أحمد الفخراني - السير عكس مجرى نهر المؤسسة الدينية

المؤسسة الدينية على عكس الإسلام، لا تعترف بالجسد، تنفيه إلى آخره، تحيله إلى غيب، تؤجل اللذة إلى ما لا يقبض عليه، تنفي لذة الأنثى كذلك، لتصبح أداة متعة في الدنيا والآخرة، مقابل تضخيم كل ما يحوم حوله الشك لدى الذكر، فقضيبه سوف يبلغ في الجنة طولاً أسطورياً. سيصير مركز الرغبة، تتحلق حوله آلاف الحور العين، في نكاح يطيل مدة المرة فيه إلى سنوات تناسب الأبدية.
الجسد، لم يكن لعنة وعبئاً قبل تدخّل الكهانة لدى الديانات السماوية، الانفتاح على اللذة والجنس كان أهم تجليات الثقافات الإنسانية قبل الديانات السماوية. تحفل الأساطير القديمة بالجسد كمركز يتجاوز المتعة ليبدأ في تأمل نفسه، يمكن اعتبار أدب الإيروتيك هو أقدم الفنون الأدبية. حيث الإنسان وغرائزه صافية كنبع لم تمسّه الكهانة بعد، واضحاً في أساطير إيزيس وأزوريس، جلجامش، عشتار، وصايا باخوس، فينوس، نشيد الإنشاد في الإنجيل.
وعلى عكس المسيحية، التي لعنت الجنس، ورأته كوسيلة للإنجاب لا اللذة، وجعلت من العذرية لدى الأنثى شيئاً مقدساً، كان شرط أن تكون من رجال الكنيسة هو إلغاء الجنس، يقول بولس الرسول: «فمن استطاع الاستغناء عن الجنس فليفعل. فهذا الأفضل»، لا ينكر الإسلام المتعة الجنسية، بل حرص على تأكيد تحقيقها.
في دراسته: الجنس في الثقافة العربية لسليمان توفيق: يرى أن المسلمين يعتبرون أن مصير البشر هو أن يعبروا عن رغباتهم الإيروسية، لكن يجب أن يتم الحب الجسدي والروحي في مجال مُنظم حتى تتم مراقبته. لقد كان ابن سينا قبل أكثر من الف سنة يوصي الشباب بأن لا يقمعوا رغباتهم الجنسية حتى لا يصابوا بأمراض نفسية. وهكذا شجّعهم بإسلوب علمي حديث على التمتع بالجنس بدون قيود. لقد كان هذا الفيلسوف صاحب عمل فكري يمكن أن نطلق عليه «فلسفة المتعة». فالجنس بالنسبة اليه «نعمة منحها الله للإنسان».
لا يُعتبر الامتناع عن الجنس حالة أخلاقية في الاسلام، ولهذا رفض الإسلام الرهبنة واعتبر العزوبية أمراً سيئاً، وكان دائماً يحثّ المؤمنين على الزواج المبكر لإشباع غرائزهم الجنسية.
لقد ترك العرب، العديد من المؤلفات التي تتحدث عن الحب والجنس بحرية نفتقدها اليوم، نصوص حول سبل الغواية، وفنون الجنس، ونصائح بلغة صريحة، تسمّى فيها الأشياء بأسمائها.
تفيض تلك الكتب بقصص «الخلاعة والمجون وأخبار الجنس والوطء والشذوذ واللواطة». وبعيداً عن الكتب الشهيرة المكرّسة للجنس، الملاحظ هو هذا الفيض من الحديث عن الجنس في كتب «الأغاني والعقد الفريد ونثر الدر وقرى الضيف وثمرات الأوراق والإمتاع والمؤانسة والبيان والتبيين وغيرها».
حتى الكتب الفقهية لم تسلم من ثقل الموضوعات الجنسية البحتة كآداب النكاح الشرعية وأحكام الحيض والنفاس وعلامات البلوغ عند الرجل والمرأة وأنواع السوائل الجنسية بل والتفاصيل الدقيقة للحياة الجنسية للرسول.
بعض الكتب الشهيرة كالروض العاطر وتحفة العروس التي كرّست للجنس، موجّهة في الأساس للحكام، أو بطلب منهم.
اللافت أن تلك المخطوطات طبعت باللغات الأوروبية قبل أن تُطبع بالعربية.
رغم جرأة تلك الكتب وتقدميتها إلأ أنها لم ترَ في المرأة سوى عقل داخل فرج. وتلخصها كشهوة تمشي على قدمين.

