قصة قصيرة

كانت شغله الشاغل! كانت تملأ أحلامه، وتحتل كل حنيةٍ من قلبه، وكان له قبلها حبيبات كثيرات من حبيبات الضرورة اللائى يعرضن في حياة الشبان، ثم ما يلبثن أن ينطفئ، كما تلتمع الشهب وتتلألأ، ثم ما تلبث أن تنطفئ، ويكون أحدها صاعقة تنقض على أحد فتسحقه. . . فلما عرفها، نسي هواه القديم الموزع، ووهبها حبه...
في ليلة قمراء من شتاء 1929 بينما كان حيّ المهاجرين (في دمشق) يرفل في حلل الرخاء والترف، ويجر أثواب الدعة والنعيم، ويثب من الطرب، ويمشي على الذهب.. وبينما كانت قصوره البُلْق تشتعل بالكهرباء فتأتي في الليل بالنهار، وشوارعه المتوازية الصاعدة إلى سرّة الجبل تتمايل أشجارها تمايل العروس، وتلوح...
"لو كنت حصاناً لأطلقت رصاصة في دماغك!" لماذا حصان؟ لم لا يكون كلباً، أو قطة، أو جرذاً، أو أي شيء آخر إذا كان من الضروري يكون حيواناً ليجوز إطلاق الرصاص في دماغه؟ منذ بدأ يعي معنى الكلمات - لا يذكر متى بالضبط - وهو يسمع هذه الجملة من بين أسنان أبيه. لقد كان غريباً حقاً لأن أباه كان الإنسان...
أنا الساكن الوحيد في هذا العالم المسرع، لم أبرح مكاني حينما نبت الشوك، حتى صار مذاق شفتي مرا فلم تقبل الحياة فمي. أوصدت باب اليقين في قلبي فصار الشك أرضا لي، ومذاك روحي تبتعد، كلما أقدمت في المضي طرقت الأسئلة قلبي. أرخيت ستائري فجاءني الحب يمتطي ضوء النهار، لم أدرِ أن انكساري سيفرق الضوء بهذه...
جاء ليفوز. جالساً علي ركبتيه ، مصوباً نظره ناحية البحر ، راسماً لنفسه سيناريو الفوز ،أن تنطلق استغاثة لفتاة تغرق، وبشهامة ابن الريف، يندفع من بين جموع المصطافين ، المتفرجين علي الشاطئ، وهي في أنفاسها الأخيرة . وكأمهر سباح. مارس السباحة منذ الصغر ، لا كهواية ولكن ليصطاد السمك، ليطعم أخوته...
أرخى الليل أستاره السود القاتمة على دنيا غضبى تزمجر في صوت عاصفة هوجاء، وسماء ينهمر منها سيل دافق، وقد قر كل إنسان في داره، ونامت الحياة في كل حي، والفتى جالس إلى موقد في زاوية الحجرة، تغمره لجة من الأفكار المضطربة، والخواطر المتناقضة، فتحجبه عن دنيا الناس. لقد رأى نفسه تعصف بها حادثات الأيام...
كان في أقصى الصعيد نجع قريب من الجبل يسكنه جماعة من فقراء الفلاحين وبينهم بعض الأعراب الذين سكنوا القرى المصرية واعتادوا حياة الريف والاستقرار، ولكن لم تتبدل فيهم غرائز البدو وعاداتهم الموروثة. وكان في النجع بدوي شيخ قد ناهز الثمانين، أسمر البشرة، حديد البصر، اسمه (رحاب)، إذا مشى خلف جماله اطرق...
بين الأزهر وبين القرية، يولد طالب العلم كل يوم مرة على تجارب لم يشهدها وحياة لم يألفها، في تلك المدينة التي يختنق صوت المؤذن فيها بصيحات المعربدين الفجار، والتي لو بعث فيها اليوم منشئها الأول جوهر الصقلي لما وجد فيها مكاناً يأوي إليه، ولآثر عليها منادمة منكر ونكير. . . ويوم غادر الشيخ عبد...
