أحمد بنميمون

(في الذكرى الثانية لوداعِ عزيزٍ) انتبه إلى جسده منطلقاً مثل سهم يطير عبر فضاء ، لكنه رغم انطلاقه لم يتخلَّ عن ذاكرته التي كان يستعين بها على السير في طرقات هذه المدينة التي لم يقم بها منذ طفولته إلا على فترات كان تقطع ما بينها دائماً أحداث مؤلمة : تعثرٌ في دروس أو خصومةٌ مع جهة رفعت في وجهه...
كنا حين نصطف مزدحمين،أمام الكونطوار فتية غواية مستبشرين، ونحن نكرع كؤوسنا دهاقاً، لا نستحضر ما يتهددنا بين يدي الزمن القاسي ، فلا نتأمل ونحن في أوج يفاعتنا صورتنا في مرآة هذا الشيخ الفاني الذي يقف في الجهة الأخرى من البار، يحصي ما يقدمه لكل منا من قنينات البيرة ، بقطعة طباشير يضع بها خطوطاً...
بأيِّ إيقاع أتت بالشعر أنفاسي التي فاحت بأفغم ما يكون العطر ، هل وَرْد يُغنِّي؟ هل حروف بين أوراق تنمِّقُ ما يزيد العينَ إصراراً على أن تتضَمَّخَ الكلمات من سحْرٍ يحار العقل من دفقاتهٍ في الضوء أو تحت الظلال الخضر، لا خطوي إذا طارت بأجنحةٍ نجومٌ في فضاءات ترامت باذخات الفيضِ ساجدةً أمام محاريبٍ...
حكى الراوي ذات ليلة شتاء، وقد آذن صبر الأهالي على الانتهاء، من أيام جوعٍ وظمإٍ ، جعلت الأمعاء تفرغ، والنفوس تمتليء اعتزازأ وإباءً، فاضطربتْ الأحوال ولم تهدأ ، كما شهد بذلك ماضي السنين والقرون، قال: كان أنِ انسحب موفور السعد بعد أمدٍ غير يسير من حضوره، متأكداً من انقطاع ما بينه وبين كل من يدِبَّ...
تسمَّرتَ مُنبهراً وأنت تكتشف وقفتك على ضفة هذا نهر لا تدري لم اسماً ولا موقعاً، كما أنك لا تدري متى وصلت إلى هذا المكان ولا تعلم شيئاً عن مدة استغراقك في تأمل هذا النهر الذي كانت مياهه تغزر وتعم فتهدرحيناً ، ثم تقل حتى تكاد تنضب، فما بين ارتواء عام وظمإ يكاد تجف من آثاره خضرة نباتات الضفتين،...
1 كان هناك، أمام الخارج من داخل الأسوار،حيث تطوي ايدي الزمن أكثر من خمسمائة عام، إلى حاضر ذي ملامح رمادية محادية أسيانة ، عبر باب الشوق القديم، أن يسير بضعة أمتار إذا أحب الذهاب إلى أقرب مقبرة أو مصلى العيدين، ثم ما لا يزيد على الأربعين متراً، عابراً بين مبانٍ حديثة البناء، تضم فرنين وحانتين...
ـ 1 هل هو ما يعلو من منسوب مرارات الخيبةِ ، أوما يضغط من إحباط عبر سراديب انسدَّتْ في أعماق الروح : عكَـَّرَ من صفو عشياتي ، وقد انتهت الأخبار إليَّ بما لا يرضيني ، حتى خيل لي ألَّا رابط ما بيني وبين وقائع أشهدها تتحرك قدامي، وانا أدرك تأكيدأً أن هناك أياديَ تصنع منها ما تصنعُ، أو تمنعُ ما...
(1) راج ذات يوم، أن طه حسين أملى سيرته الذاتية في سبعة أيام، وقد صادف أن نقلتُ، وأنا بعد في يفاعتي، الخبر بعفوية إلى أحد أساتذتي، فقال لي معلقا: إن من يقول هذا لم يقرأ « الأيام »، ولم يعرف شيئا عن شكلها ومضمونها.وقد كنت إلى ذلك الحين لم أقرأها كاملة، بيد أنني لم أتوقف عن الرجوع إليها، بكل...
