عبد الفتاح المطلبي

لطالما استطعت أن أحيد عن مرمى تعليقات امرأتي اللاذعة و أرد عليها بدبلوماسية مفرطة تلافيا لحصول احتقان تاريخي، قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه وأقصد بذلك إنه ربما تتوتر شعرة معاوية حتى تنقطع فأنتفض ثائرا بوجه امرأتي ولسانها السليط ،لذلك كان علي أن لا أفعل ذلك لكنني اضطررت لفعله فأنا في الحقيقة طوال...
(أكتب بنفس الجدية التي يلعب بها الأطفال) خورخي لويس بورخس كانَ عليَّ أنْ أفعلَ شيئاً قبلَ ذلكَ اليوم الذي سأخبركُم بما جرى فيه من أمورٍ تبدو عاديّة ما كانت لتلفتَ انتباهي يوماً لولا اطلالتي على ماحولي منْ وراءِ عينِ الدميةِ وكانَ ذلكَ بمحضِ الصدفة، إذ أنني ما اعتدتُ أن أرى الأشياءَ أو أن أصفَها...
بَينما كُنا جميعاً غافلين نعيشُ في القريةِ التي اختارها آسلافـُنا من قبلُ بطريقةٍ تشبه الحلمَ،حدثَ ذلكَ بغتةً ففيما يُذكرُ عن الذين مضوا أن رؤوسَ الرجالِ والنساءِ الذين أتوا يبحثون عن جنةٍ صغيرة كانت تراودُهم خيالاً بين تلافيف أدمغتهم، تلك الرؤوس قد امتلأتْ بما حولها حتى كَفرَتْ بلونِ الصحراءَ...
بينما كانتِ السماءُ تتنقّلُ بينَ الزرقةِ والسوادِ والأرضُ تواصلُ إنشغالَها بدبيبِ الكائناتِ وكنّا نحنُ نواصلُ بمعرفتِنا الكاذبةِ مزيداً من الجهلِ إنسلّ خيطٌ من الضوء عميقا عبر ذلك المنفذ الوحيد المموه جيدا وكنّا أنا وصاحبي نظن أن العالم كما نراه قبل انسلال ذلك الخيط من الضوء لكننا وبسبب ذلك...
ساءتْ أحوالي وصارَ عيشي وسط البلدِ مستحيلاً مع شِحّةِ مواردي ومزاجيَ المتفلسفِ أحياناً والرافضِ لدعاوَى غضّ البصر تاركاَ لإيماني الراسخ بقوةِ الأشياء أنْ تسوقَني إلى أكثرِ ما يخافهُ الناسُ في الحياةِ وهو أن تجدَ نفسك بين ليلٍ وصبحٍ على شفيرِ الفقرِ والعوزِ وهكذا أحصيتُ ما استطيع توفيرَهُ فوجدتُه...
يُشعِـرُكَ مَقهى شاطئ الحياةِ المتربعِ على الجرفِ العالي لدجلة َمن جهةِ الرصافةِ بكثيرٍ من الألفةِ إذ يتيحُ للناظرِفرصة ً للإحساسِ بالسكينةِ والتأملِ إذا كانَ الجالسُ قد أحسنَ اختيارَ مكانِه في الركنِ القصي من جنوبِ المقهى وهذا ماكنتُ أفعله كلَّ يومِ جمعة وفي كل مرة أُلقي نظرةً محييةً على...
منذ ستةِ شهورٍ والأقفاصُ على حالها لم تحركْها يدٌ غريبة ٌ أنا فقط من يمد لها يدَ العناية ِعندما أمرر عليها فرشاة َ الريش ِ لأزيلَ ما تراكم َ فوقها من غبارٍ وليظهرَ عليها قليلٌ من لمعٍ قديمٍ لم يبقَ منه إلا ذكراه فأخبارُ انتشار سلالة ِ (الفيروس) الربيعي لأنفلونزا الطيور لم تبقِ مجالا ً لتأخير...
