يوسف المحيميد

متبوعاً بالضحكات أحيانا, وبحجارة الصغار أحايين أخرى, وهم يرقصون خلفه ويردّدون, فضلة الديك. ويلك لا يجيك!! لحيته هائشة ومجزوزة في بعض أجزاء ذقنه, ووجهه يشبه أرضا مهملة. لا أحد يهتم به, رغم أنه يحاور الآخرين بوعي شديد في السياسة, لكن هؤلاء الآخرين يعتبرون إجاباته وأفكاره إنما هي أفكار مخبولين...
على سرير أبيض وجدتُ نفسي نزيلاً في مستشفى "نورج" العام، بعد أن نقلوني من مستشفى "بيوبا" البعيد عند أطراف المدينة، في حالة أشبه بالغيبوبة. حاولتُ أن أتذكر من أنا؟ ومن جاء بي إلى هنا؟ وأين أهلي وأمي؟ وهل أنا على الأرض أم في السماء؟ فلم أستطع. رأيت أنبوبة المغذي معلقة على حامل، وكأنها بعيدة جدا في...
كنت دائماً أرى ما لا يُرى، أرى في النوم قناديل تضحك، وعيونا تلتمع، وأرى أبي يتحدث مع غرباء عن الموسيقى، تحفهم السمفونية التاسعة لبتهوفن. كان أبي يتحدث إليهم منتشياً عن سوريٍّ مقيم في فرنسا، يدعى عابد عازريه، يتحدث عن نهجه الموسيقي، والآلات التي يستخدمها! كان وجه أبي تماماً، بتجاعيده وانفعالاته،...
أعرف جيداً أن خدمات البريد تشبه حائط جدّي الطيني المهترىء، لكنني لم أتوقع أن تكون بهذه الدرجة من التأخر، كأن تصلني رسالة بعد سنة وأربعة أشهر. في أي دِرْج تاهت هذه الرسالة كل هذا الزمن؟ أي أصابع شيطانية خنقت هذا الحب والوله كل هذه الأيام؟ لا أعرف. فتحت المظروف الوردي الصغير للمرة العشرين، وتأملت...
باب الجارة كان مواربا، آن لمحت أخي يخرج منه متسللا فجرا، وقبل أن يسلّ مفاتيحه من جيبه انتبه إلى أن بابنا كان مفتوحا، وأنني بالكاد وضعت كيس القمامة الأسود في الجهة الأخرى من الشارع، واستدرت فاصطدمت أعيننا قبل أن ينكسر ويدلف عجلاً مرتبكاً. غرس ذات ليل في يدي رسالة صغيرة لها، لم أفهمها في ربيعي...
كثيراً مايمشي أبي في ظل الجدار ، لا يحب أن يلفت نظر أحد ، ويكره أن يحكي جليسه في السياسة ، يقول لي دائماً ، انتبه لنفسك ، لاتثق بأحد حتى لو بدا لك صديقا ، ربما ورث هذا الخوف عن جدّي الذي اشتهر بكلمته المعهودة : ( يابني ، لاتكن رأسا ، إن الرأس كثير الآفات )، حتى أن أبي يضيف من عنده ، أن أول...
الحشرة كانوا أربعة، وقفوا بجوار فراشي، أيقظوني بغير أسمي، فقفزت مذعورا، لم أتعرف على أي منهم، سوى الذي وقف قبالتي، إذ ابتسم لحظة أن وقعت عيناي على ملامحه، كان يشبه أبي كثيرا، لكن لحيته أكثر كثافة وبياضا، قال فيما يشبه الهمس: هيا. كانت عيناه تشيران نحوي، والنحو الدفتر ذي الورقات العشرين، وما أن...
لم تقتصر دعابات هواء نوفمبر الليلي على مصابيح الشارع العالية ، بل كان كل فينة يهبط ليشاغب ياقة ثوبي ، مثل نورس ينثني ملتقطاً سمكة من موجة هائجة ؛ رغم ذلك لم أبرح رصيف الإشارة اليومي ، متجولاً بين السيارات الفارهة كما يليق ببائع جوّال متمرس ، يعرف البلاط الرمادي جيداً ، ويقرأ الإسفلت حصوة حصوة ،...

هذا الملف

نصوص
8
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى