د. محمد الدفراوي

بعد ساعة من المشي ، كنت أشعر بالحاجة إلى الجلوس بعدما أخذ مني الإنهاك مأخذه ، تركت جسدي يسقط على المقعد الخشبي ، نصب للمنهكين ، نالت منه عوامل الزمن ، جلست شابكاً أصابعي في صمت رهيب ، أوزّع نظراتي من غير عدلٍ بين سياراتٍ تسحق أطناناً من الأسفلت وأرصفة سحرية و غيوم غير نقية تماماً و عابرين في...
في الغسق لايهزها شيء ، فكل ما هزها مضي ... جذبت المقعد الخشبي بالقرب من اقدام بقرتها ، متكورة نصف دائرة ، خالية الإ من السر الدفين ، بنت السادسة و العشرين ربيعا، الصماء ، البكماء ، علمتها العجمة الإشارة و الكتمان ، تعيش مع ابويها ،و اخوتها علي حافة القرية ، حيث تحيا ولا تستعجل شيئا ، تمتعت بوجه...
أخبرتني أمي ، أن آلالام ستمر عندما أكبر ، و ها أنا ذا كبرت و انعقد براسي البياض و ما زلت أتألم ، و انتظر الألم و لا أعرف من أين يأتي و لا متي يرحل ! أنه يشبه العناكب من غير جهد تعرف كيف تنسج البيوت ، فالعنكبوتة ليست عبقرية كي تخترعه ، ما بداخلها يدفعها إليه . كذلك الألم...
من غير سابق تعارف ، ألتقيتها في باحة الجامعة ، ترتدي الكستناء المطرز ، بوجه طفولي لايخبرك أكثر من ذلك ، تتجول في الضوء كالفراشات. سألتها متقضبا : و أين المكتبة ؟ ترافقها ابتسامة مشذبة : عند منتصف النظر! لا عليك ، سأرافقك حتى تصل. شكرا لك ! على بعد خطوات ، دلفنا إلى بهو المكتبة، مدينة الشعاب...
مساء الخير يا أبي . مساء النور يا ولدي . يوم يمضي و أخر سوف يأتي ، قبل أن نفهم دولاب الحياة ! أتعرف ماذا تعلمت اليوم في المدرسة ؟ عن النباتات اللاحمة ، أي أكلة اللحم ! لا تتعجب ، قبل أن أحدثك ! شرحوا لنا في حصة الأحياء الطبيعية شيئا عن أسماء نباتات تصيد الحشرات كالتنين الأحمر ، ونبات الجرة ،...
هذا ما تحكيه قصص الحب ، فاحذرها ! يعيش المرء ليسعد غيره ، و الحب الذي تنتظره ، سيأتي بعد الزواج ، عليك الشعور بالمسئولية ، يا ولدي القلوب تتعلق لكنها ضعيفة ، لا تستوعب الحقيقة ، لا تفكر بقلبك أبدا ، أعرف أن عينك على بنت الجيران ؛ المدللة ، ليست جدية ، و لا تساعد والدتها في شيء ، و سمعت اليوم أن...
لم يكن في البهو أحد سوانا ، فالشقتان متقابلتان ، تطلان على الشارع و الحديقة العامة ، اليوم تهطل الأمطار بغزارة تغسل كل شيء ، النوافذ و الحوائط و الأشجار و السيارات المرصوصة ، تملأ الحفر بمائه الندي . تختال : هل عاد قلبك إلى مكانه ؟! تبدو كمن فقد شيئا ؟ فمنذ رأيتني مع حبيبي القديم على...
كنت أظن أن مشاعر الحب تختفي على نحو ثقيل و بطيء ، و ربما تبقى ولا تنتهي أبدا ، لكنها اختفت على نحو مفاجيء ، لم اتوقعه ، أتاني الحب فجاءة ثم اختفى كذلك ، امر الحب عجيب يأتيك بلا مقدمات و يستمر دون ان تعرف له نهاية ، وجدت نفسي في حيرة و قلق ، صعب ان تفكر في أشياء و لا تعثر لها على سبب أو...
شب شقيا ؛ قدر الكلام لا يبالي ، لا يطيقه أحد و لا يطيق هو أحدا ، تكدست في روحه الخيبات ، الخيبة بعد الخيبة ، فقيرا ، في موعد مع الضجر المتواصل . سألته : ألا تشعر بالتعب ، كل من حولك ضجروا منك ، لضجرك أنت منهم . كان كمرفأ لا تزوره سفن ، ليس فيه سوى قطع الحديد الصديء وبقايا مراكب متآكلة ، لاتحبه...
أوصدت باب الحجرة جيدا بعد دخل ، تقدمت نحوه بضع خطوات في ثقة و رشد ، و عيناها في مستوى كتفيه ، شفتاها تتضلمان ، ووجنتان كامدتان ممتلئتان ، ملامح جرئية ، و صوت حاد و برود بريطاني عجيب ، هكذا بدت قبل أن تحدثه . لم أعد أنفعك يا سعد ! تلاشت كل المعاني بداخله ، لم يصدق ما سمع ...ماذا قلت ؟! لم اعد...
كالصيف الساخن يضيق ذرعا بنفسه التي تضمه ، و لا مهرب له منها ، لم تكن تكف عن ملاحقته كظله أينما حل ، في حياته لم يستطع ان يصبح شيئا ، لا شريرا و لا خبيثا ، و لا طيبا و لا شريفا ، يحاول أن يواسي نفسه بعزاء لا طائل منه ، تزعجه بأسئلة حرجة ، لا قاعدة لها ، كل سؤال استثناء لقاعدة لا وجود...
لم يكن الوقت تجاوز ظهيرة الثلاثاء الأسود ، يرتحل القطار المطاوع متجها إلى المدينة العجوز لم تتحول بعد عن أحزانها و الدخاخين الضالة ، ملابسه فاقدة النظام ، متشنجة كمجذوب منزو ، تتطابق مع تعاسته ، في زيف يقبل يد المدينة من غير اقتناع بما يفعله ، يتخلي عن التفكير في مصيره المنتظر و ماضيه ،...
بدا حزينا يحدق في سقف المطعم الخشبي المتأكل ، مشدوها يفكر في مآزقه ، على شكل حلم يقظة ، على العشاء ألتقاه ، تجبره طاولاته على مشاركة من لا يعرفه ؛ أومأ إليه بالتحية ، رأى نفسه في عينيه الغريبتين ، تخلى عن رابطة عنقه و كثير من محظوراته ، تجاذب معه الحديث في أشياء...
ينبغي الاعتراف بأننا نعيش زمنا رائعا و استثنائيا ، أفضل عشرات المرات من حقب بائسة سالفة .. قطف زمننا ثمار جهد البشرية منذ آدم حتى اليوم .. بإمكانك إذا أردت أن تقود غواصة عملاقة في اعماق محيط او أن توجه قائد تايتنيك وهي تمخر عباب المحيط قبل أن تواري الغرق ، أو أن تشارك في تصميم حاملة طائرات أو في...
أعتقد أني لم أكن رومانسيا منذ طفولتي ، و الأسس المتينة عن وجهة نظرنا تجاه الأشياء و الناس و الحياة و العالم عمقا أو ضحالة تتشكل من نعومة الأظافر ، فقط يتطور أو يكتمل لكنه لا يتبدل أبدا ، وغالبا ما نتعلمه في الصغر هو أفضل ما نتعلمه ، كبرت و أنا أشعر بالراحة لعدم رومانسيتي ، أو نلت...

هذا الملف

نصوص
20
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى