سحبان السواح - هذهِ أنا، عاريةٌ مِنْ أثوابِ حشمتِي..

مُغويةٌ هيَ “ليليت”، مُلهمةٌ لأيِّ كاتبٍ ومبدعٍ لِيكتبَ عنها، ويغوصَ في مُفارقاتِها التَّاريخيَّةِ؛ اسمُها يعني العَتْمَةَ – وهذا لا يعني سُبَّةً -، لأنَّ البشرَ اعتادُوا تسميةَ الأشياءِ بِضِدِّهَا. وأنا هنا لنْ أدخلَ في البحثِ في تاريخيَّتِها وأصولِها، إِنْ كانَتْ سومريَّةً، أو ما قبل السُّومريَّةِ، ما سأتحدَّثُ عنهُ هوَ وصفُها في سِفْرِ التَّكوينِ، ورمزيَّةِ هذا الوصفِ مِنْ وجهةِ نظرٍ عصريَّةٍ.
فَوِفْقَ (سِفْرِ التَّكوينِ)، خلقَ اللهُ “ليليتَ” الزَّوجةَ الأُولى لآدمَ بِالطَّريقةِ نفسِها الَّتي خلقَ بِها آدمَ، أَيْ مِنْ نفسِ المادَّةِ (التُّرابِ أو الطِّينِ)؛ لكنَّ “ليليتَ” رفضَتِ الخضوعَ لآدَمَ، ورفضَتْ أَنْ يُلقيَ بِجَسَدِهِ فوقَها أثناءَ مُمارسةِ الجنسِ، فقدْ أرادَتْ أَنْ تكونَ مُشارِكَةً في الفعلِ الجنسيِّ، وأَنْ تنامَ فوقَ آدمَ، وأَنْ تكونَ مُساويةً لهُ، كما إِنَّها رفضَتِ الأُمومةَ؛ وقدْ أغضبَ تمرُّدُها آدمَ فهربَتْ مِنَ الجَنَّةِ، وعندما اشتكَى آدمُ إلى رَبِّهِ، بعدَ هروبِ “ليليتَ” مِنَ الجنَّةِ، بِأَنَّهُ قدْ مَلَّ البقاءَ وحيداً، خلقَ اللهُ لهُ “حَوَّاءَ”، ولكِنْ هذهِ المرَّةَ لمْ يخلُقْها مِنَ التُّرابِ مِثْلَ “ليليتَ”، وإِنَّما خَلَقَها مِنْ أَحَدِ أضلاعِهِ، وعلى هذا ستكونُ خاضعةً، وليسَتْ مُساوِيَةً لآدَمَ.!.
نحنُ هنا أمامَ شكلَيْنِ لِلمرأةِ، نَمَطَيْنِ إذا صَحَّ التَّعبيرُ، وهذانِ الشَّكلانِ هُمَا مِنِ اختراعِ الرَّجُلِ، فهُوَ يُريدُ زوجةً خاضعةً تُنجِبُ لهُ الأولادَ، ويُريدُ عشيقةً شَبِقَةً تُمارِسُ معهُ الجنسَ بِكُلِّ إِباحِيَّتِهِ وشَهْوانِيَّتِهِ. على هذا الأساسِ تكونُ “ليليتُ” هِيَ العشيقةُ وحوَّاءُ هِيَ الزَّوجةُ.
“ليليت”ُ هِيَ حُلْمُ الرَّجُلِ الأبديَّةِ، يقبلُ مِنْها كُلَّ نَزْواتِهَا وَشَبَقِها، ولا يعنِيهِ أَنْ تَأْتِيَهُ مِنْ فوقُ، أَوْ مِنْ تَحْتُ، أَوْ مِنَ الجانِبَيْنِ. يهتمُّ بِرَغْبَتِها الَّتي تُثيرُ فيهِ شَهَوَاتِهِ، لِيُعيدَ الكَرَّةَ مَرَّةً أوْ مرَّتَيْنِ أوعَشْرَ مَرَّاتٍ.!.
ليليت؛
بدايةُ الكَوْنِ، وانطِفاءُ الجُنونِ..
أَوْ هِيَ..
سَرْبُ فراشاتٍ مسكونةٍ بِالرَّغباتِ، أَوْ مفجوعةِ بِالذِّكرياتِ
أَوْ رُبَّما،
