قصة قصيرة

أوقدتُ السراج كعادتي مذ نزلتُ هنا , ربما كانت الشمس ُ تمج بعض ضيائها , ولكن الحجرة كانت غارقة في ظلها الأعتم, فرأيتُ أن إيقاد المصباح بات أمرا ملحّا. كانت النافذة الصغيرة موصدة وهذا ما يفسر ظلام الحجرة المبكّر لم أفكر مطلقا في فتح النافذة بعد أن رأيتها محكمة الإغلاق وقد دقت المسامير على بعض...
جاؤوا إليه مسرعين، لاهثي الأنفاس، في سعي منهم إلى أن يكونوا السبّاقين لسواهم، كما يحصل ذلك منذ عهود طويلة، وكلهم توق إلى رؤية من نُصِبَ سيداً للبلاد، ومباركته كعادتهم مع الذين سبقوه، وهم يحملون إطاراً، بدا عليه القِدَم جلياً، ليقدموا له، من أجل صورته على طريقتهم، تعبيراً عن إخلاصهم له أيضاً...
قلت لصديقي: لك الله من رجل غريب الأطوار! لقد أضفتنا الليلة ودعوتنا إلى تناول العشاء معك، فأين المطعم وأصناف الطعام المطبوخ من هذه الحانة والزجاجات والأقداح (والمزات) آليت على نفسك مخالفة المألوف واتباع هوى النفس وبداواتها في كل شيء؟؟ -: خل عنك يا صاح الملاحظات والمعارضات لأننا في ليلة خمر...
انتهى النهار وخيم الليل على المزرعة، وبدأ القمر يصعد. صوت الصرار وحده مؤنس. حصدنا مربعا من حقل القمح ثم كنسنا المكان وفرشنا حصيرا من سعف النخيل، وضعنا ثوبا بيننا وضوء القمر ونمنا. في عز النوم أيقظتني، وقلت إنكاشتهيت عنبا. في البداية حنقت لكن شغلك طول النهار الحار وجرحك لأصبعك جعلني أفكر. ومن أين...
ليس من عادة الأطباء القسم لتأكيد نتيجة فحص، لكن الدكتورة صباح هذا الصباح، وهي تتلذذ بإخراج أصابعها بأصابعها من القفاز المطّاطي الشفّاف اللامع أصبعا أصبعا، أقسمت بالله الخالق الوهّاب أن لبنى حامل منذ ثلاثة أشهر. - لبنى إحدى عشر سنة!!!... - حامل!!! ؟ - نعم حامل - لبنى صدرها نقطتان فقط وبطنها...
اقترب يومُ العيد ؛ منذ سنوات ونحن نعاني بطريقة لم نعتدْها، منذ غادرتْ الأم عالم أبي الصاخب ، خفَتَ قلبُه وامتلأ البيت بالفوضى .. وعجزنا عن مساعدته نحن الأربعة، ولدان وابنتان ، نعمل ونعمل، ثم نحصد قليلًا من السرور والكثير من العناء . في يوم الصمت الأول ، انتظرَنا وحيدًا كأب حنون ، استيقظنا...
المرأة التي تدخن سيجارتها في البالكون بنهم، تعتقد أن زوجها يخونها مع سيجارة أخرى بنهم. المرأة نفسها المتطلعة إلى الآفاق، تخون زوجها بعد لحظات مع سيكار كوبي، ممهور بصخب فيديل كاسترو. لكن، الزوج يخون.. يخون.. يخون دائما.. دائما، مع السيجارة نفسها. السيجارة الخؤون، اللعوب، تبحث عن أفواه العذارى،...
ذهب ثامر وتمارا إلى الخطاط الشهير الذي يخط اللوحات والإعلانات وواجهات المحال التجارية، ولديه أيضاً في الطابق الأول شرفة صغيرة لرسم التاتو للشبان والشابات.. كان يرتدي قميصاً بنصف كم تبدو من تحته يده اليمنى كثيفة الشعر متسخة بالأحبار والألوان. يده طويلة جداً، ومرسوم عليها عناكب وعقارب وصقور...
غارقا في الأزرق رأيته يمشي الهوينا. خلت البحر ضاعف في مدّه فلملمت ثيابي خوف البلل , لكنّ الرّمل تحت قدميّ كان جافا وأصابعي أصابتها الدّهشة فبدت غير ثابتة تتحسّس مرّة وجهي وأخرى صدري وذراعيّ كأنّما أخشى أن ينفلت بعضي منّي ولا أعي. لم أستطع رصد الجهة التي انبثق منها ولا مكان يبدو في الفضاء غير...
كانت الريح تعوي والشمس تخفي وجهها الذهبي شيئا فشيئا خلف التلّة القريبة ، وطّئت له الفراش ودثّرته بقطيفة ثم خرجت . قالت في نفسها : لن يستفيق حتى أعود !. عاجت على حطبٍ تلملمه ، والبرد الشديد يلسع وجهها الأسمر الذي حفر الزمن على ناصيته أخاديد لا تخطؤها العين . نهض من غفوته ، تحسس ما حوله . "مهراز...
عرفته في المدرسة فتى وسيم الطلعة، صبوح الوجه، حيي الطبع، هادئ النفس، فتوددت إليه واكتسبت صداقته عرفت من خصاله العبوسة والخشونة والتجهم والغضب كما عرفت منها الطيبة والسلاسة والصدق والوفاء. كان تارة عنيف الحركة حتى الجنون، وطوراً ساكناً كأنه غارق فيها! عرف معلموه فيه الإقدام بدون تردد، والأحجام...
كانت الباخرة ذات عجلات التجذيف تتقدم في طريقها ما بين كازان وكوزلوفكا. كان الجو طلقًا هادئًا فوق نهر الفولغا، والمساء بدأ يحلّ. الضباب الليلكي شرع يحجب الضفة الشجرية الشديدة الانحدار للنهر، بينما الضفة الأخرى السهلية المخضرة تمددت بفعل الفيضان وابتعدت قليلاً في الأفق. جزر متناثرة خضراء من...
منذ شهر أقف في ذات المكان، منتصب القامة، متلفعاً ببهاء طلّتي، محنّطاً بثمن غالٍ، منتظراً عيوناً تسرق نظراتي، أبحث عن جسد يرتديني؛ في المساء أرى عيون الزبائن تلمع، الخطى تنقر سمعي، تقلّبني الأيدي، أكابد مرورهم دون اهتمام، أحصي حسراتي، أرمم خيبتي، أعاود ترتيب نفسي، القلق ينتابني، أتساءل لِمَ...
قارورة مثلُ قارورة فارغةٍ تتقاذفُها الأمواج ُ، وحيدًا على أرصفةِ المساء ِ، أبحث عن وجهي الذي تاهَ ، أتذكره ، كان يجلس على مقهى الصمت ِ منذ أعوام . من أين أبدأُ البحث ؟ من تلك الشجرةِ العتيقةِ التي تسكنُ أطرافَ قريتي، أم من المجرى المائي الذي يشق الزراعاتِ التي أصابها الوهن ، بل منزلي...
لا أحد يعلم ماالذي جعل مرجانة تسدُ نوافذ البيت ؟ سدّتها جميعها إلا فوهة الباب وكوّة صغيرة في السقف تعدُ عبر ضوئها الشحيح طعامها وترتبُ أشياءها وترتقُ أثوابها وما كانت لتستعين بأحد في ذلك بل خلطت بنفسها الطين والقش والماء وقطع الزجاج والصفيح ورصّفت الحجر في النوافذ ثم طلته بحرص شديد ووقفت ترقبُ...
أعلى