سرد

الهاتف يرنُّ فوق الطاولة, صوته يختلط بصفيرِ الهواء المتسرِّبِ من شقوق الباب والنافذةِ الصغيرة. يرفع سعيد العبد الله ـ حارسُ المقبرة العجوزـ السمّاعة: ـ ألو...مرحبا. ـ ..... ـ لا أعرف، أجاب وقد تغيّرت ملامحُه حين سَـمِعَ صوتَ زوجته, وتحوَّلتْ مشاعرُ الضجر إلى ما يشـبه الشكوى. الجنازة لم تأتِ...
لا أحدَ يعرف متى جاء خالدٌ الصـالح؛ لكنَّ أكثر السـوريين الذين يعملون في بيروتَ يعرفونه، أو يسمعون عنه، وقد يزورون الضاحية الجنوبية للتعرُّف عليه, أو لطلب مساعدته في أمر ٍ ما. وخالدٌ الصالح, الشهير بـ (أبو راس) رجلٌ ممتلئ الجسـم، مشدود العضلات، لحيته كثَّةٌ، عيناه الصغيرتان اللامعتان لا تتناسبان...
"إنَّه يومُك الأخيرُ, صباحُكَ الأخيرُ… أيها التائهُ في البلاد البعيدة. تنفَّسْ بعمق، اشحن الذاكرةَ جيِّداً، احفظ ْصُورَ الأعداءِ، والأصدقاءِ ولا تخطئ. انظرْ حولك جيَّداً… فلن ترى هذه البلادَ مرَّة ً أخرى". أنهى كتابة َكلماتِه، وأغلقَ الدفترَ الصغير. أمواجُ المحيطِ تتلاطمُ أمامَه, وتمثالُ...
في زاويةٍ بعيدةٍ خارج خيمته يجلس وحيداً . لاشيءَ حوله سوى الليل، يرخي عباءتَه السوداءَ على الكائنات النائمة. عيناه تنظران إلى النجوم ِ البعيدة المتناثرةِ مثلَ حبّات عِقد ٍ انقطع خيطُه. لا صوتَ حوله، سوى صوتِ جندبٍ يصرّ في مكانٍ ما فوق الصحراء الممتدّة, يطغى عليه بين حينٍ وآخر صوتُ محرّك ٍ...
محطَّةُ القطار تزدحم بالناس, ونسمةُ الخريفِ تترك برودتَها على الخلايا المتوتِّرة. يحمل حقيبتَها الصغيرة، والحزنُ يرتسمُ على وجهه, يمشي بجانبها نحوَ بابِ المقطورة. القلبُ ينبضُ بسرعة، والكلماتُ تتجمّد على الشفاه . لحظةُ الوداعِ تأتي مسرعة... تمدُّ يدَها, يمدُّ يدَه، يجذبها نحوه ليحتضنَها، تمنعُه...
اسم فرعون وتمجيداته منقوشان على جدران الهرم الأكبر. مما يُستخلص منه نتيجة بدهية مفادها أنَّ فرعون هو الذي بنى هذا الصرح. غير أنَّ ثمة نتيجة بدهية أخرى يمكن استنباطها كذلك،وهي أنه قبل نقش اسم فرعون وتمجيداته، كان بناء الهرم مكتملًا بالفعل. لكن بكم من الوقت قبل ذلك؟ بضعة أشهر؟ أم بضع سنين؟ أم...
اسمها “وانجيرو”، إلا أنها تحب اسمها المسيحي “بياترس”، فوقعه أكثر سحراً وجمالاً. لم تكن جملية، ولا يمكن اعتبارها دميمة أيضاً. جسدها مصبوب، إلا أنه يفتقر إلى الروح. كانت تعمل في البارات؛ حيث يُغرق الناس أحزانهم في البيرة. لا يشعر بوجودها أحد إلا حين ينادي عليها صاحب البار أو زبون نفذ صبره...
( أ ) أبو النمرس مدينة باردة . لا ينفك مرعي يردد هذه المقولة لنفسه كلما زادت إرتجافته . أبو النمرس بالنسبة له مجرد مكان يصله الأتوبيس بالعاصمة . قصدها في الربيع الماضي . كانت رياح الخامسين تواصل هبوبها ، وكان هو مهدودًا فغفا . عند المحطة الأخيرة . أيقظه المحصل : إصح .. إصح يا أخ وصلنا آخر الخط ...
( لعبة الصبر القديمة في يديّ تحطمتْ ) – حسب الشيخ جعفر – ما زال في العمر متسع للجنون.. مكان آخر بعيداً عن صفيحتك الصدئــة هذه، أنت أكثر صدأ منها.. هل تدرك ذلك؟ نعم تدركه، وتدرك أنه لولا دخولك المتكرر للحمام لكنت الآن شيئاً آخر.. كومة صدأ بني أغمق لوناً من الصفيحة التي أمامك.. وجهك ممتلئ...
حجارة الدرب المشرئبة إلى الفراغ تستفز المنابت الملتفة حول الأماكن المهملة، كان ذلك رهن وضع نسميه نحن مجالاً عاماً، حيث الموج الكثيف للهواء الأبيض يتدفق عبر محطة تغزوها أقدام المسافرين/ ثمة شرطي جهم الوجه يقف في باب المحطة، بدلته تنسرح على جسمه النحيل، يتطلع إلى حاكم مدني متلفع بمعطف أسود يناسب...
تزود السيد ف. م بمائة ألف جنيه دولارات وأسترلينات وليرات إيطالية الخ، ومضى إلى معامل سكودا في تشكوسلوفاكيا فابتاع من أدوات التدمير والهلاك ما ثمنه 75 ألف جنيه، وأخذ فاتورة بمائة ألف! ثم شحن البضاعة في باخرة تمخر نهر الدانوب، وكان على الباخرة أن تقف في تريستا وأنتظر هناك ثلاثة أيام دون أن تصل...
رأيت الإسكافي تحت سلم مترو الأنفاق يتحدث على هاتفه ، المكان كان مغمورا بالقاذورات والأبوال السوداء الملتصقة بالحيطان وأكوام من أكياس الشيبسي الخالية وبرتقالة فاسدة وبراز كلب أزداد صفرة وانكمش متحجرا في شبه نصف دائرة..وفي الوسط جلس الإسكافي الذي لا يمكن تبين ملامحه من السناج الأسود الذي يلوث...
مثل لفافة تبغ معتقة عاملني وأقتنيني، فانا أعرف أنك من محبي الأشياء النفيسة القيمة... أجل قبل ان تتفوه باستغراب وتسال هل انتِ شيئا حتى اقتنيك أو احتفظ بك؟! سأجيبك وبكلمة واحدة نعم كما أقتنيتك أنا، لقد عشت معك ما يناهز أربعة من العقود وانا أراك في جميع الاحيان حريصا تخاف على ما اقتنيته عشقا، تعيش...
اعتاد الصبي نهار كل يوم ، أن يكحل عينيه برؤية النهر ، وطيوره التي تنتشر على سطحه ، والصيادين الذين ينثرون ضحكاتهم غبّ صيد وفير .أما اليوم فقد وجد النهر منبسطا، عريضا ، تنعكس على سطحه ، شمس دافئة ، وتظلله باسقات النخل . نشر شباكه مع الصيادين المهرة ، و اصطاد سمكة ، تشمّمها فرحا ، مع رائحة السعد...
ترجل بحذر عن جواده عندما تهادى الى أذنه صوته وهو يدندن في تلك الغابة المترامية الأطراف.. ضغط بقوة على بندقيته التي يحملها ، فهو يخشى أن يتسلل الجبن إلى قلبه خلسة فيتحول سلاحه الى قطعة حديد جامدة.. راحت أصابعه تتحسس الزناد كأنها غير واثقة من وجوده بينما راحت قطرات العرق تنساب من جبهته لتزحف نحو...
أعلى