فهد العتيق

نص فهد العتيق في عمله القصصي “أظافر صغيرة.. وناعمة". ملتبس. والالتباس هنا يطاول المضمون كما الأسلوب حاملاً قصص المجموعة إلى مرتبة تلامس عتبة الأدب الرفيع، بل أخالها تطأ هذه العتبة. العتيق يحب محيطه ويكرهه. يحبه حتى أنه حفظ رائحة جدرانه وحاراته وأزقته، يحبه بتصويره البديع لأشخاصه ومخلفات كلابه...
ذات مساء خصب وهادئ هجمت فيه على رأسي أفكار متداخلة فكتبت سيناريو الفيلم المؤجل، في تلك الليلة التي شعرت فيها بفراغ العيش حاولت ترميم ذاتي بأفكار جديدة، مشاهد لفيلم اختمر كثيرا في الذاكرة، مشاهد روحية تبحث عن رؤيا جديدة ، وحين أحاول إغلاق عيني المتعبتين يهزني صوت من الداخل، أرتجف ثم أصحو لكي أرمم...
كانا يجلسان على رمل الشاطئ، تحت مظلة كبيرة من سعف النخل، قريباً من البحر، الناس هنا قليلون والليل على وشك البرودة، وهو يحاول أن يوضح لها موقفاً مهماً. قال لها: أنا متعب.. قالت: حين ترى أبعد نقطة في ظلام البحر سوف يزول التعب. قال: ربما. نام على ظهره وراح يتطلع إلى السماء المليئة بالنجوم كأنها قبة...
أشعر أن الليل الضال يتسع، في هذه الحارة العذبة أحياناً والكئيبة أحياناً أخرى، الظلام الموحى والهادئ والممل يتسع ويطول، وأنا أمشي في الحارة وحيداً، أمشي في طرقات حائرة وضائعة، ثم أصادف محل فيديو الموعد الذي أحببت وجوده في حياتنا، أحببت وجوده في حارتنا متربعاً مثل علم كبير في زاوية كبيرة على...
حملوه في المساء بين أيديهم ، نقلوه من المزرعة الى بيتهم القريب على طرف القرية، كانوا يحملونه بغضب مكبوت، وهو كان يبتسم بسخرية وألم مع شعوره بلحظات رعب خفيفة. يتحدثون معه في الطريق القصير وينصحونه بصوت فيه مجاملة، لكن فيه أيضاً نبرة توبيخ واضحة وصريحة، يتحدثون معه بصوت شبه مرتفع، يحاولون أن يكون...
اسقيني أو مدي لي من رائحة التراب فأنا ما زلت سائق تاكسي وطفل حارة ضائع في هذه المدينة الواسعة ، أفيق دائما كما كنت تفعلين في السابعة ، أشرب قهوتك في السابعة صباحا على موسيقى النشرة الإخبارية وصدى ضحكاتك الصباحية ، في الغرفة التي تطل نافذتها الصغيرة الواطئة على الأرض الخربة . وقت جديد لاهث لم...
كنا نسير في الطريق الطويل معاً ظُهْر يوم العطلة ، كان الطريق معتما وكنا نرى على ضفافه منازل صغيرة واطئة ، وكانت تبين الأبواب المواربة المدهونة بكل الألوان ينبعث من فتحاتها أضواء المصابيح الواهنة ، وكان الناس يخرجون ممتلئين برائحة المستنقعات والرطوبة و يتمشون في الشوارع الضيقة . في ظهر الجمعة...
دخل الوقت في رماد ثم في عتمة في سواد ، وهو نائم بخوف ، وهي على كرسي نظيف ، أمام طاولة زجاجية لامعة ، تنظر في الجدار أمامها وتنتظر حركة في الغرفة المجاورة. ربما يفيق الآن ... كان لها اسم فرحى وقلب فرحى ولون سعيد، وصوت وردي مشبع بفرحة كل الأصوات، كان لها ضحكة تأتي دائماً عبر فتحات البيت من تلك...
عندما دخلت الشقة الصغيرة التي سوف تكون بيتي الجديد شعرت بغربة عميقة ثم حزن ثم رغبة في البكاء أو الهرب . عمارة زجاجية أغلب شققها مكاتب تجارية تفوح منها رائحة الأرقام والحسابات، والناس هنا وجوههم رسمية ولا يحدث بعضهم بعضا. كان العمال يفرشون أرضية الشقة ويدخلون الأثاث، ولا أدري لماذا شعرت في تلك...
نمت جائعاً وظمآن ، قرأت في كفي غزالة وأيقظتني فضحكت ملء فمي: يا وجوه قاع الكأس. صحوت جائعا وظمآن ، فتحت القلب للهواء والنهار، كفاي خطوط بلا انتهاء، حدقـّت في تعرج خط من رأس الإبهام حتى الذراع فإذا نهر من ماء مغشوش، أطلب كسرة من نجمة ساقطة ، تختلط اللعبة بأغنية عن ثورة جبل أفاقت على صوته مدينتان...
أذن الفجر فسمع صوتاً أنثوياً بقلب احتفالي يهمس له برفق : قم .. كأنه صدى صغير لصوت المؤذن ، يتردد في أذنه فيتذكر أزمنة الصباحات القديمة ، حتى إذا ما انتهيا، الصوت والصدى ، شعر بيدٍ باردة على رأسه ، ليرد : أنا مستيقظ ولكن أشعر بالبرد، يقول الصوت ناصِحاً : يجب أن يراك الناس في المسجد ليعرفوا انك...
أزوركم الآن في بيتكم الجديد بعد تغير الوقت والأحوال وبعد هبوب رياح صغيرة اقتلعتنا جميعا ورمتنا في محطة جديدة وفي متعة جديدة بلا روح أمك ليست أمك وأنت لست أنت أراك سارحا وحزينا لكنك لازلت طويلا ونحيلا وجميلا.. ولازلت تحكي لي بصوت هادئ وعميق عن الذين رحلوا ولم يعودوا وعن حلمك السارح الذي أحببت...
خرج في صباح هذا اليوم البارد ، وضع في جيبه ضحكته المحايدة ، وقاد سيارته بهدوء. يتأمل ناس الصباح ، يتأمل شمساً لذيذة على عينه المخدّرتين ، ليظل اقل انتباها، وأقل حذرا ، واقل رغبة أن يصل إلى ما يريد ، لا يعرف ماذا يريد ، له ما يريد ولهم ما يريدون ، والمسافة بينه وبينهم صباح وضحكة محايدة ونور ساطع...
دار الهواء حول نفسه دورتين ، ثلاثا ، أربعا ، فاستيقظ التراب الراكد منذ زمن وبدأ يلاحق موجات الهواء الصغيرة التي تدور حول نفسها ، اتسعت الدائرة فارتفع التراب عموداً أحمر و أخذ مكانا واسعا في الفضاء الفسيح على حدود المدينة مدفوعا بريح أكثر يأسا ، ريح صارمة بدأت تدور كأنها امرأة تبحث عن حب مفقود...
سقط الشيخ . سقط فجأة مثل بيت قديم . سقط الشيخ إبراهيم الذي كان يركض في حارات وشوارع الرياض القديمة حافيا . سقط أمام بيت أبن جمعان . كان قادما من سوق الحمام في حراج أبن قاسم كما قال رفيقه . افترقا هو ورفيقه في مدخل الحارة قبل المغرب بقليل ، ولا أحد يعرف ما الذي جرى لكي يسقط هكذا فجأة بلا مقدمات...

هذا الملف

نصوص
57
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى