د. سيد شعبان

سأحكي لكم اليوم عن سر يخنقني، أخفيته عن نفسي، لا يعلم أحد عنه شيئا، كنت أبحث في سجلات العائلة التي اصفرت أوراقها، وجدت أنني هجين، جاءوا بي من بلاد بعيدة، ملامحي تشي بأنني نوبي؛ فقد كانوا يسرقون الأطفال من وراء أمهاتهم، يستدرجونهم بقطع الحلوى وشعر البنات، لا أعلم أمي من تكون، فقط وجدت وشما على...
في زمن مضى كانت الحيل تفوق التصور وتغلب المحال؛ الآن كل هذه الأشياء صارت من الأساطير؛ كثيرا ما كنت أحلم بأنني بلا حذاء؛ ساعتها أضرب أخماسا في أسداس من تراه سرقه؟ لم أجد تفسيرا لهذا الحلم العجيب، تكرر مرة ومرة وجدتني حين أصحو أتحسسه، لا أطمئن حتى تتحرك أصابع قدمي فيه؛ ساعتها أشعر بالأمان، أشد ما...
لماذا يجب علي أن أصحو من النوم؟ حاولت الإجابة على هذا السؤال أكثر من مرة؛ ربما لأنني أكره الليل؛ ينسج حولي رداء من الظلام؛ تدخل الدنيا في ثبات؛ تزورني أطياف لا أكاد اتبين ملامح أصحابها، رجال لايرتدون غير الأقنعة؛ يتبين من عيونهم أنهم يدبرون لي مكيدة؛ أستدير جهة الحائط فتنشق الحجرة عن مغارة...
سرى نبأ في كفرنا انزلق من لسان هنومة الداية تلك التي تدب في الحواري وتتسمع الوشايات، يقولون عنها: أذنها ملقاط وفمها الذي به ناب من فضة وآخر ذهب يشبه الإذاعة ترغي من راديو فتوح القهوجي؛ وإن ماء سبيل أم عباس مبارك؛ تأتى به جنية من سحابة تنتظرها أعلى جبل المقطم من جهة قلعة الجبل، على أية حال تبعتها...
في الكون أسرار، لدي أهل الطريق منها الكثير لا يبوحون بها إلا لمن خلصت نيته، يعرفونهم بسيماهم، يتناثرون في الوادي والدلتا عقود جمان، يمشون بها، يفكون بعض ألغازها، شيخ مبارك يجوب الحارة عند منتصف الليل، يطرق الأبواب الغافية وراء السكون، يمسك بمفتاح منقوش عليه " لا غالب إلا الله" مخطوط من جلد عنزة...
ركبت الحافلة التي تتداعى أركانها؛ مثل كل شيء يضربه الذبول باتت تعاني الموات؛ هل حقا يصيب الآلات الوهن؟ حين يكون الفقر على المرء أن يتدبر حاله، لاسبيل لرفاهية في وقت الغلاء؛ أعاني خواء حافظة نقودي؛ متى أراها منتفخة؟ أخرجت لمحصل التذاكر قسيمة الركوب،أسلمت عيني للنوم؛ بدا لي العالم أشد صخبا؛ حين...
حينما كنت آتي القرية أجده يبيع الملوحة، لكنه وهب بسطة الأمل ، كل مرة يبيع البسمة مقترنة بتلك الأسماك التى اختزنها ليسترزق من ثمنها، الصبر ما أجمله من زاد! كلمات لم أكن أدري معناها حتى غاب عمي مسعود وراء الصمت المطبق داخل المقبرة العميقة، زوجته امتهنت حرفته، تعطي بعض الليمون ممتزجا ببسمة طيبة،...
حين انتهى من رواية" ثلاثية غرناطة" مثل أبو عبدالله الصغير أمامه؛ حين مر بهذا المكان تذكر كل هذه الأحداث... الباب ما يزال موصدا؛ تقف على جانبي السور خيول وجنود يرقبون كل شيء. ترسل راشيل أو ماري أو غيرهما سفنا تقتحم البر تنزل الرايات الخضر فتحيلها حمراء تنزف! أصوات لا يتبين مكانها لكنها تتوالى...
لم يتبق مكان يحتمي به الصغار؛ تتربص الوحوش بمداخل المدينة، تقذف السماء بكتل من النار، يتساءل طفل :هل في الجنة حليب وكسرات خبز؟ هناك سأجد أمي، لقد اشتقت إليها؛ منذ شهر لا أجدها. أبحث عن قطتي التي اختفت، عائد أخي ذهب بعيدا، يرسل إلي نصف رغيف، كل الصغار يبكون، لم تعد معلمة الفصل تحكي لنا عن...
لو كان النقد مجاملة وقرابة لمات الإبداع عند أول بادرة، تلك مقالة تستوجب أن نضع تحتها خطوطا عراضا وألا نمر دون أن تسترعي الانتباه، لعل العارفين بمقالتي يدرون خلفية ما أستدعى أو أكتب؛ معاذ الله أن أكون موقظ فتنة أو أنفخ في جمر يوشك أن يخمد، مجال الإبداع يتسع لكل ذي قريحة يخلص لفنه، ولا يحتاج شهادة...
بدأت أشعر بالحياة تدب في شراييني؛ منذ فترة غادرت العالم الذي تسكنه الجن، كنت في غيابة لا تشرق فيها شمس ولا يختال بها قمر،فالأبواب مصابة بالخرس، ألف واش يبلغ عن همسة الليل؛ تنام النساء في مخادع تلتهب جمرا؛ لكن الرجال بها عنة؛ لو يقبل مولانا القاضي لأجاب كل واحدة أن تخلع ربقتها،كنت فاقد الذاكرة،...
جاء في الكتب العتيقة أن كائنا غريبا سيخرج من جوف النهر؛بدأ العرافون يضربون الودع؛ فقد اقترب زمانه! أقسم أحدهم بأنه بعين واحدة؛ إصبع إبهامه أطول من قرن الخروب؛ أسنانه منشار عم شنقار! تلك حكاية ؛ تطوع أحدهم وأخبرنا بوصفه؛ رأيته؛ كم كان طيب القلب! يتغدى بشطيرة خبز ووعاء لبن من بقرة حمراء فاقع...
لم تصلني إلا بعد فترة طويلة ،لقد كتبها وهو يودع كل أصحابه،لم يجد أحدا غيري يعهد إليه بأسراره،لم يشأ أن يغادر وكل هذه الأحمال على كتفه،أراد أن يتخفف منها،البوح كثيرا ما يخفف التعب النفسي،بل أحيانا يكون علاجا لآلام الجسد،أخبرتني أختي الكبرى : كان ثابت القلب،لكنه كان يمس جدران البيوت التى...
مؤكد أن ما أخبرني به ذلك الرجل الطيب قد حدث؛ بت أتساءل وماذا بعد؟ علي أن أغادر تلك المدينة على وجه السرعة؛ ثمة أخبار ترد من وكالات الأنباء أن التماسيح تخرج إلى الشاطيء؛ حين اتصل بي صديقي صبري شوقي أكد لي هذا؛ إنهم يبتعدون عن النهر؛ لم تعد السفن تشق ماءه؛ حين وضعت رأسي على الوسادة مستجلبا النوم...
تبدو الملامح باهتة فلا يكاد يعرف واحد من أهلها، يتمطى الناس فيما بين بابها وبين الزاوية، إنه صباح يوم لايشبهه صباح مضى عليهم من قبل؛ لقد ضرب المحروسة زلزال تراقصت منه البنايات، ثمة أقاويل بأن عفريت من الجن خرج من جوف النهر، تعدو القطط السوداء وراء العصافير، انتبه عم جاب الله لمفتاح الخزانة، ترى...

هذا الملف

نصوص
481
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى