حنان حلبوني

أخيراً وافق جدي أن يقتني.. هاتفاً ذكياً بدل هاتفه النوكيا الأنتيكا، كان موقفه عدائياً دوماً من ذلك الشيطان الرجيم -كما يصفه- يقول: هذا ما كان ينقصني؛ أن أصبح مثلكم قليل عقل، هذا شيطانٌ رجيم، يحتوي من الموبقات ما لا يعدُّ ولا يحصى، تضعون رؤوسكم فيه، وتحركون أصابعكم وتبتسمون له ابتساماتٍ بلهاء،...
جلس ناصر فرحان في مكانه المعتاد على نفس الطاولة، في إحدى زوايا مقهى الهافانا، مرتدياً قميصاً أزرق، وبنطال جينز، مغطياً صلعته بقطعة شعرٍ مستعارٍ غالية الثمن، كان قد حصل عليها من أحد المحلات الفاخرة بعد أن نال مكافأةً ماليةً كبيرةً في إحدى المسابقات الأدبية، فتح حاسوبه ولقّمه كلمة السر وأشعل...
كانت ترتجف من البرد والخوف حين دخل آخر شخصٍ يخطر في بالها أن تراه. مضى عشرون عاماً على آخر لقاءٍ بينهما، لم ينتبه لوجودها أو اصطنع اللامبالاة، لكنها انتبهت تماماً إلى وجوده وعرفته مباشرةً، ‏‏‏‏‏‏‏‏رغم شحوب وجهه، ورغم قسوة الأيام التي نحتتْ تضاريس وجهه بعناية.‏‏‏‏ أرادت أن تلفتَ انتباهه إلى...
أخيراً وافق جدي أن يقتني هاتفاً ذكياً بدل هاتفه النوكيا الأنتيكا، كان موقفه عدائياً دوماً من ذلك الشيطان الرجيم -كما يصفه- يقول: هذا ما كان ينقصني؛ أن أصبح مثلكم قليل عقل، هذا شيطانٌ رجيم، يحتوي من الموبقات ما لا يعدُّ ولا يحصى، تضعون رؤوسكم فيه، وتحركون أصابعكم وتبتسمون له ابتساماتٍ بلهاء، ولا...
يجلس أبو أمجد - رفيق عمرها - إلى جانب سريرها، يتجرّع من آلامها ويخفّف عنها، يمسح بيده شعرها الأبيض ويقبّل جبينها، ثم يمسك بيدها وكأنه يمدّها ببعض القوة لتتمكن من تحمّل ألمها. يقضّه أنينها ومحاولاتها المستمرة لتحدّي الألم والبوح بما يجول في خاطرها.‏‏ يطلب إليها مراراً أن تتكلم، أن تنطق بأيّ شيء،...
رأفت وشوكت؛ تلميذان في الصفوف الابتدائية، يجلسان متلاصقين في نفس المقعد. كلما تسللت يد شوكت إلى حقيبة رأفت وأخذت منها سندويشة الزعتر، يبكي رأفت وهو صاحب جثةٍ ضخمة ورأسٍ كبير، فيبدو منظره مضحكاً أمام شوكت النحيل صاحب الرأس الصغير والقامة القصيرة، يضحك جميع الطلاب ويتابع رأفت البكاء منكساً رأسه،...
قريتي الجميلة "رمانة"! تشتهر بزراعة الرمان، وبمهرجان الرمان، وبعيد الرمان، وبملكة جمال الرمان، وبعصير الرمان، وبدبس الرمان. أسماء المواليد الإناث الأكثر تداولاً في قريتي "جلنار"؛ زهرة الرمان. اعتدنا أن نكون يداً واحدة في كل شؤوننا، متراصين كحبات الرمان، نعمل معاً ونفرح معاً ونحزن معاً. وفي موسم...
كان الربيع يرفع عن كتفي الشتاء آخر هبات الريح الباردة، وينفخ دفأه في روح المنزل الدمشقي، سيخرج أفراد العائلة إلى فناء الدار المكشوف، كي يتناولوا فطورهم بين النباتات والعصافير، سيستمتع العفاريت الصغار بأشعة الشمس اللذيذة، وستلاحق الفتيات الصغيرات الفراشات اللاتي قبلن دعوة الزهر المتفتح إلى امتصاص...
- اسمك الثلاثي؟ - غضبان عذاب الغضبان. - اسم الأم؟ - عمشا المفتّح. - مكان وتاريخ الولادة؟ - دمشق 1938 - المهنة؟ - حفار قبور. - العنوان؟ - مقبرة الدحداح. - عنوان السكن وليس العمل! - نعم، السكن وليس العمل؛ أسكن في غرفة صغيرة في مقبرة الدحداح أنا وزوجتي. - طيب يا سيد غضبان، منذ متى وأنتَ تعمل في...
اعذرينا أيتها البلاد لأننا لم نطهُ لحومنا جيداً كي تهنئي بعشاءٍ لذيذ ولأننا لم نحترق كفايةً كي تنعمي بالدفء كان علينا أن نتحول إلى هياكل عظمية لكي ترمي بنا إلى الكلاب المسعورة وأن نفرغ رؤوسنا لكي تملئيها باللوز المحمّص وجوهنا سوداء أيتها البلاد لأننا لم نلقّمكِ أعيننا لقمةً لقمة ولم نمدّ جلودنا...
استيقظَ أسعد على صوت رنين هاتفه، كان غارقاً في نومٍ لذيذ، أيقظه إشعار رسالةٍ الكترونية. لقد سهر ليلة أمس مع أصدقائه حتى وقتٍ متأخر وقد شرب كثيراً. وما أن قرأ الرسالة حتى طار النوم من عينيه ونهض من فراشه كمن لدغه عقرب، ارتدى ثيابه بسرعة وانطلق إلى الشارع، ركضاً وتعثّراً وسقوطاً ونهوضاً إلى أن...
قصيرة بتثاقلٍ وصعوبة، بعجزٍ وكسل، زحفتْ بجسدٍ ثقيلٍ هرمٍ لفتاةٍ شابةٍ في مقتبل عمرها. استغرقت في الانتقال من السرير وحتى طاولة المكتب من الوقت ما يكفي للانتقال من ساحة الأمويين إلى ساحة العباسيين. بالكاد جلست على كرسيٍّ واطئٍ بلا مسند، فتحت جهاز الحاسوب، فرقعت أصابعها ثم نشرتهم فوق لوحة المفاتيح...
جلس ناصر فرحان في مكانه المعتاد؛ على نفس الطاولة، في إحدى زوايا مقهى الهافانا، مرتدياً قميصاً أزرق، وبنطال جينز، مغطياً صلعته بقطعة شعرٍ مستعارٍ غالية الثمن، كان قد حصل عليها من أحد المحلات الفاخرة بعد أن نال مكافأةً ماليةً كبيرةً في إحدى المسابقات الأدبية، فتح حاسوبه ولقّمه كلمة السر وأشعل...

هذا الملف

نصوص
13
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى