قصة قصيرة

صار شهر كانون الثاني يغير من لون الهواء ما جعل العالم من تحت السماء الرمادية يبدو اشد تجهما فصار الناس يخرجون فقط الى اعمالهم ، اما الشوارع ، وعلى الاخص الخلفية منها ،فانها تمتد جرداء وخاوية ، ولم يكن ثمة احد يجلس تحت اشجار البلوط في باحات المساجد وعند النافورات والاماكن الباردة واماكن اجتماع...
(1) تركتها هناك . كنت أصر على بقائها حيث استشهدت.. فليس هناك مكان أفضل من المكان الذي سقطت فيه . تركتها هناك، كما لو أنها كانت بذوراً تدفن في قلب الأرض.. فتنبت خضرة بعد زمن.. تركتها هناك.. وفي ظني جعلها تتجذر في المكان، لتصبح إرثاً وذاكرة اباهي بها نفسي بعد سنوات .. تركتها.. وفي بالي أنني احفظها...
بعد باب المحروق أمضي مباشرة إلى «حومة الشوك « التي تبدأ طرقاتها صعداً نحو أعالي ليس كمثلها في نكران الذات إلا سهوبٌ لم يعرفها إنسان أبعد الجهات عن بلادي، ورغم ذلك فإن في أرض الشوك من سوف يذكرها ، إذا رياح ما ألقته هنا أو هناك ، بعيداً عنها ، وقد يبكيها كما يبكي كل نازح بلده. أتكون لللاجئ الهارب...
زمنٌ يسعى في طفولته، لن يُغادرها، ومعه نحنُ ابناؤه الا ُلى بتنا مثل قشرته يأبى أن يُفارقنا. هو في بيوتنا الرعوية، في أكواخ الطين ُ في العفونة والذباب والمزبلة والجوع والغربة، ثمّ يتحمّصُ فييبسُ ولا تستطيعُ أضراسُنا وانيابنا قطعه. يكون في الدرب الموحل والزقاق الناحل، في الحي الشعبي، في حارات...
قادته قدماه بخطى متثاقلة، ارهقتها سني الغربة الطويلة صوب شارع (التوراة) ذلك(الغيتو) القديم .. توقف عند مدخله متاملاً اطلال (الكنيس) الذي ما زال يكتنفه الغامض من اسرار (العهد القديم).. ثم جال بنظره مستعرضاً واجهات الدور التي بدت هرمة متداعيةٌ يعلوها بقايا ( شناشيل) حال لونها وفقدت زخرفتها...
السبت خمسة و عشرون عاما، صرمناها في الخضوع، لمبدأ الوفاء.. المتبادل. ظلت زوجتي الثرثارة، خلالها، تهذي محبتي، وتحنو عليها، رغيا متواصلا، لا ينقطع. حان بنا المكان، الى صندوق، استأمنتها عليه، كأن اشباحا متخاطرة، استحالت الى جبس لازب، اصطف حولنا، يتأمل، بحياد غائب.. مفقود. كان ذلك، عندما سألتني...
طرقت بابه في الاربعين، ملتفة برداء منسوج بسبعة عشر ربيعا. كان هذا في غروب يوم من اواخر اذار، حين قطع رنين الجرس متعة الانصات الى سيمفونية السماء التي قد تكون صاخبة او رائقة هادئة. رغم دعة الربيع ووداعته الا انه في بغداد يظل متقلبا ما بين معتدل ومتطرف، قاصفا متزوبعا عنيف المطر، الذي قد يستمر...
أبتعد عن أمه التي بلغت من العمر عتيا، ترك معها أخاه ألأصغر وأخته، إستأجر منزلا متواضعا يعيش فيه مع زوجته وأولاده الأربعة الصغار في محلة (المحمودية) عيشة بؤس.. يشتغل ليله ونهاره لتأمين حياة أسرته.. في مساء شاحب خانق من أماسي الصيف الحارقة..عاد (عباس) متعبا.. ملابسه مبتلة منن العرق المتصبب من...
إنّهُ لما اشتدّ الحرّ على الدُّنيا وما فيها، وانتصف النهارُ، صلّى الظُّهر حاضرًا واستمرَّ في اقتلاع الأعشابِ في البيارة وجمعها في كومةٍ قرب بابور الماء. اعتراهُ إحساسٌ شديدٌ أنْ حان موعد الرحيل عن تلك البيارة، بعد فراغه من ري جميع الأشجار. عرف أن لا جدوى لوجوده فيها، فلَـمْلَمَ أشياءه واتّجه صوب...
سامحها الله.. رفضتني.. مستحيل .. أنا أُرفض .. مِن مَن .. ؟ .. من هذه ..؟! أهكذا ..؟!.. لا أُصدق .. عقلي يكاد يُجًن ...!!.... كيف ... ولماذا.. ولما .. ؟! لا , لا , هذا غير معقول .. !!.. لابد في الأمر شيء .. بالتأكيد هناك شيء ما جعلها ترفض هكذا .. ألم يتهلل وجهها فرحاً .. عندما رأتني .. ألم...
في عز هذا الليل البهيم، انفلتت من هذه الضوضاء و هذا الضوء المزيف الذي رصع حفل الجميع.. شعرت بتخلصها من درن نفسي كانت ترتديه فستان سهرة بوصفها امرأة خاطوا لها معايير الجمال والقد والقوام. الشارع فسيح وخالٍ. ربما عيون ذئاب جائعة تتربص القمامات والطرائد الشاردة. لكنها السماء التي اغتسلت بنجوم من...
اندفع مجموعة من الصبية والشباب نحو باب الحديقة ما أن توقفت سيارة الإجرة، وما أن تبينوا وجه المرأة حتى ضجوا جميعاً: - وصلت الخالة رجاء، وصلت. قالت الكهلة المتعبة بصوت ضعيف قبل أن تنهي عناقهم: بشِّروا..كيف هي؟ زينة. الحمد لله. ترقرق الدمع في عينيها، نظرت إلى السماء شاكرة وهي مستسلمة لعناق...
ما كان واعيا ومنتبها عندما تسلقت قدماه وبرفّة طائر منفلت من شبكة صياد، الدرجة العالية للحافلة العتيقة محشورا فيها – وكما في كل مرة – وهدفه دائما ذلك الحيّ الجديد الذي يقع خارج المدينة بمسافة قريبة.. عندما اغلق باب الشاحنة المتخلخل لم يجد وجه سائقها.. تاه عنه وجه مساعده.. وما رأى وجوها مألوفة...
بدا رواق المستشفى في قسم الأمراض الصدرية الجديد طويلاً جداً، تنبعث منه رائحة الطلاء المخدشة للجهاز التنفسي، وبات المراجعون يلوذون بين الحين والآخر بالنافذة الكبيرة في نهايته والمطلة على حديقة المستشفى المستكينة على مرتفع جبلي، ومن لم يأت بعربة عليه الصعود مشياً، وهذا ما يجعلنا نعلم بوصول المرضى...
المكان: ناحية المشرح-ميسان الزمان:1947 بعدما استيقظتُ صباحاً أخذتُ أفكر برشقِ وجهي بالماءِ، ولم يكن هناك سوى ماء " الحِب " المركون في العراء . لم يكن الأمرُ مفاجئاً حين وجدته متجمداً إذ كانت درجةُ الحرارةِ منخفضةً دون درجة الصفر ليلة البارحة ، مما دعاني الى تهشيمِ القشرةِ المتجمدةِ للحصولِ على...
أعلى