"الخيالُ يخلقُ الحقيقةَ" ريتشارد فاغنر شعرَ بتوعُكٍ ألمَّ بهِ إثرَ مُطاردتهِ القطّ العنيدَ ذا الأنفِ الخارقِ الذي يستطيع التقاطَ رائحةِ الشواءِ والقلي من مسافاتٍ بعيدةٍ ودُهِشَ لقدرةِ القطِّ على مواجهةِ الخطرِ المحدقِ به إثرَ إقدامهِ على السطو وعدم مبالاتهِ بما يُحتمَل من نتائج وهو يتجه...
أقف نافراً أمامه، أيها السيد أنا غاضب، ومزاجي سيء جدا ووجودنا في هذا الوضع يشكل خطرا علينا نحن أعني الإثنين أنا وأنت فقط، ها أنت قد أغاظكَ خطابي ولجأت إلى تصنع الضحك الكاذب، كلما ادعيتَ أمراً فَنّدَتْهُ الوقائعُ فأنت الذي كنتَ تبحثُ عنّي وما بحثتُ عنك يوما، جلستَ تخططُ بخبثٍ وتهرفُ ليلَ نهار تذل...
عندما التقيت بالسيد أورويل مصادفةً في مقهى (حسن عجمي)* تَلبَّسني السرور والإنفعال فبدوت مرتجفا وأنا أصافحه، لم يكن معتاداً على كل هذه الحرارة في لندن مدينة الضباب الباردة خاصةً وإنه ما زال يعيش أجواءها التي تخيلها في روايته (1984) تأفف وقال: - ماهذه الحرارة؟ كيف تطيقون هذا الجحيم؟ - تعودنا...
اجتمعَ الناسُ في ساحةِ المدينةِ خلفَ السوقِ وقد أَخَذَهمُ الذهولُ، الناسُ المحترمون فاجأهم نهيقٌ متصلٌ لحمارٍ يتسكعُ هناك مع حمارين يشبهانهُ تماما، كان الوحيدُ من بين تلك الحُمُر ينهقُ بينما كان الإثنان الآخران يرمّان ما يلفظهُ السوق بشراهة صامتين وكأنهما في سباق، ظلّ الحمارُ ينهقُ منذ صياحِ...
أحسّ دبيباً يجولُ في رأسهِ مثل دودٍ جائعٍ ينهشُ تلافيفَ دِماغِهِ الهامد المستسلم طوالَ الوقتِ حتى باتَ هذا الدبيبُ مألوفاً، أوهامٌ عتيقةً وعفنةً ركَدَتْ بعيداً في قعر الرأسِ واستقرّتْ دونَ أن يشعرَ لتبيضَ وتفقس كثيراً من ديدانها القديمةِ، بدا مُتبرماً مما آل إليه الحالُ لا يكادُ يطيق حملَ رأسه،...
دعوني أخبركم عن تجربتي الأولى ،عن اندهاشاتي، فقد كان العالم واسعاً و المسافاتُ شاسعةً وما كان يجري كبيراً و متنوعاً ، بيدَ أنّ سرعةَ التقاطي للأفكار و الرؤى بطيئةٌ و متمهلةٌ، ذلك لأن سيلاً من الدهشةِ و الإعجاب يسيل حولي كلما أطلقتُ عينيّ تجوسان المكان ، تتفحصان كل وجود جديدٍ أعده صيدا و غنيمة...
(يمكنُ أنْ تكونَ الضحيةُ إنساناً أو شعباً أو بلداً ويمكنُ أن يكونَ المجرمُ إنساناً أو حاكماً طاغياً أو جيشَ بلدٍ مُستعمِراً غاشماً) أفاقَ(ع) وركامُ الظلامِ يحيطُ بهِ إحاطةَ موجٍ بغريقٍ، يداهُ ورجلاهُ موثقتان برباقٍ كالذي تستخدمه جيوشُ هذا العصرِ في أسرِ ضحاياها، عَلِمَ ذلك حين حاولَ أن يفعلَ...
عيونُها التي بدت مثل خرزات سود شابها الضباب وجلدها الصدفي الذي فقد لمعانه و أفواهُها المفتوحةُ وكأنها تستغيث جعلتهُ يشعرُ بأنه قد فعل شيئا ولم يذهب سعيه سُدىً، مرّ بخيالهِ وجهُ أمهِ الباسر ،هدأ روعه عندما نظرَ إلى السمكات فشعر بامتنانٍ للرجل الغريب وحث خطاه نحو بيوت الطين التي تلوح من...
أعلى