تمر ترعة الكامل بقرية (س) وهي قرية صغيرة من قرى الصعيد، فتشطرها شطرين غير متساويين، فقد جارت على الجانب الأيسر بقدر ما أضفت على الأيمن، فاتسع هذا واستفاض حتى أصبحت منازله وبساتينه ونخيله وأعنابه لا يحدها البصر ولا تحصرها العين، واستدق ذاك واستطال حتى قامت منازله الصغيرة على شط الترعة ذليلة...
أحاول أنْ أفسرَ ما حدث، فلا أجد له تفسيراً، ولا أتمنَّي أنْ أجد له تفسيراً. كل ما أتمناه أن تعود اللحظة بكل ما فيها.. برغيف العيش والملح والغرفة العارية، ممزقة الطلاء. تعود بذهاب أموالي وأحوالي التي أنا فيها الآن. فطعم عصير الليمون في فمي حَتَّى الآن مقطوف من فِردوس الكون. أنا الْمَاء، أحتضنها...
- يالله ! ..هو ذا يحل في بلدتنا رزء جديد.. - ما الخبر؟! - إنه ابن "ربيعة".. يرحل و نكهة لبنها لم تغادر ضرسه بعد..لم يمض على عرسه أكثر من ثلاثة أشهر.. اصطحب عروسه و رحل هناك إلى الشمال يدفعه طموح وإثبات للذات؛ لكني أظنه يلتمس لروحه بعض السلام. - أراكُنّ ممتقعاتِ الوجوه.." الله يسمعنا...
ذات صباحٍ باردٍ صحوتُ من نوْمي بعدما سمعتُ طرقاً على بابِ منزلي، فهرعتُ نحو البابِ لأرى مَنْ الطّارق وكنتُ حينها غاضبا، ففتحتُ البابَ بعصبيةٍ، فرأيتُ امرأةً كانتْ تقفُ على عتبةِ الباب وكانتْ ثيابها متّسخة، فقلت في ذاتي: لربما هي متسوّلة، فنطقتُ ماذا تريدين؟ فقالتْ تلك المرأة وهي ترتعش: أرجوكَ...
لم أشأ الخروج؛ فهذا المكان يناسبني تمامًا، بل هو أفضل مكانٍ يليق بهواجسي. لا يهمّ إن كان مظلمًا أو مضيئًا؛ فأنا مرتاحٌ هنا، رأسي خفيفٌ، والأفق يمتدّ أمامي كخيالٍ مشرق. ألمسُ الفراغَ فيهرب، وينتشر في الأرجاء. فراغٌ لطيفٌ، كفكرةٍ سهلة، يناور ويعود مجدّدًا في شكله الأبهى. يتّخذ ألوانًا مبهجةً...
حين انتهت نشرةُ الأخبار، أطفأ أخي الأكبر، زياد، الراديو، وكان صوتُه منذ لحظات يدوّي بأنباء المعركة الأولى في فلسطين. ثمّ صعّد زفرةً طويلة، وجعل يهزّ برأسه إيماءةَ اليأس والخيبة. وما لبث أن قال بصوتٍ مكبوت، كأنّما يحدِّث نفسَه: ــــ لا فائدة. لقد انتهى الأمرُ وخسر العربُ فلسطين. وكان من...
كلُّهم، إذا أوَوْا إلى فراشهم، استولى عليهم سلطانُ النوم، إلّا أمّ جعفر: إنْ نامت نام طيفُه الحبيبُ معها، وإنْ صحتْ صحا طيفُه الحبيبُ معها. تشتاق إليه، فتُحادث طيفَه، حتى إذا رآها غريبٌ ظنّ مسًّا أصابها؛ أو تُكرّر على أولادها صفاتِه؛ أو تتلهّى بمشاهدة صوره طفلًا ــ ــ وأحبُّها إلى قلبها صورتُه...
أعلى