالاة، لم أكن أغفو...
ما أنا وهذه الشجيرة إلا طفلان رضعنا من نفس الثدي ولعبنا في نفس الباحة، كبرنا وكلانا كان يراقب الآخر، أنا عرفتُ سر نمو الأشجار وهي عرفت سر نمو الإنسان، مرة تبادلنا الأدوار فصوب حطابٌ في وجهي فأساً وقاتلٌ صوب في وجههِ مسدساً، أنا بقيت على قيد الحياة وهو مات، دفنوه اهلي على مقربة مني، فنما من...
كنا غبارَ طلعٍ مجهول حتى جاء من لا خبرة له بالغبار نكَّد علينا حياتنا وأرغمنا على الميلاد في أرضٍ أخرى صرنا لكثيرين وليس لأحدٍ فحسب وعرفنا أننا غبارُ طلعٍ جَيِّد ولكنا كَبُرنا قرب هياكل عظمية بائدة فتسربت إلى نفوسنا حيوات أولئك الناس وها نحن اليوم متعبون ننام من الربيع إلى الربيع لعلَّ ريحاً...
لنفعل ماهو صائب وجدي ونترك سخافة العزاء جانباً أن نصفع الفجر مثلاً فيعض ثيابه ويعود مسرعاً إلى مكانه أو نبذل قصارى جهدنا في ترميم صباح الخير، نخرق العادةَ ونخلق حياة ، بقبلةٍ مثلاً نقول للطين كنْ فتطير فراشات على عدد أسناننا أقول هذا وأنت تسرفين بعمرك كما لو أنه زجاجة شرب أريد أن أغير الكثير...
هم يسمعون طرقي المستمر على الباب، ويفتحونه باستمرار، ولكن لا أحد يراني، لم أصدق أنني صرتُ لا مرئياً، ولا أعرف كيف يتحول المرئي إلى لا مرئي؟ أليس من المفترض ألا يرى اللامرئي حتى ظله؟ فها أنا أرى ظلي، ويديَّ وقدميَّ وبقية أعضائي، حتى وجهي في المرآة، أراه كاملاً لا يشوبه أي نقص! * لثلاثة أيام تحت...
عاد من بحثه المضني عن الذهب والآثار التي لها السطوة الكاملة عليه وعلى أحفاده، ولم يعثر على شيء سوى حجرٍ منقوشة عليه كلمة ذئب، مبتهجاً دخل البيتَ ولم يجد سوى جدته، فقدمَ الحجرَ لجدته، وقبلها في رأسها، وقال لها لم أعثر إلا على هذا الحجر، بعد كُلِّ هذه السنوات التي قضيتها بعيداً عنكِ وعن زوجتي...
لا أقول مجازاً إن نخلة في بستاني تشبه مهدي النفري، بل هذه حقيقة، الشمس الكاذبة تدعي وضوحنا، وفي الحقيقة إننا هلاميون، غامضون مثل الأسرار، ننتشر في الشوارع دون أن يمعن في وجوهنا أحد، لذا فمهدي النفري- أقصد النخلة التي تشببه- ليس مخطئاً حين يقتل الوقت في البستان، حتى وإن كان عطشاناً مهدي يشرب ولا...
اليوم أفتضُ بكارة الروح بماء ينتشر في خلايا الدم الفاسد، اليوم أصبحتُ شجرة خروع وقد كان الجندب الأخضر جائعاً فاحتمى وأكل حتى شارف على النهاية الحزينة ها أنا عارٍ إلا من جلدٍ ممزق سيتلاشى قريباً، غامرتُ بالذكرى فكانت اللحظة سكيناً في خاصرتي، لم يدع لي الجندب الأخضر شيئاً أكل الحديقة برمتها، وها...
معتزلاً العالم كله في عراء الدنيا، لم أكن أعرف عن الخيط الرفيع الأسود الذي يفصل بين ظلامين شيئاً، سوى أنه حياتي، تفجرت عيون، وينابيع، وآبار، ولم أرتوِ بعد، في الشارع تراقبني عيون الذين آمنوا، وفي المنزل عيونهم أيضاً، بردٌ لاذعٌ لا مناص منه في الشارع وفي البيت، يتقمص أعدائي كلهم، بردُ الشتاء هو،...
إلى أعماق الصحراء ساقتنا الرغبة، وقد كان الله في جميع الجهات ومع الجميع، إلايَ، كان الشيطان معي، برفقتهِ حطمت أغصان الشجيراتِ اليابسة وبرفقتهِ دفئتُ أضلاعي.. * للنارِ في الصحراء قوة نباتاتها البرية بالنار وحدها هزمنا ليل كانون * يا ليل كانون، يا ليل كانون، لقد كنتَ ملاذاً للحشرة الهاربة من...
للطفل الخائف في أقصى المقهى أقول : لا تخف من أخيك، لا تخف من أيّ أحد؛ الدخان في كل مكان في رئة المريض وفي رئة المعافى الدخان هو مجرد أن تبقى على قيد الحياة * وللدخان فوائد جمة منها أن تفهم من خلاله براءة السيجار فهو غير مسؤول عن الدخان تماما مثل أباك غير المسؤول عنك الدخان هو أنت غيرُ المسؤول عن...
صادفتُ البارحةَ السيابَ اثناء صعودي على سور الصين العظيم، رأيت في يده اليمنى المعبد الغريق وفي يده اليسرى عكازاً.. ما زلتَ شاباً أبا غيلان قلتُ له، فقال بنفس متقطع : كبرتُ يا اخي، وتلهث ايضاً ؟ قلتُ له، سكتْ، فقلتُ: عنك العكاز ابا غيلان، وضعت المعبدَ في جيبي وحملتُه على ظهري وصعدتْ، فجأة قال...
١ لستِ اكثرَ من حبيبة ولستُ بأكثر من حبيب قلبي تعمره اخطاؤك وروحي يستفزها جمالك وحياتي جدول صغير فارغ كانت غايته الماء فصرتِ انتِ له ماءً حبكُ يزدهر في روحي مثل العافية يا شريط البراسيتول خاصتي يا سيارة فاخرة يا هاتفاً ذكياً يخصني وحدي دون غيري يا نهراً يعمر تربة الروح يا دواءً يشافي كل امراضي...
إلى علي خليفة.. بعد ان استفزتني جملة محبة صادقة من علي يقول لي فيها: أنا أحبك يا صالح، فأنت مثل ميسان... أنا ميسان الجنوب تركض في أحشائي الأسماك والمواويل وعلي خليفة والطور المحمداوي، الأهوار في الروح أرواحٌ ومسامير والقصب على سكة القلب قطارات غناء، أنا ميسان البدايات البنت البكر لعائلة القمح...
هذه ليست حياتي وهذه ليست المرة الأولى التي أعيشها بحياة ليست لي، أتذكر إنني عشت في كل العصور بشخصية مغفل لا يفقه شيئاً من الحياة.. خضت حروباً مع جنكيز خان كجندي منطوٍ على نفسه عاش ومات كثيراً قبل ان يموت وجايلت العديد من الأنبياء ولست نادماً لأنها ليست المرة الأخيرة أنا الآن أعيش بحيوات مستعارة...

هذا الملف

نصوص
36
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى