أحمد بنميمون

كان قد غادر مدينته في السابعة صباحاً، ووصل إلى المحطة الكبرى بعد ساعة ونصف عبر طريق تملأها الحفر والمنعطفات، اعتاد سائقو حافلات السفر السير عليها ببطء قتل في الركاب كل حلم بوجود مركبة تقطع المسافات الطويلة بيسر ذات يوم قريب أو بعيد، بل كل قدرة على تصور وجود دنيا أبعد مما تصله حافلات عمومية شائهة...
كل مرة أغادر محل سكناي بين الفينة والأخرى، لا أحس شيئاً يضايقنني مثل عيني هذا الرقيب ألذي أحس كأنه يكمن لي عند هذه العطفة التي اختار من ببيتي في لحظة ضاحكة بألمٍ أن يخيرني بين أن نسميها عطفة «جلاس ـ كو» أو منعطف « مسكين ياهو» ، فهو يترصد خرجاتي ودخلاتي جميعاً، هذا الشيخ صاحب هذا الدكان، لاختياره...
قمت صباح أمس، بزيارة خاطفة إلى تلك المدينة الشاطئية الخانعة بعد شهور من مغادرتها، وبها كنتُ تابعتً دروسي الثانوية قبل أكثر من نصف قرن، ثم عدت إلى الإقامة بها في السنوات الأربع الماضية ، لكن حدث بعد ذلك ما حملني على اللجوء إلى السكن في مدينة مجاورة. وبمجرد وصولي إلى المصلحة الإدارية التي قصدتها...
أمشي على نور الليلُ أرهصَ بانهمارِ الشعْرِ مشبوباً كما رَجْعُ البدايةِ رجَّ أعماقي هتاف بامتداد الحبِّ ضوءاً أشعل الآهاتِ هدأتُها استراحةُ مَنْ يعيشُ الحُلْمَ آمالَ انتظار هلالِ إرواءٍ متى هاج العطاشْ، إن شبَّتِ النيرانُ في النظَراتِ والأرحامِ : ـ يا حُبِّي! نداءٌ ماد َ بي، وأهاج في عينيَّ...
(في الذكرى الثانية لوداعِ عزيزٍ) انتبه إلى جسده منطلقاً مثل سهم يطير عبر فضاء ، لكنه رغم انطلاقه لم يتخلَّ عن ذاكرته التي كان يستعين بها على السير في طرقات هذه المدينة التي لم يقم بها منذ طفولته إلا على فترات كان تقطع ما بينها دائماً أحداث مؤلمة : تعثرٌ في دروس أو خصومةٌ مع جهة رفعت في وجهه...
لم يَكُنْ من حَجَرٍ يَغْفَلُ عما تشهدُ البيداءُ مِنْ ثقلِ الجلاميدِ اصْطِباراً في انتظارْ . كان ملءَ الصحوِ في كل التلاوينِ ، مِن الأزرقِ والأصفرِ ، في هذا المَدَى، ينهضُ في ما اهتزَّ في الأعماقِ مني كلَّ حِين: ينتهى في السَّمْعِ أو ما تُبـْصِرُ العينُ، تَوارَى خلفَ رمْلٍ في انحدارْ لا نباتٌ...
ـ 1 هل هو ما يعلو من منسوب مرارات الخيبةِ ، أوما يضغط من إحباط عبر سراديب انسدَّتْ في أعماق الروح : عكَـَّرَ من صفو عشياتي ، وقد انتهت الأخبار إليَّ بما لا يرضيني ، حتى خيل لي ألَّا رابط ما بيني وبين وقائع أشهدها تتحرك قدامي، وانا أدرك تأكيدأً أن هناك أياديَ تصنع منها ما تصنعُ، أو تمنعُ ما...
حكى الراوي ذات ليلة شتاء، وقد آذن صبر الأهالي على الانتهاء، من أيام جوعٍ وظمإٍ ، جعلت الأمعاء تفرغ، والنفوس تمتليء اعتزازأ وإباءً، فاضطربتْ الأحوال ولم تهدأ ، كما شهد بذلك ماضي السنين والقرون، قال: كان أنِ انسحب موفور السعد بعد أمدٍ غير يسير من حضوره، متأكداً من انقطاع ما بينه وبين كل من يدِبَّ...
ليس صحيحاً أن القصة مجرد كذبة متفق عليها بين الكاتب والقارئ، ذلك أنها لا يمكن أن تنطلق من فراغ، أو أن تقوم على غير أساس، وأجمل تعريف يحضرني الآن وقد سمعته من اساتذتي ، ذات يوم بعيد : أن القصة (حدَثٌ وَقَعَ أو يمكن أن يقع) ذلك أنها حقاً في المحصلة الأخيرة، عمل متخيل، وليس من الصواب مطلقاً نعت كل...
بأيِّ إيقاع أتت بالشعر أنفاسي التي فاحت بأفغم ما يكون العطر ، هل وَرْد يُغنِّي؟ هل حروف بين أوراق تنمِّقُ ما يزيد العينَ إصراراً على أن تتضَمَّخَ الكلمات من سحْرٍ يحار العقل من دفقاتهٍ في الضوء أو تحت الظلال الخضر، لا خطوي إذا طارت بأجنحةٍ نجومٌ في فضاءات ترامت باذخات الفيضِ ساجدةً أمام محاريبٍ...
لا شيء يرضيني، وإن جاءت إليّ بمشرق الضحكات من لم يرضها قتلي، وكانت كل آمالي ، إلى أن عادني منها الذي ضجَّت به الأفواه من أضواء ما لمسته خائنة العيون من اندلاعي عاريا في الضوء أدفع عزمَتي مستشهداً ما ضاءت بغير جراحه رؤيا الذي يمتد من ماضيَّ أنشره فينشرني على الآفاق ... لكني سمعت نداءها بَيْنا...
عاد في رخصة قصيرة، بعد غياب، لم يجدها في البيت، فأرغى وأزبد، وأَرْعَدَ وهَدَّدَ، عرف من ارتعاش صوت أمها أنها ذهبت إلى مناسبة فرح، فاندفع مُمْسِكاً بذراعها لتدله على دار العرس، فوجئت المسكينة بمن تهمس لها بعودته، وهي في غمرة عاصفة غِنَاٍء نِسويٍّ وإيقاعات دفوف تدوِّي بانفعالات أكثر هيجانا مما يعج...
بعد باب المحروق أمضي مباشرة إلى «حومة الشوك « التي تبدأ طرقاتها صعداً نحو أعالي ليس كمثلها في نكران الذات إلا سهوبٌ لم يعرفها إنسان أبعد الجهات عن بلادي، ورغم ذلك فإن في أرض الشوك من سوف يذكرها ، إذا رياح ما ألقته هنا أو هناك ، بعيداً عنها ، وقد يبكيها كما يبكي كل نازح بلده. أتكون لللاجئ الهارب...
وقف قربي، وقد جَن المساء، فظننت أنه عابر سبيل، منصرف عن دعوة أو صلاة عشاء، مسدلاً على وجهه غطاء جلبابه، وقد بدا لي وكأنه يحمل في يديه شيئا يقطر ماء، فلما أضاءت سيارة ـ فاجأتْ وقفتَنا ـ ما حولنا، رأيته، فارتعْتُ، كان هو نفسه القذافي .. أبو طاقية ـ كما نعته، أحد الظرفاء، إنه إله النفط، لا يزال...
النقاد معلمونا وأساتذتنا لا ريب، وما نحب شيئا أفضل من سيادة الحس النقدي والثقافة النقدية، بين أجيالنا الجديدة والصاعدة، وإذا ضعفت ثقافة المعلم أصبح من حقنا أن نخاف على مستوى معارف المتعلمين ، الذين لا يقوى على النهوض بهم إلا أساتذة علماء،كبار، ومعلمون ماهدون رواد.لذلك نحب لهم أن يكثروا وتكثر...

هذا الملف

نصوص
20
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى