علاء الدين مصطفى

الستائر التي تنزلها لتلامس أرضية الحجرة المُترَبة تطفئ العالم تدهن الشمس باللون الأسود وتفقأ عيون أعمدة الكهرباء فتجعل من الشوارع مقابر ومن الأرصفة طاولاتٍ للغُسل ومن السيارات شاهداً أخيراً على الكارثة قبل أن تتعطل محركاتُها الزاعقة في صدامها العشوائي الحاد، يا لجبنك تستأثر بدفء المصباح الأصفر...
في كل الأحوال أجِدُني رجلاً شريفاً ولا يسمح لي ضميري بأن أفتري عليكِ بأن أفتري عليكِ وأقول إنكِ مجرمة لمجرد - فقط - أنكِ غرستِ أظافرَكِ في ظهري فأَسَلْتِ دمائي، وجعلتِ قُبلتنا الأخيرة أطول من اللازم فأفرغتِ رئتيّ من الهواء، وصرتُ - من الخدر - لا أقوى على الوقوف فوقعتُ على ظهري غصباً عني ليرتطم...
لو أن يوماً واحداً لم يأتِ ولم يرحل ولم يصنع من نفسِه قتيلاً ومن روحنا مقبرة ومن السقوطِ فيها محبةً كاذبة ومن حَمْلِهِ تَستُّراً على جريمة! لو أن يوماً واحداً لم يغافلْنا في المجيء، وفي الرحيل مثل رصاصة ناعمة وكان قد تعرقل فينا قليلا مثلما يتعرقلُ منشارٌ في جذعِ شجرة أو يعترضُ حَمَلاً تخلّف...
أتعثّر لأنها تحب أن أستندَ عليها ولأنني لا أريد أن أخذلها بعدما تحولَتْ لأجلي من عشيقةٍ إلى حائط، أبكي لأنها تحب أن أمسحَ بها دموعي ولأنني لا أريد أن أخذلها بعدما تحولَتْ لأجلي من عشيقةٍ إلى مِنشفة، أسقط في الحُفرِ العميقة لا أصرخ، طالباً مساعدة من أحد أعرف أنه بعد ثوانٍ قليلة سيتدلّى الحبل...
لا أذكر ملامج الذئب الذي عض يدي فيما كنت أحدق في صورتي المنعكسة على ماء الترعة الراكد وأبتسم لا أذكر ملامحه لكنّي أذكر أنني من يومها لم أعد أبتسم أمام المرايا في وجوه الناس أعين زجاجية تشبه المرايا لا أنظر في عمق إحداها إلا وأتحسس أصابعي التي فقدتها في تحديق طفولي ساذج أتحسس أصابعي واتحسس -...
في نهاية الأمر لن أجلس على العرش لن أجلس على العرش وأتنهد وأغمض عيني مطمئنّا لأن إلها - فقط - أو ديكتاتورا لانَ قلبُه، لتشرُّدي على الإسفلت وفوق سلالم البنايات المتآكلة في محاولات الصعود إلى السماء بشكل قانوني وغرس خنجرا في روحي.
كانت ترتدي بنطالاً أبيضَ بسيطاً بسيطاً جداً لدرجةِ أنها حين خلعتْهُ، لم أرَها وهي تفُكُ أزرارَه وترميهِ من مُرتفعِها الشاهقِ ليعلِقَ في المنتصفِ مثلاً فتتعثَّر وتسندُ في اللحظةِ الأخيرةِ - قبل أن تقعَ - على الدولابِ بيدٍ وبالأخرى تسحبُهُ من قدمَيْها وهي تضحك. كانتْ ترتدي بلوزةً بيضاءَ خفيفةً...

هذا الملف

نصوص
7
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى