أوفيد - حبيبتي.. أعدك لن أتجاوز ما فعل أبوك بامك

... خلال الخمائل التي تُؤثرها في اطيب الوديان شذى؟..... هكذا تخطر أسرابُ الحسناواتِ الى حلبة الألعاب الحافلة.ووسط تلك الحشود كثيرا ما طاش حكمي في اختيار إحداهن،يمضين جماعاتٍ يتشوَّفْن إلى الرجال، كما يطمعن في أن يتشوَّف الرجال اليهن

حذار أيتها العفّة أن تُطِلِّي، فسوف يكون في هذه الساحة حتفُك. كنتَ يا رومولوس أول من بثَّ الفوضى في هذا الموقع.حين أمست مَن اختُطفن من عشيرة " سابين"، مُتعة للأعزاب من رجالك،وحين كان المسرح المرمري لا تزال تُعوِزُه الخيامُ الرائعة،ولم تكن ردهاته تتوهّج بعدُ بطلاء الزعفران الذهبيّ الورديّ،بل كانت كل ما تزدان به ورقات أشجار البالاتينوس، التي تتناثر عليه عَرَضا،

وكانت المنصّةُ عاريةً من أية زينة. كما كان القوم يجلسون على درجات معشوشبة، تتراكم على رؤوسهم بشَعرِها الأشعث أوراق الشجار المتساقطة. ويتلفّت كلٌ منهم يمنة ويسرة، لعلّه تقرُّ عيناه برؤية من يتشهّاها من النسوة، ويمتلئ بلهفته إليها قلبه.في ذلك اليوم المشهود [ يوم اختطف الرومان السابينات]هبّ الراقصُ يضرب أرض المسرح بقدميه مرات ثلاث، وحين بدأ عازفُ الناي يرسلُ أنغامه الساذجةدوَّى تصفيقُ القوم يُجلجل جَلجلة نابية.وأومأ الملك إلى أتباعه المتلهّفين إلى اختطاف " السابينات" بالبدء،فما أسرع ما وثبوا وكأنهم وحوش كاسرة،

وقد تحشرجت حناجرهم بشبق عارم. وأخذت أيديهم تهوى على مفاتن أجساد العذراوات لَهِفةً نهمةً:كُنَّ يماماتٍ مذعوراتٍ ينشدن الإفلاتَ من بين مخالب صقور جارحة، أو حملانٌ رُضَّع يلمحن الذئب المفترس الجائع،فَزِعات يهرولن هربا بفرائص مرتعدة، وفي أعقابهم البرابرة المختطفون.ومن فرط الخوف علاهُن شحوب، وانطمس لون البشرة.وغذا هنَّ جميعاً يتولاهّن خوفٌ واحد، وإن كان لكلٍّ منهن مع الرعب مسلكُها: فمنهن من أخذن يشدُدْن جدائلهن،ومنهن من جَمُدن ذَهِلات لا يتحرّكن،وواحدة تنتحب صامتة، وثانية تصرخ عبثا " يا أماه"،وثالثةٌ تحبس دمعتها وتُنَنِه،ورابعةٌ تخالفهنّ مُستسلمةً، وأخرى تُولِّى هاربةً.والموكب يمضي بعرائسه الأسيرات، يزددن فتنة رغم الذّعر.وحين تحاول إحداهن أن تتأبّى على آسرها، يضُمّها إلى صدره الولهان،يرفعُها بذراعيه إلى أعلى ويناجيها:

" لِمَ تطمسين سحر عينيك بالدَّمع،وأنا لن أتجاوزَ ما فعل بوك بأمك".أي رومولوس لك تهنئتي،كنت فريداً..... تعلم وحدك كيف تسوقُ الأسلاب، يستملحها كل محاربٍ.ومن أجل الأسلاب، أحببتُ أنا أيضاً أن انخرط في سلكِ الجندية.إذ انتقلت تلك التقاليد إلينا، فغدت مسارحُنا محفوفةً بما يقع للجميلات من مخاطر.فلا تفوتنّك الحلْبةُ حيث الجيادُ العريقة تتبارى، وحيث تجدُ وسط الزحام مكمناً تتطلّع منه الى الحسناوات. ولا حاجة بك إلى إيماءة رأس أو إشارة كفّ،فأنت في غنى عن التلميح والمكاتيب.قَرْ إلى جوارِ فاتنتك، فلا حرَجَ عليك. واقترب لصقها قدرَ طاقتك،واشكر زحمة الجالسين فوق الدرجات،إذ أغلقوا السُّبلَ أمامهافلم تجدْ مفرّاً من الاستسلام لدفء جوارِك.بادر بتلمُّس موضوع يجذبها لمحاورتك.

وابدأ بما هو محطُّ الاهتمام.سَلْها في شغف مفرط:"

سيدتي، أيّ رهطِ من الجياد نشهدُ"؟واستحسن قولتها مهما كانت. وحذار حذار ،أن تنسى التصفيق بحماس لتمثال فينوس صاحبة الجلالة.لحظة يُشرقُ في الموكب محمولا فوق أعناق المتبارين. وحين تلمحَ ذرة غُبار تهبط على ثوبها فوق الفخذ،فبأناملك في رفقٍ ادفعها.وإن لم تهبط تلك الذّرة،فتوهّم واحدة هبطت...وادفعها أيضا.مباحٌ لك كل ما تتذرّع به لشدّ انتباهها.فإذا الثوبُ على الأرض تدلّى وشابهُ قذىً، فثِب وارفعه بيديك الحاذقتين،فقد تُجزيك لقاء ما أسديت،بما لم تُنله غيرك من مُتعة النظر إلى ساقيها.وتطلّع حولك لتطمئن إلى أن أحداً من الجالسين خلفكلا يلمسُ مِنكبها الناعم بساقيه غَزِلاً،فأهْون اللفتاتِ فقد تُغري عقولهن النَّزقة. وتُجديك كثيراً يدُك الأربيةُ حين تُسوّى حَشِيّتَها،أو حين تميلُ بمروحة تدفع عنها لَفْحَ القيظِ،

أو أن تُرسى لقدميها متكأ.هذي حيلٌ من غزل العصر، يبسطها سخيّا جوُّ الملعب.و"الفورَمْ "أيضاً يمنحك الفرصة كاملة،رغم رمال الأرض المبتلة حُزنا، سُخطاًحيث تُراق دماءٌ لتسرّى عن الجمع. ما أكثر ما يقتحم كيوبيد الساحةيُطلق سهما يُردي أحد النظَّارة،يصرعه وهو يتحسّسُ كفَّ فتاتِه ويثرثرُ معها،يسألها عن البرنامج، وعن أي فريقٍ فازَ؟بينا هو لم يدفعْ ما راهن به إلا من لحظة،وإذا السهمُ يعاجلهُ، فيرسلُ أنّاتٍ إثر الطعنة،وينقلبُ لساعته فصلاً بين فصول العرض.

*****

من عهد غير بعيد قدّم القيصرُ عرْضاً.يحكى معركة سالاميس البحرية بين الفرس واليونان وفدت جموعُ الفتيةِ والفتيات من مشارق الأرض ومغاربها،وكأن الخلقَ جميعاً قد حُشروا في روما حشراً،واعجباأيفتقر امرؤ في مثل هذا الجمع الغفير إلى خليل!كم من لمسة حب غزت قلوب نفرٍ من أهل روما بسهام العاشقين الغرباء!

*****

قيصرُ يتأهب كي يطوي تحت لوائه ما بقي من العالم خارج سطوته.وأنت أيها المشرق النائي، لسوف تجثو اليوم "طرواده" تحت أقدامنا.أبشرِ يا كراسوس أنت وولدُك في لحديكما.لتدفعنَّ الجزية أيها البارثيّ.وأنتِ أيتها البيارقُ التي دنّسها البرابرة،آن لك أن تُنضى عنك الخزي، وترفرفي ثانية في الأجواء.

فالآخذ بالثأر لنا قائدٌ لا يُبارىيتأهّبُ رغم حداثة سنِّه ليشُنَّ حرباً يهايها الفتيان.كُفّوا يا من تنخلع قلوبكم خشيةًعن إحصاء أعياد ميلاد آلهتكم.أنسيتم أن الإقدام ثمرةٌ مبكرةٌ لا يؤتاها سوى القياصرة؟هل فاتكم أن قُدرةَ الأرباب تنمو بخُطى تسبقُ سِنى اعمارها،فلا تبالي في انطلاقها بالعقبات الكأْداء.فهرقل رضيعاً خنق بقبضتيه الثعابين،وبات جديراً بأن يُعزى لأبيه جوبيتر. وأنت يا باخوس، كنتَ ما زلت صبياًعندما أرهب صولجانُك الهندَ، فغزوتهاأي قيصر الفتىببركات جدِّك وبوجي من شجاعته ستحذق توجيه جُندكوبرعاية جدِّك وبوحي من شجاعته سوف يكلّل النصر جبينك.وما دام لك هذا الاسمُ الجليل،

فالنصر حليفك.أنت اليومََ أميرُ الشباب، وغداً أميرُ الشيوخ.اذكر أخوة لك سامهم العدوُّ سوءًا،وذُدْ عن حقوق جدِّك،بعد أن اغتصب العدو رُكناً عن عرشه، مستهيناً يخالد مشيئته.لقد قلّدك جدُّك السلاح، وسلاحُك مشروع، فباسم الحق والواجب يرتفع لواؤك، بينا سلاحُ خصمك السهامُ الغادرة.قضية البارثيّين خاسرة لا يساندها حق، فلتُذقهم ويلَ الهزيمة في الحربأي ابانا مارسأي أبانا قيصرناشدتكما وهو ينفرُ على القتال، أن تُبغا عليه البركة، كي يضيف كنزَ الشرق إلى مُلك لاتيوم،فأحدكما إله، والثاني صاعدٌ إلى اللوهية. هاكم نبوءةٌ فاشهدوا:النصر نصيبك،ونصيبي ... شدوى أغنيةُ النصر،ودينُك عندي أن ألهج جَهرا بثنائك.كالطود الراسخ تمضي ترددُ كلماتي، تُذكي بها حماسَ الجند.ناشدتُك، ألا تقصُرَ همّتُك عن مقالي.وأعاهدك أن أشيدَ بإقدام الرومان،