عاد في رخصة قصيرة، بعد غياب، لم يجدها في البيت، فأرغى وأزبد، وأَرْعَدَ وهَدَّدَ، عرف من ارتعاش صوت أمها أنها ذهبت إلى مناسبة فرح، فاندفع مُمْسِكاً بذراعها لتدله على دار العرس، فوجئت المسكينة بمن تهمس لها بعودته، وهي في غمرة عاصفة غِنَاٍء نِسويٍّ وإيقاعات دفوف تدوِّي بانفعالات أكثر هيجانا مما يعج...
لم يَكُنْ من حَجَرٍ يَغْفَلُ عما تشهدُ البيداءُ مِنْ ثقلِ الجلاميدِ اصْطِباراً في انتظارْ . كان ملءَ الصحوِ في كل التلاوينِ ، مِن الأزرقِ والأصفرِ ، في هذا المَدَى، ينهضُ في ما اهتزَّ في الأعماقِ مني كلَّ حِين: ينتهى في السَّمْعِ أو ما تُبـْصِرُ العينُ، تَوارَى خلفَ رمْلٍ في انحدارْ لا نباتٌ...
كان قد غادر مدينته في السابعة صباحاً، ووصل إلى المحطة الكبرى بعد ساعة ونصف عبر طريق تملأها الحفر والمنعطفات، اعتاد سائقو حافلات السفر السير عليها ببطء قتل في الركاب كل حلم بوجود مركبة تقطع المسافات الطويلة بيسر ذات يوم قريب أو بعيد، بل كل قدرة على تصور وجود دنيا أبعد مما تصله حافلات عمومية شائهة...
ليس صحيحاً أن القصة مجرد كذبة متفق عليها بين الكاتب والقارئ، ذلك أنها لا يمكن أن تنطلق من فراغ، أو أن تقوم على غير أساس، وأجمل تعريف يحضرني الآن وقد سمعته من اساتذتي ، ذات يوم بعيد : أن القصة (حدَثٌ وَقَعَ أو يمكن أن يقع) ذلك أنها حقاً في المحصلة الأخيرة، عمل متخيل، وليس من الصواب مطلقاً نعت كل...
لو تُركوا لأنفسهم لحق لهم القول إنهم لم يكونوا أكثر من ثلاثة، لكن ماذا نصنع، فها هم رغم إصراري لا يريدون الاعتراف بأنني واحد منهم وأنني كنت رابعهم, ـ أكنتم إذن أربعة َ...عفواً...مجانينـ بل ثلاثة كما يرى الناس هتف أحد الشهود منفعلاً ، ثم إلتفت إليّ، ولم يَزُلْ عنه ما كان قد علاه من استغراب، من...
وقف قربي، وقد جَن المساء، فظننت أنه عابر سبيل، منصرف عن دعوة أو صلاة عشاء، مسدلاً على وجهه غطاء جلبابه، وقد بدا لي وكأنه يحمل في يديه شيئا يقطر ماء، فلما أضاءت سيارة ـ فاجأتْ وقفتَنا ـ ما حولنا، رأيته، فارتعْتُ، كان هو نفسه القذافي .. أبو طاقية ـ كما نعته، أحد الظرفاء، إنه إله النفط، لا يزال...
النقاد معلمونا وأساتذتنا لا ريب، وما نحب شيئا أفضل من سيادة الحس النقدي والثقافة النقدية، بين أجيالنا الجديدة والصاعدة، وإذا ضعفت ثقافة المعلم أصبح من حقنا أن نخاف على مستوى معارف المتعلمين ، الذين لا يقوى على النهوض بهم إلا أساتذة علماء،كبار، ومعلمون ماهدون رواد.لذلك نحب لهم أن يكثروا وتكثر...

هذا الملف

نصوص
20
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى