أماني حبيب يحيى - الوعي بالزمن في قصيدة البردة ونهجها

يظل الانشغال بالزمن هاجساً يحرك الوعي العربي عامة والوعي بالشعر خاصة، وقد تمثل ذلك الهاجس في قصيدة البردة والقصائد التي حاولت تقليدها وانتهجت سبيلها لا سيما قصيدتي البويصيري وأحمد شوقي. فقصيدة البردة ل(كعب بن زهير) تميزت بخصوصية نشأتها في زمن حقيقي .. فقد حاولت تثبيت التغيير الذي احدثه الإسلام، مشكلاً تحولاً زمنياً في حياة العرب الذين لم يجدوا سبيلاً غير الأعتراف به، بعد أن فرض زمنه على واقعهم .. يتضح ذلك جلياً عند استذكار السياق الذي قيلت فيه، فمجيئه إلى النبي (صل الله عليه وآله وصحبه ) مستسلماً خاضعاً طالباً للسماح معترفاً بفضل الإسلام وحضوره.. متخذاً من الشعر وسيلة للتعبير عن موقفه فتجلى وعيه بتطور الزمن الديني و تثبيته بزمن ابداعي متغير ، وهذا يؤكد الإشارة السابقة إلى أن زمن بردة كعب هو زمنٌ حقيقي لأن الزمن الطبيعي يتسم بالتغيير .فرسخت الزمن الديني للإسلام وفي الوقت نفسه أحدث تغييراً في زمنه الإبداعي، فقصيدته مختلفة عما سبقها من شعره. إن حملها لهذه السمة المميزة جعلت منها علامة لغيرها، فظلت خالدة يتغنى بها فيما تلاها من الأزمنة ويُنسج على منوالها، وهنا يكمن الفرق بينها وبين قصيدتي البوصيري الذي كتبها في القرن السابع الهجري و أحمد شوقي في العصر الحديث، إذ نجد زمنهما الابداعي مختلفاً الى حد ما، فهو تثبيت لزمن القصيدة الأولى.. وبالتالي أصبح الوعي بالتغيير ثابتاً، فسعى الأبداع عند البوصيري و شوقي إلى التقليد وهو يتسم بدوره بثبات الوعي بالزمن و الوعي بالدين، بالتالي جمود الوعي بالتغيير الأبداعي .. على الرغم من غنى القصيدتين بجمال النسيج اللغوي و البلاغي ولا سيما قدسية موضوعهما إلا أن القصيدتين تقليد ثابت للمثال الابداعي الأول الواعي بتغيير زمنه ، هذا التقليد أفقدهما الوعي بخصوصية الزمن الذي قيلتا فيه، فخرج الوعي بالشعر عن زمنه الطبيعي ..أي الغي فيهما الوعي بزمن التطور، وأصبح الإبداع تثبيت لوعي زمني ماضي، يوصلنا ذلك إلى نتيجة مفادها أن الوعي بالزمن المتغير ملغي في قصائد نهج البردة وحاضر في بردة كعب فحسب .

تعليقات

أعلى