وقف قربي، وقد جَن المساء، فظننت أنه عابر سبيل، منصرف عن دعوة أو صلاة عشاء، مسدلاً على وجهه غطاء جلبابه، وقد بدا لي وكأنه يحمل في يديه شيئا يقطر ماء، فلما أضاءت سيارة ـ فاجأتْ وقفتَنا ـ ما حولنا، رأيته، فارتعْتُ، كان هو نفسه القذافي .. أبو طاقية ـ كما نعته، أحد الظرفاء، إنه إله النفط، لا يزال راكباً رأسه، يتطاير الشرر من عينيه، وليس وليَّ ماء يروي البلاد والعباد، أجل، إنه هو، فقد كانت يداه تقطران دما نجيعا، أكيد أنه كان يسبح فيه قبل قليل، ويعب منه، بعد أن شبع جثثا،ً لصغار وكبار من الجنسين،...
النقاد معلمونا وأساتذتنا لا ريب، وما نحب شيئا أفضل من سيادة الحس النقدي والثقافة النقدية، بين أجيالنا الجديدة والصاعدة، وإذا ضعفت ثقافة المعلم أصبح من حقنا أن نخاف على مستوى معارف المتعلمين ، الذين لا يقوى على النهوض بهم إلا أساتذة علماء،كبار، ومعلمون ماهدون رواد.لذلك نحب لهم أن يكثروا وتكثر نقودهم النافعة النيرة. لهذا، أفلا يستحق كثيرا من الـتأمل ما أصاب ثقافة الناقد الأدبي في حياتنا الأدبية من ضعف، [وأنا أتحدث هنا على مستوى المغرب ، الذي يبدو كما لو أن عينا شريرة ً أصابته!! ، هو الذي كان...
كنا حين نصطف مزدحمين،أمام الكونطوار فتية غواية مستبشرين، ونحن نكرع كؤوسنا دهاقاً، لا نستحضر ما يتهددنا بين يدي الزمن القاسي ، فلا نتأمل ونحن في أوج يفاعتنا صورتنا في مرآة هذا الشيخ الفاني الذي يقف في الجهة الأخرى من البار، يحصي ما يقدمه لكل منا من قنينات البيرة ، بقطعة طباشير يضع بها خطوطاً صغيرة على خشب العارضة، لعدِّ ما يتناوله أينا على حدة، كما يحصي الموت علينا أنفاسنا وأيامنا، ما مر منها وما بقي، أو نتأمل خوان ، وهذا كان اسمه، في شيبه الذي ضحك بكل رأسه فغطى شعره جميعاً، الذي لم يكن...
(1) راج ذات يوم، أن طه حسين أملى سيرته الذاتية في سبعة أيام، وقد صادف أن نقلتُ، وأنا بعد في يفاعتي، الخبر بعفوية إلى أحد أساتذتي، فقال لي معلقا: إن من يقول هذا لم يقرأ « الأيام »، ولم يعرف شيئا عن شكلها ومضمونها.وقد كنت إلى ذلك الحين لم أقرأها كاملة، بيد أنني لم أتوقف عن الرجوع إليها، بكل أجزائها، بين مرحلة وأخرى، إلا أن قراءتي لها ـ الصيفَ السابق ـ وأنا في الستين، زادتني تقديرا لصاحبها في عدة جوانب: منها أولا لغته العذبة المتينة فيها، ثم فكرُه، وانتقاداته الجارحة في مواجهته الشجاعة مع...
1 كان هناك، أمام الخارج من داخل الأسوار،حيث تطوي ايدي الزمن أكثر من خمسمائة عام، إلى حاضر ذي ملامح رمادية محادية أسيانة ، عبر باب الشوق القديم، أن يسير بضعة أمتار إذا أحب الذهاب إلى أقرب مقبرة أو مصلى العيدين، ثم ما لا يزيد على الأربعين متراً، عابراً بين مبانٍ حديثة البناء، تضم فرنين وحانتين ومقهى وبعض دكاكين وحديقة صغيرة في شكل مثلث قائم الزاوية، داخلها بار ومساكن بعض معطوبي الحرب،حيث يمكنه أن ينحدر إلى جهة بها أكثر من مدرسة وقاعة سينما ومرافق أخرى ضرورية لحياة الناس ومن يمسك تلابيبهم، ثم...
لو تُركوا لأنفسهم لحق لهم القول إنهم لم يكونوا أكثر من ثلاثة، لكن ماذا نصنع، فها هم رغم إصراري لا يريدون الاعتراف بأنني واحد منهم وأنني كنت رابعهم, ـ أكنتم إذن أربعة َ...عفواً...مجانينـ بل ثلاثة كما يرى الناس هتف أحد الشهود منفعلاً ، ثم إلتفت إليّ، ولم يَزُلْ عنه ما كان قد علاه من استغراب، من ادعائي انتمائي إلى عالم أولائك المساكين رغم أن كلاً منهم كان يعيش مستقلاً في مدارخاص ، لا شيء يجمعهم إلا عين تراهم من فوق، فتمتليء أستغراباً مما ترى، إذ كيف يصيب الجنونُ أشخاصاً وإن كانوا متجاورين، إلا...
تسمَّرتَ مُنبهراً وأنت تكتشف وقفتك على ضفة هذا نهر لا تدري لم اسماً ولا موقعاً، كما أنك لا تدري متى وصلت إلى هذا المكان ولا تعلم شيئاً عن مدة استغراقك في تأمل هذا النهر الذي كانت مياهه تغزر وتعم فتهدرحيناً ، ثم تقل حتى تكاد تنضب، فما بين ارتواء عام وظمإ يكاد تجف من آثاره خضرة نباتات الضفتين، عشتَ زمنا لا تدرك معنى ارتواء أو تأثيراً للعطش، كما تعرفه جهات أخرى من بلادك المترامية الحدود والسواحل، تتنبَّهُ الآن فتشرع في تأمل حدود ذاتك، بدءا من رأسك ووجهك،وصولاإلى جذعك وسائر أطرافك، وكانك...