تحفة العروس
لأبي عبدالله التيجاني لم يكن إماماً عادياً كان من أئمة المالكية، ينتسب إلى قبيلة تجان من قبائل المغرب، تولى الكتابة للواثق بالله يحيى بن أبي القاسم صاحب المملكة الحفصية في مدينة بجاية، ثم عاد إلى تونس ليتولى مركزاً مرموقاً في ديوان الرسائل وظل يتنقل في الوظائف حتى سنة 709هـ، قائمة مؤلفاته كتابات في شؤون الدين، يقول محقق الكتاب «تحفة العروس ليست نصاً خليعاً كما تُفهم الخلاعة اليوم، فمؤلفها من أئمة المالكية، فقيه وأديب، وتحفة العروس موسوعة في المرأة العربية تدل على تبحّر التيجاني في علوم الدين والأدب والتاريخ والجمال والجنس».
ويبدأ المؤلف في مقدمة كتابه «ولما كان التلذذ بالنساء أعظم اللذات، وكان لهنّ من التقدم في قلوب الرجال ما قدّمهن الله سبحان به في كتابه على سائر الشهوات، رأينا أن نجمع من ملح أخبارهن ومستظرف نوادرهن وأشعارهن، وما يُستحلّى من أوصافهن ويُستحسن من ألوانهن وأسنانهن ، ويُستحسن من آدابهن، ويُمدح من خَلقهن وأخلاقهن، وما ينبغي للرجل أن يتخّير لنكاحه منهن، وبيان جُمل من أحكامهن نبذاً تجمع بين إفادة العلم وإمتاع النفوس، فجمعنا هذا الكتاب». يقول محقق الكتاب جليل العطية إن التجاني لم يذكر سبب تأليفه الكتاب، ويبدو أنه وضعه لأحد الأمراء الحفصيين في تونس اوائل القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، وجعله في خمسة وعشرين باباً. ترجم الى الفرنسية في العام 1848، كما تُرجم إلى الانكليزية وغيرها من اللغات، ولم تصدر منه في العربية إلا طبعة رديئة في مصر العام 1881.

الروض العاطر
كتاب «الروض العاطر» فقد ألفه النفزاوي قاضي الأنكحة بناءً على طلب من السلطان عبد العزيز الحفصي سلطان تونس، وذلك لإثراء الكتاب الصغير، «تنوير الوقاع في أسرار الجماع»، للمؤلف نفسه. وكان هذا الكتاب يخاطب السلطان، ليس لضعفه بل لأن السلطان هو مَن طلب كتابته، وذلك واضح من بداية كل باب، في «اعلم يرحمك الله».
يقال إن حاكم تونس في ذلك الوقت كان ينوي أن يعهد إلى الشيخ النفزاوي بمنصب رئيس القضاء، لكن الشيخ لم يكن راغباً في تولي الوظيفة، فعندما قرأ الباي كتاب الشيخ عدل عن رأيه وأذعن لمشيئة الشيخ بعدما توصّل إلى استنتاج مفاده أن الشيخ لا يصلح لتقلد وظيفة القضاء ولا لأي وظيفة عامة أخرى. يقول الشيخ شارحاً ردّ فعل الباي على الكتاب: «بعد مرور ثلاثة أيام أتاني مولانا الباي وبيده الكتاب، وعندما رآني متوتّراً وخجلاً بعض الشيء قال: لا يجب أن تشعر بأيّ خجل أو حرج فكلّ ما ذكرته في هذا الكتاب ذو قيمة، وليس في ما كتبته ما يصدم أحداً. لكن فاتك شيء ما». عندما استفسرتُ عن مراده قال: «لقد كنت أفضّل أن تضيف إلى الكتاب ملحقاً تخصّصه للحديث عن كل مرض من الأمراض والاختلالات التي ذكرتها».
يفتتح «الروض العاطر» بدعاء «الحمد لله الذي جعل اللذة القصوى للرجل في الأعضاء الطبيعية للمرأة، وقدّر أن تمنح الأعضاء الطبيعية للرجل المتعة القصوى للمرأة». لكن الكتاب، في سياقه اللاحق، ينفي أن تكون المرأة قادرة على الشعور باللذة إلا إذا طاف بها الذكر، ويؤكد ان الرجل لا يعرف الراحة والهدوء ما لم يتّحد بالمرأة. يواصل الكتاب عرض موضوعاته وقصصه المشابهة لحكايات «ألف ليلة وليلة». وبعد بحث موجز للخصائص البدنية التي تتطلّع النساء الى توافرها لدى الرجال، يروي حكاية مفعمة بالتصوير الحي للمضاجعات التي تتم بين مهرّج البلاط وزوجة الوزير حمدونة التي تطارحه المتعة بالكفاءة نفسها، ثم يلي ذلك وصف لامرأة فاتنة، وقصة زنجي يسعى الى إغواء زوجة الوزير وتنتهي به الحال الى بتر أوصاله وإعدامه.

نزهة الألباب
يقدّم كتاب «نزهة الألباب» للشيخ التيفاشي (تحقيق جمال جمعة) الذي كان عالماً جليلاً وأديباً مؤرّخاً تولى منصب القضاء في تونس ومصر، مسحاً شاملاً للظواهر الجنسية، المتخفية منها والظاهرة في المجتمع الإسلامي حتى نهاية منتصف القرن السابع الهجري، متناولاً طبقات القوّادين والزناة واللوطيين والسحاقيات وأساليب عملهم وأفعالهم، جامعاً أهم النصوص الشعرية والفكاهية السائدة آنذاك، التي لا تزال تحتفظ برونقها حتى الآن، مما أسبغ على رصانته مناخاً من المرح والفكاهة ينقله من كتاب جاد ورصين مدوّن بأسلوب أكاديمي بحت إلى كتاب ممتع.

.
* عن السفير الثقافي

3102138-regner-jpg_2734263.jpg
 
أعلى