وأندّدَ بفرار البارثيّين ،وبسهامهم تُفْلتُ منهم ذعراً من فوق صهوات جيادهم المتقهقرة.إذا كان الفرار أيها البارثيّ هو سبيلُك الوحيدُ للنصر،فماذا تُراك للهزيمة أبقيت؟إن حربَك أيها البارثيّ تحملُ الشؤم إليك. ولينبلجنّ لك يومٌ يا قيصر،تتألق فيه بوسامتك في حُلّتك الذهبية.متصدّراً مركبتك، تجرُّها جيادٌ أربعةٌ ناصعةُ البياض كالجليد،بينما يُساقُ إليك سادتهم مكبّلين بالأغلالن وقد قطعت عليهم سُبل النجاة،فلا يفرّون كما هو دأبهم.لَيَفِدَنّ الشبابُ فتية وفتيات، تخفق قلوبهم وهم يستشرفون موكب النصر. فإن سألتك عذراءُ من بينهن عن أسماء الملوك، أو رموز الاقاليم والجبال والأنهار المحمولة على الأكتاف، بادر وأسهِبْ في الوصف، ولا تُقْصر إجابتك على ما تُسأل عنه.وإذا غاب عنك ما تجيبُ به فلا تتهيّبْ،واسرعْ بالتلفيق، وكأنك بكل أمرٍ عليم:" انظري هذا التمثال الذي اكتنفت جبهته القصباتُ هو الفرات، وذاك الذي تنسدلُ خصلاتُه الزرقاء الداكنة هو دجلة.ولا تثريب عليك يا صاحِ إن قلتَ عن قوم إنهم الأرمن. وغليك بلادَ فارس التي شادها برسيس حفيدُ جوبيتر وداناي،وتلك مدينة في الوديان الأخمينية"وهذا وذاك من القادة والزعماء،من تبيّنته من بينهم فسمّه باسمه، ومن جَهِلته فاخلع عليه اسماً يناسبه.

*****

وما أكثر ما تتيحُ الولائمُ من فرص، ترشفون فيها إلى جوار النبيذ نشوةً أخرى.وربُّ الهوى المتألق يلفّ معانقاقرني باكخوس الثّمل المسترخي.وعندما يغمر النبيذ أجنحة كيوبيد العطشى،يُذعن أسيرا وينوءُ بحمله عاجزاً لا يبرح،ثم ما يلبثُ أن ينفض جناحيه ينضو عنهما البلل، فتتطاير قطراتٌ تقعُ على الصدورِوتنفذُ إلى القلوب وكأنها سهامه.ا لنبيذُ يهبُ الشجاعة، ويؤجج في الرجال لواعج العاطفة المشبوبةينتحر الهم غريقاً في بحر من خمر، وتُشرقُ الوجوه ضاحكةً.حتى المكدود منا، تُشرق روحه.. وينبض قلبه فرحاانحسر الحزن عنه وانبسط جبينه.فإله الخمرِ يجلو ما يخبّىء معاقرُها ويحُلُّ لسانَ الثملِ،فيثرثر في صراحة، ما أندرها في هذا العصر.لحظتها تستلب الأنثى لُبَّ الذَّكر، فينوس في كأس الخمر نارٌ تتوهّج في نار.

وحذار أن يسْتَهويكَ خداعُ المصباح الخافت ساعةَ تثْمُل فالخمرة والعتمة يُغشِّيان الأعين، فيطيشُ صوابُ الرائيوباريس لم يقض لفينوس بالتفاحة الذهبية [جائز الجمال]قائلاً :" إن جمالك لا يتألقُ فوق جمال جونو ومينرفا"إلا في أوج الظهيرة .احذر فالليل يسترُ العيوبَ،والظلمةُ قد تعيرُ الشمطاءَ صِباً.وكما تحتكمُ إلى ضوء النهار حين تنتقي الجواهر، أو تختارُ الصوف الأرجواني،لُذْ به بالمثل حَكَما، لتجتليَ سماتَ الوجه واستدارة الجسد.

*****

ما أغناني عن أن أُحصيَ لك منتديات الصَّيد وهي كالرمال عدًّا.ماذ أحكي عن باياي وعن ساحلها،وعن الينابيع التي تُطلق أبخرة الكبريت الدافئ.هل بلغك نبأُ التعس العائد من عند النبع،يحمل جُرحا في القلب ويصرخ: واقلباه..واخيبةَ أملي، تلك مياهٌ لا تشفي كما زعموا؟انظر،على مرمى البصر من روما أجمةٌ تضم معبد ديانا،مملكةٌ يحكمها بالكفِّ الآثم من يُجهزُ بالسيف على سَلَفه.لاذت الربّة ديانا بالعُذرية، ونفرت من كيوبيد وسهمه.ومضت تُلحقُ الطعنات بالعشاق.ولن تتوقف




* اوفيد - فن الهوى

Marsala
Endre Roder | oil on canvas board
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى