ميسلون هادي

حدث هذا في الربع الأول من العام الحاكي الذي تنشرح فيه صدور السكان القلائل، فيتصرفون كالأطفال، ويلقون النكت القديمة، ثم يضحكون عليها مرة أخرى .. إنه الربيع يجدد الحياة، ويحرّك كل القلوب، بما فيها قلب الراعي الحكيم الذي لا يتحدث ولا يضحك إلا بالمثاقيل.. فحاكم قصور الأحلام الرئاسية معروف بالصرامة...
انتبه لنفسه الجديدة أول مرة عندما ارتدى نظارته الطبية، ورأى الصورة التي التقطها له جاره الحقير همام في باب الدار قبل قليل.. أخذ الموبايل من يده، وبحلق فيها جيداً، فبينت له بدون لبس، كم صارت عيناه متعبتين، وكم غاصت رقبته تحت علو واضح يشبه السنام.. وكم دارت عقارب الساعة بين سموم الصيف وهموم...
تواعدنا أن نلتقي في نهاية الجدار.. الجدار كان طويلاً يبدأ من بيتنا، ويلتقي في نهايته بجدار آخر يؤدي إلى بيت ديدن. كنت أمر به كل يوم في طريقي بين البيتين. وياما التقينا هناك خلسة من عيون المارة الوقحة التي تبحلق فينا عندما ترانا متعانقين هناك. كففنا عن تلك اللقاءات اليومية بعد أن عزمنا على...
كل يوم عند غروب الشمس يفترش (عبد الله) التراب الحار أمام الخيمة يأكل من صحن التمر، ويشرب من كأس اللبن، فتشرب السماء معه من لون الشفق حتى تغرق بدم اليمام، ثم ما تلبث أن تعتم ويسوّد لونها، إذ تفارق أشعة الشمس الغاربة المدينة شيئا فشيئا، لتتركها تحت رداء الليل مملكة من العتمة والوحشة زادها من الضوء...
.. ولما استعصى النوم على الرجل فتح الدرج الذي بجانب السرير ، وراح يعبث بمحتوياته غير مدفوع برغبة ما ، سوى التحايل على أرقه حتى تلك الساعة المتأخرة من الليل . إنه يفتح ذلك الدرج عادة كل صباح لأخذ أحد المناديل البيضاء المرتبة داخله باعتناء .. وبالرغم من أنه يبعثر ترتيبها في كل مرة يسحب فيها منديله...
قبل مئة ألف عام، عندما كان الإنسان الأولاّني لا يعرف ما جرى لأسلافه البشر سوى أنهم ماتوا ودفنوا وخلّفوا بشراً آخرين.. عندما كان لا يعرف من الكلام إلا ذاك الذي يخترعه الصيادون بضجيجهم، والأطفال بنداءاتهم المتكونة من التقاء الشفتين… في ذلك الزمان الذي كان البشر يتحركون فيه بالفطرة، كما تتجذر...
الكثير من الهوام موجودة حولنا ولا نراها.. ولا يمكننا رسمها أيضاً على ورقة لأننا لا نستطيع تخيلها.. الخالق الأعظم وحده هو الذي يخلق ما لا نعلم، وهو الذي يستطيع تخيل الشيء قبل خلقه… ويمكنه التغيير في رسمه أيضاً قبل أن يراه… وعند إيداعه أفضل أشكال الحياة.. يقول له كن فيكون.. ومع أن ذلك التخيل غير...
المنصة الخشبية المديدة بنية اللون تتوسطها سلة كبيرة من الورد الأصفر والأبيض والأحمر، ويجلس خلفها أربعة باحثين وباحثة سادسهم رئيس الجلسة الذي كتبت خلفه لافتة تقول (ندوة العلاقة مع الغرب من منظور الانسانيات)، وأصوات الطلاب خارج القاعة تتسلل خافتة إلى داخلها وتبدد صمت انتظار الميكروفون الذي تأخر في...
زُينت الأميرة تيبي بأحلى زيناتها استعداداً للآخرة، ووُضعت في أصابعها الخواتم المزينة بأحجار كريمة نُحتت لها خصيصاً في مشغل فنان من نينوى اسمه سنحريب، وهو اسم مبجل لدى رجال مملكة آشور يُطلق من باب التيمن بالجد الأعلى لملكهم بانيبال الذي جاء بالفنانين والكتبة من أرض ما بين النهرين كلها، فزينوا له...
المذيع في حالة الحرب والسلم.. يشتري ولا يبيع.. يولد ولا يموت.. لا فرق عنده إذا ناقش مسرحية الفصل الواحد، أو حقوق المعتقلين في السجون السرية….. المهم أن لا يحب أو يكره المخرج في الحالة الأولى.. وأن لا يحب أو يكره النائب العام في الحالة الثانية… وفي حالة التنويه بظهور الأطباق الطائرة في سماء...
شارعنا ينتهي بسدة ترابية لدواع أمنية.. وعندما تمر سيارة الأزبال فإن عليها أن تذرعه مرتين ذهابا وأياباً.. وفي الرواح والمجيء يحييني الزبالون، ويضحك معي سائق السيارة.. ظننت أن للأمر علاقة بشعري المنفوش على الدوام، أو بكوني السافرة الوحيدة في الشارع المسدود بأكياس الشاي الأخضر.. إلى أن اكتشفت أن...
بدأت القصة عام 1963، عندما عثر علماء الآثار داخل قلعة (مسعدة)، الواقعة على الساحل الغربي للبحر الميت، على مخازن تحتوي على كميات من نوى البلح القديمة تركها اليهود المنتحرون فوق حصون القلعة، تأكيدا منهم على أنهم لم ينتحروا جوعاً، وانما لتسجيل موقف تاريخي أثناء حصار تلك القلعة من قبل الرومان قبل...
ذهب ثامر وتمارا إلى الخطاط الشهير الذي يخط اللوحات والإعلانات وواجهات المحال التجارية، ولديه أيضاً في الطابق الأول شرفة صغيرة لرسم التاتو للشبان والشابات.. كان يرتدي قميصاً بنصف كم تبدو من تحته يده اليمنى كثيفة الشعر متسخة بالأحبار والألوان. يده طويلة جداً، ومرسوم عليها عناكب وعقارب وصقور...
استوقفتها الممرضة المناوبة عند البوابة الزجاجية المؤدية إلى وحدة إنعاش القلب .. وأخبرتها للمرة الثالثة بعدم إمكان دخولها إلى المريض رغم مرور ساعات على نجاح العملية .. نظرت إليها الأم وكانت متلفعة بسواد معبق برائحة ماء الورد ، النظرة المنكسرة المناشدة نفسها.. وتمتمت والدمع يخضل عينيها : – أراه...
الحوض الزجاجي الذي كانت تسبح فيه الأسماك الصغيرة، يبدو وقت الغروب أجمل من باقي أوقات اليوم، حيث تذوب الشمس الغاربة نحو الزوال، وتغمر الغرفة بضوء الغسق الذي يمض الروح ويجعل الإنسان يشعر بالأسى والحزن، فيجلس ساكناً أمام حوض الأسماك الصغيرة ويراقب حركتها المستمرة بين الصخور الناتئة، ويزجي الوقت...

هذا الملف

نصوص
32
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى