قصة قصيرة

عاد في رخصة قصيرة، بعد غياب، لم يجدها في البيت، فأرغى وأزبد، وأَرْعَدَ وهَدَّدَ، عرف من ارتعاش صوت أمها أنها ذهبت إلى مناسبة فرح، فاندفع مُمْسِكاً بذراعها لتدله على دار العرس، فوجئت المسكينة بمن تهمس لها بعودته، وهي في غمرة عاصفة غِنَاٍء نِسويٍّ وإيقاعات دفوف تدوِّي بانفعالات أكثر هيجانا مما يعج...
سحب من ذراعيها جاكيتها الجلدي، والبسه مسند الكرسي، ثم وقف خلفها، واعتنى باجلاسها. رجع إلى مكانه على الجانب الآخر من المنضدة، وابتسم. لم تنظر إليه، فسألها بتوجس: ـ كيف كان الوضع في ساحة اسبانيا؟. انكمش التموج في شفتيها المطبقتين، واكتسى وجهها بالظل، وهي تقول: ـ لا أجيد التعامل مع الإيطاليين.. أنا...
ها هو أيلٌ يقفُ في الغابة عندما يسمعُ ضوضاء على نحوٍ مفاجئ . يرفع بصرَه الى الأعلى ويرى طائرةً تحلقُ في السماء. وبينما هو يشاهدُ الطائرة َ يرى رجلاً يقفزُ من داخلها . تنفتح مظلته ويهبط الى الأرض سالماً . يقترب الأيل منه وينظر اليه . يحييه الرجلُ وهو يلملمُ مظلته قائلاً : مرحباً يردّ الأيل...
-1- المنظر أسود، قاحل ويسيطر عليه الخراب، مشهد لكابوس ليلة من الحمى، الهواء ثقيل مشبع بالروائح الكريهة، يرتعش كعصب مؤلم. بين ظلال الليل انتصبت القلعة على قمة إحدى الروابي، مليئة بالأبراج ذات الظلال، وتخرج من النوافذ الصغيرة أبراج صغيرة من الضوء تنعكس ببريق دموي على مياه الخنادق الراكدة. على...
حين غادروا منزلها، وخلت لنفسها، انفرد بها السؤال المرّ الذي حار الشباب في معالجته مثلما حارت هي أيضاً: “وماذا لو لقطوني؟!”. قبل قليل كانوا هنا، معها، يفيضون بالشرح، وتفيض بالإصغاء. حكوا لها عن ضرورات إيصال الرسالة. عن الأوضاع القلقة، وعن حيرتهم في اعتماد طريقة، ثمّ عجزهم عن إيجاد بديل عنها...
كانت هادية تزورنا مع أمها، ونكتب الواجبات المدرسية سوياً تحت الدالية في الأيام المشمسة، وحول المدفأة في الشتاء. كانت كتبها دائماً ممزقةً، فلم تكن تحبُّ الكتب ولا المدرسة، فأكتم غضبي منها، ثم أقول لنفسي: ذلك لا يعيبها، فهي جميلة، وبيضاء مثل الحليب، وعيناها تفيضان بالعسل، وضفائرها جميلة، جديرة بأن...
من حظ قريتنا أنها تكاد تقع تحت الشمس مباشرة. لذلك يقال إنها من أسخن الأماكن على وجه الأرض. خاصة انه لا أمطار تبلل مناخنا. وكيف تسقط الأمطار ولا سُحب تأتينا، إلا من ندف نادر يمرّ علينا مرور الكرام، خلال شهور الشتاء الثلاثة. ثم خواء سماوي منها طوال الشهور التسع الباقية. ستة شهور من التسعة يقال...
صار شهر كانون الثاني يغير من لون الهواء ما جعل العالم من تحت السماء الرمادية يبدو اشد تجهما فصار الناس يخرجون فقط الى اعمالهم ، اما الشوارع ، وعلى الاخص الخلفية منها ،فانها تمتد جرداء وخاوية ، ولم يكن ثمة احد يجلس تحت اشجار البلوط في باحات المساجد وعند النافورات والاماكن الباردة واماكن اجتماع...
(1) تركتها هناك . كنت أصر على بقائها حيث استشهدت.. فليس هناك مكان أفضل من المكان الذي سقطت فيه . تركتها هناك، كما لو أنها كانت بذوراً تدفن في قلب الأرض.. فتنبت خضرة بعد زمن.. تركتها هناك.. وفي ظني جعلها تتجذر في المكان، لتصبح إرثاً وذاكرة اباهي بها نفسي بعد سنوات .. تركتها.. وفي بالي أنني احفظها...
بعد باب المحروق أمضي مباشرة إلى «حومة الشوك « التي تبدأ طرقاتها صعداً نحو أعالي ليس كمثلها في نكران الذات إلا سهوبٌ لم يعرفها إنسان أبعد الجهات عن بلادي، ورغم ذلك فإن في أرض الشوك من سوف يذكرها ، إذا رياح ما ألقته هنا أو هناك ، بعيداً عنها ، وقد يبكيها كما يبكي كل نازح بلده. أتكون لللاجئ الهارب...
زمنٌ يسعى في طفولته، لن يُغادرها، ومعه نحنُ ابناؤه الا ُلى بتنا مثل قشرته يأبى أن يُفارقنا. هو في بيوتنا الرعوية، في أكواخ الطين ُ في العفونة والذباب والمزبلة والجوع والغربة، ثمّ يتحمّصُ فييبسُ ولا تستطيعُ أضراسُنا وانيابنا قطعه. يكون في الدرب الموحل والزقاق الناحل، في الحي الشعبي، في حارات...
قادته قدماه بخطى متثاقلة، ارهقتها سني الغربة الطويلة صوب شارع (التوراة) ذلك(الغيتو) القديم .. توقف عند مدخله متاملاً اطلال (الكنيس) الذي ما زال يكتنفه الغامض من اسرار (العهد القديم).. ثم جال بنظره مستعرضاً واجهات الدور التي بدت هرمة متداعيةٌ يعلوها بقايا ( شناشيل) حال لونها وفقدت زخرفتها...
السبت خمسة و عشرون عاما، صرمناها في الخضوع، لمبدأ الوفاء.. المتبادل. ظلت زوجتي الثرثارة، خلالها، تهذي محبتي، وتحنو عليها، رغيا متواصلا، لا ينقطع. حان بنا المكان، الى صندوق، استأمنتها عليه، كأن اشباحا متخاطرة، استحالت الى جبس لازب، اصطف حولنا، يتأمل، بحياد غائب.. مفقود. كان ذلك، عندما سألتني...
طرقت بابه في الاربعين، ملتفة برداء منسوج بسبعة عشر ربيعا. كان هذا في غروب يوم من اواخر اذار، حين قطع رنين الجرس متعة الانصات الى سيمفونية السماء التي قد تكون صاخبة او رائقة هادئة. رغم دعة الربيع ووداعته الا انه في بغداد يظل متقلبا ما بين معتدل ومتطرف، قاصفا متزوبعا عنيف المطر، الذي قد يستمر...
أبتعد عن أمه التي بلغت من العمر عتيا، ترك معها أخاه ألأصغر وأخته، إستأجر منزلا متواضعا يعيش فيه مع زوجته وأولاده الأربعة الصغار في محلة (المحمودية) عيشة بؤس.. يشتغل ليله ونهاره لتأمين حياة أسرته.. في مساء شاحب خانق من أماسي الصيف الحارقة..عاد (عباس) متعبا.. ملابسه مبتلة منن العرق المتصبب من...
أعلى