صفاء عبدالمنعم

أصبحت الشوارع تنادينى! ما إن مررت مرة منها حتى عرفت رائحتي ولوني وشكلي،فصرنا صديقين. فى البدء نلتقى على أستحياء مثل مراهقين، ثم مرة فى مرة نصبح عاشقين، تجرجرني أقدامي المتعبة نحوها أستريح قليلا على مقهى من مقاهيها. فى كل شارع أصبح لى مقهى أستريح عليه نتبادل الخبرات والحوارات والشكوى. هى تشكو من...
لو كانت تستطيع أن تقتلها ، تلك الكلمات البذيئة والتى كانت تخرج من فم جدتها ، والمحملة برائحة نتنه ، ببخار الماء فى ليالى الشتاء الباردة ، وبعد أن تشرب كوبا كبيرا من الحلبة باللبن حتى يسهل عليها دخول الحمام صباحا دون مشقة أو تعب لأنها تعانى من حالة إمساك حادة وشديدة ومستمرة وخاصة فى فصل الشتاء...
لم تكن تدرك جيداً،وبشكل قاطع،متى تعود بمفردها إلي هذا المكان مرة أخرى،كما وعدت النادل العجوز،وهى تنهض من مكانها بصحبة صديقتها التى رحب بها النادل ترحيبا حارا متواصلا،طوال مدة القعدة التى تجاوزت الساعتين تقريبا. قضت فيها على أربع زجاجات من البيرة الساقعة/المشبرة كما كانت تقول للنادل فى كل مرة...
إلى ابتهال سالم تعبت البنت ( المكتنزة البيضاء ) من السير بمفردها فى شوارع المهندسين الداخلية الهادئة ، وظلت تبحث بعينيها المجهدتين عن مكان آمن تستريح فيه حتى أنتهاء موعد العمل ، فتعود مغسولة من حزنها ، وتدعى كذبا أنها ذاهبة لتصلى ركعتين فى مسجد السيدة نفيسة رحمة ونور على روح صديقتها الغالية -...
كانت الأم كل يوم بعد تناول طعام العشاء، تقدم إلى أولادها أطباق الحلوى اللذيذة، خصوصاً فى فصل الشتاء، لأن السكريات تعطى طاقة ودفء فى البرد .. وكانت دائما تصنع لهم أطباق الأرز باللبن الشهي وتضيف عليه رائحة المورد الفواحة العطرة، وتضع على وجه الأرز بعد أن يبرد المكسرات اللذيذة والشهية، مثل الذبيب...
هذه صورة الست. أم كلثوم. كانت معلقة أمام عيني بجوار جهاز المونوجرام بمركز صحة للأشعة بشارع محي الدين أبو العز. كادت عيناني أن تبكي بحرقة الوحدة والألم،و أنا أخلع ملابسي للمرة الثانية، خلف الستارة الحمراء. عندما رفعت الممرضة صوتها وهي تمد يدها لى من وراء الستارة:يا مدام،هنخلع ملابسنا كلها،ونلبس...
” بس قلبى لسه خايف من الليالى ، وأنت عارف قد إيه ظلم الليالى “ كان صوت ( محمد الحلو ) وهو يشدو بهذه الأغنية العاطفية ، للفنان الراحل عبد الحليم حافظ صادقا ، ونابعا من القلب ، وإحساسه بكل كلمة أضاف إلى أداءه روعة على روعة صوته الصافى الحنون . كانت وهى صغيرة من عشاق صوت ( عبد الحليم حافظ ) وكانت...
شعاعا خفيفا ظهر فجأة من بين شقوق السقف،حين فتحت جدتى الرزونة العالية. أطلت الشمس ناشرة أشعتها الدافئة فى برد يناير،ونحن نجلس أسفلها نضحك وعمى الكبير يشير نحو النخلة العالية السامقة أمام باب الدار ويضحك وهو يحكى لنا عن طفولته البعيدة،وكيف كان يطلع العالية وتقف جدتى أسفل النخلة تتوسل إليه أن يهبط...
كان يكتسب أهميته من طريقة الوقفة ، فاتحا قدميه على شكل حرف v ، ومن العنجهية والتوتر ، وهو يشعل سيجارته ، ثم يلقى بعود الثقاب على الأرض بعد أن يحركه في الهواء عدة مرات ، فينطفئ . ثم يبدأ الحوار بصوت خافت وناعم ولذيذ ، يجعل خدرا ما يسرى في كيانها , بعد أن تشرب فنجان القهوة المصنوعة بالروم على نار...
كانت تعتقد أنها تمتلك العالم , طالما معها كتابا فى شنطتها وورقة وقلما , أخذت تتجول فى شوارع الزمالك وهى تشرب من علبة الكانز , مستمتعة ببرودة المشروب وسعيدة بحرية التجول فى الشوارع بشكل منفرد ووحيد , وهى تردد بعض الأغانى داخلها وتصفر بعض الصفارات الضعبفة و وتشاهد فترينات العرض والمعروضات الفخمة...
عندما تتداخل الصور، وترتبك الرؤية، يصبح من حق السيدة العجوز أن تزيح بعصاها كل الأشياء المحيطة بها، وتصرخ بأعلى صوتها فى الصباح الباكر، الباكر جدا(يامعين)ثم تخرج من حجرتها الداخلية متجهة نحو البهو الواسع للبيت وتنادى بعلو صوتها مرة أخرى(يامعين) لا أحد فى البيت الآن مستيقظا كى يمنع خروجها المباغت...
كانت عيناه الزائغتان تحذرانى بشدة! كنا فى أول شارع أحمد سعيد من إتجاه العباسية، داخل الباص. صعد شاب مارقاً فى سرعة مثل السهم، وجلس على الكرسى بجوار الشباك خلف السائق. وعندما نظرت نحو الجالس إلى جوار الشاب، لمحت فى يده أسورة حديدية مربوطة فى يد الذى جلس إلى جواره، اليد اليسرى للعسكرى فى اليد...
فرجينيا تلك المرأة النحيفة التى عشقتها المرة تلو المرة، وظللتُ أهيم بها لسنوات طويلة منذ عرفتها، لماذا أتذكر هذا التاريخ تحديداً؟ عندما أقترب منى فرحاً وهو يمد لى يده بكتاب صغير، قد وجده فى المكتبة، وقال لى وهو يضحك سعيداً : هذا الكتاب يناسب أسلوبك تماماً ياحبيبتى، فأنتِ تكتبين مثل هؤلاء. ثم...
لم تكن تدرك تماما، مدى اندهاشها، وبهجتها، وشغفها بطفولية.. لرؤية الأشياء عندما شاهدت الصحراء الممتدة في وقار ووحشة أمامها. ومن آن لآخر تخرج رأسها من شباك السيارة (الشروكي) وتشير بإصبعها: شوف بابا، الصحراء واسعة. يهز رأسه تلقائيا دون أن ينظر: آه طيب. ثم تواصل هي نظراتها وفرحها بالإمتداد، والرمل...
يرقد أبى بالحجرة المجاورة. لم أكن أعرف فى يوم من الأيام، أنه سوف يجىء الوقت الصعيب، الذى لا يرانى فيه أبى، ولا يسمعنى، وهو الذى كانت أحاديثنا لا تنتهى أبداً منذ ذهابى إليه حتى مغادرة البيت. كنا نقلب الماضى والذكريات، كما نقلب السكر داخل أكواب الشاى الساخنة صباحاً، وجميع من فى البيت لم يستيقظ...

هذا الملف

نصوص
36
آخر تحديث
أعلى