مصطفى المحبوب

سأخبركم بشيء جميل تعرفونه وتضعونه في ناحية ما من جيوب ذاكرتكم ... ونحن صغارا كنا نتسابق لإنجاز أشياء كثيرة من سيخرب قصر الرمال ، من يملك فخاخا قوية ، من يستطيع القفز إلى بيت جارنا المهاجر ليسترد الكرة التي سقطت ببيته المظلم .. من يستطيع قلي البطاطس بأقل جهد في الخلاء.. من يستطيع الإبتعاد عن...
لا أرهب اللغة ولا أقسمها إلى غرف بأبواب وأقفال .. أتركها تنام كما تشاء بلباس شفاف أو صحبة كتاب .. وبعد منتصف الليل أخرج باحثا عن مساءات بمجازات أقل تعبا ..! قصائدي لا تنام ولا تعرف الخيانة .. قد تسقط فوق صدور عارية تلُف تشبيها هنا أو مجازا هناك دون أن تتعمد إهانة تائه أو صانع متعة أو باحث...
كنت أعلم أن عقابا بسيطا ينتظرني هذا المساء..! لكني لم أرفض دعوة أصدقائي للإستحمام وسط برك ماء اختارت أزقة حارتنا الفقيرة ..! كان الشتاء يبهرني مثل قدوم العيد كنا نشتهي ماء افتقدناه داخل أكواخنا.. لهذا لن أتراجع عن رسم صنبور الماء الذي جلب الفرح لأبناء الحي .. وسأكتب قصائدي ليلا .. وسأحجز مساحة...
سألزم قصائدي أن تقوم بفحوصات منتظمة سأخلع حذائي وأُلزمها بانتعاله حتى تتدرب على المشي وحتى تتمكن من التوجه إلى المستشفى أثناء غيابي بمفردها.. كي أقنعها بهذا أحتاج لسانا طويلا وشرابا يجعلني أنسى أن الشعر حديقة موبوءة .. لم أكن أعرف أني ألف ذراعي حول قصائد بكبد صغير .. هذا الأمر صار يقلقني...
هذا المساء ليس لدي ما أخسره سأدعو كل المشردين أسألهم عن حالي وعن خسارات أَجَّرْتُها لهم الصيف الماضي .. طبعا سنختلف عن أشياء كثيرة.. سيرفضون وجباتي وتوابل طبخي وسيكرهون طريقة كلامي وربما سيلتفتون إلى الجهة الأخرى حتى يتفادوا رائحة كلامي... كنت أتوقع أن أجدني مرمياً بين أكوام الزبالة أو...
هذه المرة ترددت كثيرا ماذا لو أسرعت قليلا ماذا لو اخترت وقتاً آخر ومكانا أصارح فيه وجهي الذي لم يتدخل في الوقت المناسب .. ربما لعنته وأرغمته على تنظيف الجنبات المتسخة بمطبخي وأشياء أخرى اكتشفناها معا ذات يوم.. الآن تذكرت لماذا نصحني صديقي باختيار المنازل الجميلة القريبة من البحر المقابلة لشروق...
اليوم قدم لي باب بيتي استقالة مكتوبة بخط رديء : اشتقتُ لإنفعالات الزوار.. لأياد رطبة تمسح الغبار عن خشبي وتضع بيني وبين شفتيها كتبا كثيرة... اشتقت لأياديهم الناعمة التي تقيني من برد الخيانة وتطرد شياطين تعقبوني وأنا صغير.. لأياديهم المتشققة التي تعجن التراب و الصبر وتعلمني أن الغباء قد يزورنا...
ربما لأني رجل طيب القلب لم أفلح يوما في إهانة رغباتي .. كنت أركض فقط لأروض خيبات لم تفكر في رسم وردة... لكني لم أوصد حتى الآن بابي في وجه نهاية الأسبوع..! لطالما عملت بنصيحة أصدقائي أدمنت على الخضار الطازجة .. وأرغمت طموحاتي مرات عديدة على السفر صحبة مهاجرين.. وأرغمت رغباتي على التطوع للغناء في...
لم أتعرف على البحار التي زارتني الربيع الماضي قدمت لي كشوفات كثيرة منها ما يخص حالتها الصحية وبضائع أخرى بعثها لي شعراء تعرفت عليهم في سهرة قمار .. وأخرى تخص موانئ فضلت إنقاذ إبريق شاي على رحلة صيد.. أغرتني بعدة هدايا لأسمح لها بالمبيت بإحدى غرفي المليئة بالمخلفات والملابس المتسخة والكتب...
حتى الآن لم أفكر في طريقة للتخلص من أعدائي سأمنحهم فرصة للفرح .. ولأني لا أحتاج إلى دهاء أو خطط سأقدم لهم الهواء الذي يحملني سأوزعه بينهم حتى يحافظوا على القليل من جيوب ملابسهم .. لم أفكر يوما في تهريب طيور تذكرهم بقدوم حافلة المدرسة كل صباح .. ولا في صنابير الماء التي وهبتها لهم كلما فكروا...
مؤلم جدا أن ترى شاعرا بقناع أو بربطة عنق يدخل من أبواب خلفية ليلقي قصيدة و يشي باستعارة صديق تتمنى فقط الجلوس تحت ظل شجرة .. أو يشتم تشبيها اشترى زجاجة نبيذ وخرج الليلة الماضية إلى الشارع عاريا يغني للمرضى وللأمهات.. لا تفكر في إنجاب طفل الآن .. فالربيع لم يحضر معه ألوانه .. أخبًرني بأن الوحم...
الآن سأتحرر من عمري سأبحث عن معتقد جميل لا ينتظر مني تحضير وجبة غذاء كل يوم أو ارتداء لعنة وربطة عنق... سأبحث عن حياة تملك نوافد كثيرة تستعملها دون نقاب و بذكاء قليل ..! سأفكر هذه المرة..! وسأجبر حياتي على مصاحبتي إلى سوق المتعة .. وسأكون متأكدا أني لم أضع قلبي خلف الباب.. أكثر من هذا سأدعو...
اليوم لا أحتاج للبكاء.. أعرف أن أبي أجبرني على الصمت حتى لا أعبث بأغراض الناس.. حتى أغادر ساحة بيع الشعر بمشاعر نظيفة.. أما الدفاتر التي ورثتها عن أمي فسأحتفظ بها لأكمل كتابة ما تبقى من آلام الأيام المقبلة.. لا أحتاج لصمت يحمل معه الهدوء.. أريد صمتا يعرف كيف يحضر وجبات فوضى .. كيف يفاجئني بنباح...
يوما ما..! سأقوم بالشيء ذاته وسأنزع الأشياء الزائدة من جسدي.. سأمشي كما أريد وسأطرح كل ما أملك في الطريق.. و لن أتمنى الموت إلا لنفسي..! أرى أشياء كثيرة تقاسمني الباحة المطلة على أغراضي .. لكن لن أعطيها فرصة لحرق الخشب الذي جمعه الأهل لاستقبال الأيام الباردة.. وسأضغط على حنجرتي حتى لا تعترض يوما...
أنا أيضأ أتفرج على شجار بين امرأة ورجل يشتم الهواء.. أتوقف كثيرا لأستمتع بمشاهدة أواني مليئة بالغبار لم يسمح لها بدخول مطعم الحي ..! أما العتمة التي تلاحقني فلم تعد قاسية كما كانت...!! ستبقى الأحلام كما هي.. وسيبقى شارع الإسمنت الذي قهر أرجلي كما هو .. لكن هذه النغمات الآتية ستزيح العتمة عن...

هذا الملف

نصوص
87
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى