عبدالرحيم لمساقي - حميد وكوفيد

حميد شاب في نهاية عقده الثالث عامل بناء، حين بدأت أخبار كوفيد تنزح من الشرق عبر القنوات الإذاعية كان حميد قد نزح قبلها من البادية و نزح قلبه إلى مقام التتيم بجميلة (مولات المسمن) التي اعتاد تناول فطوره في المقشدة التي تديرها رفقة اختها، كان حميد يناديها دائما بالحادگة لأنها تقدم وجبات الإفطار بعد صلاة الفجر مباشرة و هذا مناسب تماما للعمال و شريحة واسعة من المجتمع التي يلزمها الخروج باكرا لتتحصل على قوت يومها، و المسمن و الحرشة و الشاي دون أن ننسى "البيصار" في ذلك التوقيت بثمن في المتناول يعد نعمة كبيرة جدا لدرجة يمكن اعتباره من زاوية ما، من الركائز التي تساهم في استقرار الوطن و استقرار حميد في العمل دون أن يتأخر او يتخلف مهما تمكن منه التعب، و قد قال ذلك مرارا لجميلة أن ما تعده من حرشة و مسمن لم يتناول مثله ابدا في حياته و انه يمده بالشبع و القوة و أن ذلك السحر المتسرب من اصابعها نحو العجين قد سكن قلبه و سبب له الجنون، و قد مالت هي أيضا لإصراره و طريقة كلامه المشربة بغيرة البدوي، في موعدهما الأول كان كوفيد قد غادر الشرق في رحلة صيد حول العالم، جميلة إلى جانب بيع المسمن في الصباح الباكر كانت موظفة تصحيح الإمضاءات في مقر المقاطعة الحضرية، كانت تخبر حميد عن هذا الفايروس و عن سرعة انتشاره و عن تخوف العالم و انهيار الاقتصاد و امتحان الأنظمة و عن الحروب البيولوجية و بيع اللقاحات و التكنلوجيا المتطورة و تسويق السيادة، كان حميد ينصت إليها باهتمام و يخبرها بطمأنينة المؤمن إنها عقاب من الله للكفار ثم بعد أيام قليلة بأنها إشاعة و مؤامرة ضد المسلمين ليسرقوا منهم (الله)، كان حميد في هذا الموضوع بالذات بحر لا ساحل له و كلما اقترب كوفيد و تشددت الإجراءات كلما زاد اقتناعه و أخبر جميلة أرأيت هذا ما قلته لك، إنها علامات الساعة أو يأجوج و مأجوج يجتاحون العالم على رقاب الجن فلا نراهم، زاد يقين حميد بما يسمع من تحليلات العمال الذين يلتقيهم بعد أن توقفت الدراسة و أغلقت المساجد و توقف عن العمل و أغلقت المقشدة التي كان يرى فيها جميلة كل صباح، لقد أوصد العالم في وجه حميد و كأن كوفيد قد جاء من الشرق كجحافل المغول لا يبحث عن شيء سوى عن حميد و أعلنت حالة الطوارئ و لم يتحصل حميد على إذن مغادرة المنزل و رغم ذلك خرج ينتظر عودة جميلة من العمل، ما إن اعترض طريقها ليتمشى معها قليلا حتى توقفت سيارات الشرطة و القوات المساعدة و أحاطت بهما، كانت جميلة تحمل رخصة العمل بينما حميد يتخيل الأمر كفيلم هندي كانت أنفاسه تتسارع و عيناه تدوران داخل جحريهما، لم يستفق من ذلك الا بعد أن لطمه احد افراد القوات المساعدة على خده بكل ما يملك من قوة، هنا أدرك حميد أن جميلة قد تسربت عبر الازقة في اتجاه بيتها، عاد خطوات للوراء و هو ينظر للحشد أمامه قال لهم الكثير من الكلام دون أن ينطق به ثم أطلق رجليه للريح.... يتبع

تعليقات

كوفيد... قوة فاعلة غير بشرية؛ حركت سيرورة النص؛ وأسهمت في تأزيم وضعيته الأخيرة... بانتظار ما يفتح الباب للانفراج
مع التحية للسي عبدالرحيم
 
أعلى