سَرْبٌ فراشاتٍ مُلَوَّنَةٍ مُحَلِّقَةٍ فوقَ حقلٍ مِنْ شقائقِ النُّعمانِ..
هاهِيَ ليليت.
تَتَبَدَّى عَبْرَ الطَّريقِ القادمِ مِنَ البحرِ، مُعَلَّقَةً حَلْيُها وأثوابُها على أعمدةِ مدينتِها سبعةُ أعمدةٍ بِسَبْعِ قِطَعِ حِلِيٍّ وثيابٍ .. مُعْلِنَةً لِلقادمينَ إِليها:
هذهِ أنَا، عاريةٌ مِنْ أثوابِ حِشْمَتِي.. أنتظرُ وُصُولَكُمْ.
مفتوحةَ الذِّراعَيْنِ، تفوحُ مِنْ إِبْطَيْهَا رائحةُ الأعشابِ النَّديَّةِ، عاريةَ الصَّدرِ، ناعمةَ ملمسِ الجَسَدِ تَحْضُنُ بينَ ساقَيْها وفي مكانِ العانَةِ مِنْهَا كُلَّ القادمينَ إليها. تستقبلُهُمْ، تَمْتَصُّ رحيقَ أيَّامِهِمْ، ثُمَّ ترميهِمْ في شوارعِ مدينتِها، فينتظرُونَ قَدَرَهُمْ هناكَ سبعةَ أيَّامٍ، أوْ سبعةَ شُهورٍ، أوْ سَبْعَةَ دُهُورٍ.ّ!.
بعضُهُمْ يقرَفُ منها بعدَ المُضاجعةِ الأُولَى، فيتركُها ويعودُ؛ وبعضُهُمُ الآخَر يَعْلَقُ ويصبِرُ، ويتحوَّلُ إلى عَبْدٍ لَهَا، أوْ سَيِّدٍ أوْ خادَمٍ لهذا أو ذاك.
وأنا واحدٌ مِنْهُمْ..
أنا،
الباحثُ عنْ أسرارٍالحُكماءِ السَّبعةِ .. أَتَوَجَّهُ الآنَ إليها.. محشوراً في مقعدٍ خشبيٍّ في عَرَبَةٍ مِنَ الدَّرَجَةِ الثَّالثةِ داخلَ قطارٍ يَئِنُّ على السِّكَّةِ.. ويدخُلُ إلى المدينةِ شيخاً مهترئاً يبصقُ سُعالَهُ دُخاناً أسودَ. فيُغَطِّي مَشْهَدَ المدينةِ البَهِيَّ.
تستقبلُني لِلمرَّةِ الأولى، وقدْ طرحَتْ عنها حَلْيِهَا وثيابَها قطعةً قطعةً. ثُمَّ حَرَّرَتْ ثَدْيَيْهَا وفتحَتْ ذراعَيْهَا، وكَوَّرَتْ حِضْنَها المُقَدَّسَ، لِتستقبلَ ولادتي الثَّانيةَ. أنا المولودُ أصلاً مِنْ رَحِمِ بَحْرٍ على كَتِفِ صحراءٍ تنتهي بِعُشْبٍ يابسٍ.
مِنَ الأعلى جاءَتْنِي، حَضَنَتْنِي، ضاجعَتْنِي، أطلقَتْ كُلَّ شَهَواتِها وهي فوقِي.. ثُمَّ رمَتْنِي بعيداً عنها، وصرخَتْ:
أنا:
“فَرَسُ آَدَمَ الأولَى ومُفْسِدَةُ إبليسَ *
خَيَّالُ الجنسِ المكبوتِ وصرختُهُ الأصفَى
المرأةُ التَّمَرُّدُ، لا المرأةُ الـ “نَعَمْ”
الشَّريكةُ في الخَلْقِ لا ضِلْعُ الخُضوعِ
ما ينقصُ الرَّجُلَ كيلا يندمَ
وما ينقصُ المرأةَ كي تكونَ.”.



*******************
* ما بين علامتي التنصيص لجمانة حداد
المصدر : موقع ألف لحرية الكشف في الكتابة والانسان

82e86d300a4cd8ad29748b0c8bb15bfb.jpg



Robert Fowler
(1853 – 1926)
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى