د. سيد شعبان

أعلم أن هذه مدينة بلا قلب يرحم الأيتام؛ فالجميع هنا مصاب بالفقد، به وحشة لا تملؤها أندية المدينة الصاخبة؛ رغم هذا حوائطها ومبانيها صماء معجونة بالغلظة، تبدو مثل زوجة أب ألقت بصغاره في العراء وجلست تمشط شعرها وتضع عطرها الشهي، ترتدي له قميصا أرجوانيا؛ يتناسى صغاره، تمزق أمعاءهم الكلاب، ثوبي بقيت...
بجتاحني طوفان من الحزن، أشعر أنني أؤدي دورا تافها فوق خشبة مسرح اللامعقول؛ يضرب الهذيان عقلي؛ ثمة مشاعر متناقضة، نظرت في المرآة فهالتني تلك التجاعيد التي تجذرت، بحثت بين أوراقي عن شيء أفتقده، تعودت أن أدون أهم أحداث عمري؛ نجاح أو زواج، قصاصات تكون تذكارا من الزمن الجميل، لا أدري ما الذي جعلني...
في لحظة لا أتذكرها كنت هنا، مضت الأيام ولا أجد مبررا للحديث عن أشياء صارت باهتة؛ غامت ذاكرتي، الأمر الوحيد الذي يدفع بي للقلم هو أثر الجرح على جسدي، خطوط تركها سوط الجلاد الذي لا يرحم على ظهري؛ بصقته في وجهي؛ يوم أن اقتادوني في ظلمة الليل الذي فقد قمره، حشرت مع آخرين؛ يبدو أنني ارتكبت جناية لا...
انتهت حالة الهيجان العصبي التي أسفرت عن جلطة دماغية خفيفة، مضت ساعات الترقب كأنها قطار فقد طريقه. تعرضت لمثلها من قبل؛ يؤسفني أن هذه الحالة أطارت ببقية خلايا عقلي، ما عدت أميز بين الناس، صرت المجذوب يركض في كل ناحية؛ قالت أمي: إن الفضيحة أن تنكشف لك سوءة؛ وما أدري أن الخرق يتسع على الراتق، كنت...
تصدر تحذيرات بأن شيئا ما يهدد سكان المدينة وما يتبعها من علب الصفيح؛ سأدخل تلك المغارة مجبرا؛ لم يعد لدي ترف الاختيار؛ حين جلست عند شاطيء النهر وجدت واحدة يدلف إليها ثعبان كبير؛ فالبيات الشتوى اقترب موسمه، في بلادنا مائة عام من العزلة لا تكفي، علينا أن نبقى في باطن المغارة بامر الأخ الأكبر يرى...
كل شيء انقلب رأسا على عقب؛ اختفت الأشجار التي كانت تزين المدينة؛ تكدست تلال من النفايات فتكاثرت الفئران بصورة غير معقولة؛ هربت القطط إذ صارت عاجزة عن ملاحقتها؛ حاولت حاكمة المدينة مواجهة ذلك الحدث؛ تبث أجهزة التوعية بيانات على رأس الساعة؛ ارتدى المواطنون القفازات البلاستيكية؛ وضعوا كمامات على...
جاء في الكتب العتيقة أن كائنا غريبا سيخرج من جوف النهر؛بدأ العرافون يضربون الودع؛ فقد اقترب زمانه! أقسم أحدهم بأنه بعين واحدة؛ إصبع إبهامه أطول من قرن الخروب؛ أسنانه منشار عم شنقار! تلك حكاية ؛ تطوع أحدهم وأخبرنا بوصفه؛ رأيته؛ كم كان طيب القلب! يتغدى بشطيرة خبز ووعاء لبن من بقرة حمراء فاقع...
تراكمت السنوات على وجهه، صارت خطوطا ومنحنيات تشبه دروب حارة المتاهة في كفر أبو ناعم الذي يقبع خلف شريط القطار الواصل بين دسوق وقلين بلاد يغطيها طوفان من الذباب والبعوض، الناس هنا تنام على وقع أقدام عساكر الإنجليز يتطوحون سكارى من خمارة الزغبي. أهل الكفر يخافون منهم على أبقارهم ونسائهم؛ يضعون...
لا أكاد أصدق، تكاد الأرض تميد بي، بدأت أتساءل: ليس هذا اسمي ولاذاك لقبي، مؤكد أن ثمة تشابها بيننا، لاتعدو أن تكون مزحة صنعها أحد الذين يظنون بأنفسهم خفة الظل، كثيرا ما تعرضت لمواقف تشبه هذا، لعلهم يعرضون علي مشهدا لم أتخيله يوما وأنا ذاك المشهور بالعيش في عالم آخر، ربما النوم الثقيل الذي...
كنت فيما سلف من عمري مصدودا عنه ؛ بعض هشاشة في فكري ، لما تمرست بالكتابة وجدته يمتلك سردا رائعا ، لم يكن فقيها ،بل في أحيان كثيرة له زلات عقيدية ، الرجل كان صادقا مع نفسه ،لم يتلون ،بل نقد مجتمعه بما تبسر له ، عالج كل القضايا بنفس ممتلئة وطنية ، قرب الفصحى لعوام الناس ، كتاباته تحمل زادا ثوريا ؛...
سؤال يلح على خاطر الكاتب ويدفع به إلى البحث عن إجابة مغايرة، في ظني أنه يكتب ليرصد الواقع بكل تغيراته ونتوءاته، يسجل لكنه ليس آلة صماء تلتقط صورا، قلم يخايل في مهارة حتى لا يقع في شرك الملل والتكرار. هو ليس بحامل مبخرة في بلاط السلطان يهادنه أو يخادعه بل يظل بعيدا حيث تتسع الرؤية وتتكشف...
لا أدري ما الذي دهمني الليلة الماضية؛ طريق طويل غير أنه مسيج بهؤلاء الذين يسدون عين الشمس، لم أرتكب في حياتي مايشي بأنني من هؤلاء الغوغاء، أعترف بأنني لا امتلك حسابا مصرفيا، ليس لدي تطلع لأن أكون أحد الوجهاء، تفقدت حذائي فلم أجده؛ ترى هل سرق؟ حين أنام مبكرا تتراقص حولي الأحلام، كثيرا ما أتعجب من...
لم تصلني إلا بعد فترة طويلة ،لقد كتبها وهو يودع كل أصحابه،لم يجد أحدا غيري يعهد إليه بأسراره،لم يشأ أن يغادر وكل هذه الأحمال على كتفه،أراد أن يتخفف منها،البوح كثيرا ما يخفف التعب النفسي،بل أحيانا يكون علاجا لآلام الجسد،أخبرتني أختي الكبرى : كان ثابت القلب،لكنه كان يمس جدران البيوت التى...
لاشيء هناك؛ هذه إجابة أحاول كل مرة أن أقنع بها نفسي؛ أنتظر رسالة أو ضوء مصباح أو أي دليل يؤكد لي أنهم مازالوا متواجدين في ذلك البيت حيث دب الوهن في جسدي؛ كانا بالنسبة إلي الملاذ آوي إليه، يشعرني كل هذا بالأمن حيث أفتقد من يذود عني؛ تغيرت الدنيا من حولي؛ رغم أنني أمعن في السخرية من تلك التجاعيد...
لا أعتقد أنني أنهيت كل الحكي الذي اختزنته ذاكرتي؛ ثمة تشابه بيني وبيني العم ماركيز فكلانا أمسك بقلمه ودون ما كان جميلا، لا أدري إن كان ذلك الكلام الذي ألقت به جدتي في سنوات عمرها التي امتدت مايقارب قرنا يصلح لأن يسمع به الصغار ممن لم يشاهدوا النيل يفيض حتى يغمر كل القرية، لم يعد أحد يتذكر أشجار...

هذا الملف

نصوص
482
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى