أفنان القاسم - المرأة والجنس - 3

أولاً
الشبق طاقة حيوية تتمثل فيها غريزة الحياة، إنه الشهوة الجنسية، كل واحد منا، رجل أو امرأة، يعيش بها، معها، لها، وهي ابنة للغريزة الجنسية التي ترتبط بنا ونحن أطفال لم نبلغ بعد الخامسة من العمر، وبالتالي ما يثبت في ذاكرتنا من صورة للمرأة التي نختار أو للرجل الذي نقع في هواه. جنسيًا إذن كل شيء كائن فينا منذ مولدنا، فلماذا إذن تعمل مجتمعاتنا على قتلنا أحياء، بتقنين الجنس، وتحويلنا إلى أقنان محرومين من الحرية في جسدنا، بعد حرماننا من الحرية في وطننا؟ الهجوم على الجسد في مجتمعاتنا هو في نفس الوقت هجوم على النفس، على الفرد، على الحياة، للإخضاع، هذا ما يرمي إليه كل نظام قهري، الحرية فيه حرية للحاكم بأمر الحاكم، حرية الحريات، وبعد ذلك لرجل الدين، مسيحي أو مسلم، لرب البيت، لرب العمل، لرب الحزب، ومن قال الحزب عندنا يقل الماخور، لرب الماخور –نعم حتى في المكان الذي تتصرف فيه المرأة بأكثر ما يكون عليه من حرية- لرب السوبر ماركت، لرب الفضائيات، لرب سيارات المرسيدس، لرب بيوت الماء –نعم حتى لبيوت الماء هناك رب يعمل على قهرنا- لرب ساندويتشات الفلافل والشاورما والنقانق، لرب الفساتين القصيرة والطويلة وقمصان نصف الكم، لرب الحجاب والجُبَّة وشفرات جيليت، لرب... لرب... لرب... ولشتى أرباب الدول البطريركية دولنا. الغرب يريد من مجتمعاتنا أن تكون سوقًا حرة لِسِلَعِهِ وبالتالي كل المشاريع الاقتصادية مشاريعه لا مشاريع دولنا، ودولنا تريد من نسائنا أن يكن سوقًا حرة لذكورتها وبالتالي كل المشاريع الجنسية مشاريعها لا مشاريع رجالنا، وهكذا يُحْكِمون إقفال الباب علينا كأفراد وكمستهلكين إلى أبد الآبدين!

ثانيًا
لعنة المرأة في مجتمعاتنا أن تكون امرأة، وَأْدُهَا أفضل بكثير، فهي ليست الصورة التي ثبتت في ذاكرتنا ونحن أطفال، إنها الصورة التي يعملون على زرعها في ضلعنا ونحن رجال: المرأة البتول، المرأة العذراء، المرأة العصماء، المرأة الحصناء، المرأة العفيفة، باختصار امرأة منتزعة من جسدها، امرأة مفبركة في المصانع العربية للروبوهات. لهذا كانت جرائم الشرف حلالاً علينا، وظاهرات العوانس والانتحار والفرار والزواج من الكبار في السن والطلاق المبكر والبحث عن أمير الأحلام الذي لا يوجد –تحت شرط أن يكون غنيًا وإلا فلا والفلا هي التي تمشي- باختصار، ما أدعوه بظاهرات العهر الشريف، العهر الذي يسكن في جسد المرأة العربية كنظام مؤسساتي قامت عليه شتى المؤسسات.

ثالثًا
إذن يُوُجَز وجود المرأة ببكارتها، التي هي بالمفهوم العلمي بضع قطرات دم لغشاء المهبل، لكنها بثقل أطنان من حديد العادات والتقاليد تعود في جذورها إلى فجر الإسلام بالنسبة للمسلمين، إلى فجر المسيحية بالنسبة للمسيحيين، إلى فجر اليهودية بالنسبة لليهود، الإسلام مثلاً حررها من الوأد، وكبلها بالبكارة، فالمرأة في العصر الجاهلي كانت حرة بأتم معنى الكلمة، اعتمادًا منها على مجتمع تلعب فيه دور المالكة لجسدها على أكمل وجه، بدون تقنين ولا قنانة، فالقوانين كانت قوانينها في نظام مطريركي استمر إلى بداية الإسلام، أُعطي السيدة خديجة نموذجًا. أسوق دليلاً على ذلك بسرعة، لأصل إلى الحل الذي أرتأيه: يوضع حد لمسألة البكارة –هناك من يفضل العُذرة- عندما يكون الرجل غير مضطر للزواج من المرأة التي فقدت عُذرتها معه، وعندما لا يعود ذلك يمثل له كارثة الكوارث، ويَفهم أن من حقها الطبيعي أن تمارس الجنس كحقه الطبيعي (ما فيش حد أحسن من حد)، عندئذ لن يجد مانعًا من الزواج بفتاة ليست عذراء.

رابعًا
يمكننا كشباب أن نبدأ بأنفسنا، فلا ننتظر أن يقبلنا المجتمع حتى يحين يوم تغييره –بعد عمر طويل- أن نحرق المراحل، وندفع المجتمع إلى التغيير. المرأة الغربية لا تسلم نفسها لأي واحد، تسلم نفسها لمن تحب أو لمن تظن أنها تحب. في الغرب لا تقلقهم العُذرة، يقلقهم الحب، والحب يتطلب علاقات طبيعية في بيئة طبيعية، بيئة طبيعية تعني حقوق كاملة للمرأة وللرجل، حقوق كاملة تعني مستقبل يضمن تأسيس أسرة، لهذا كان الزواج على أساس الحب أهم من الزواج على أساس البكارة، ولهذا كان الزواج على أساس الإخلاص أهم من الزواج على أساس الرِّياء، الزواج على أساس الرياء نوع من الدعارة، من السقوط، من الحياة دون حياة، دون طعم، دون متعة، ومتعة الجنس أغلى متعة. لهذا لو كان عليّ أن أختار بين العاهرة الشريفة (وأقصد هنا الزوجة الغارقة في الكذب) وبين العاهرة اللاشريفة (المرأة التي تجعل من الدعارة مهنتها) لاخترت العاهرة اللاشريفة، لأني أراها كإنسانة تمارس مهنة كأي مهنة، ظروفها التي أدت بها إلى ما هي عليه لا تهمني، فأنا لست قاضيًا للأخلاق، بينما للعاهرة الشريفة أكون من أشد القضاة ضراوة.

خامسًا
يجب ألا نشعر بالعار، يجب ألا نرعى الخجل، يجب ألا نغذي الخضوع، حق امتلاكك لجسدك حق شرعي، حق فعلك بجسدك ما تشاء حق من حقوق الإنسان، هذا لا يعني أنني أدعو إلى الإباحية، أنا أدعو إلى التحرر من وضع للمرأة (وللرجل) مُسْتَلَب غير مقبول إطلاقًا، وإلى ألا نترك للأرباب الذين ذكرتهم فوق أن يتصرفوا بأقدارنا: أن نصنع أقدارنا، التقنيات التي يلجأ إليها الفتيان والفتيات عندما يمارسون الجنس ليست الحل، أحسن من لا شيء سيقول لي البعض وهذا صحيح، لكن الحل يبدأ بالرأس، الآباء لا رأس لهم، هكذا هم كانوا ولم يزالوا، وليس هذا ذنبهم، لكنكم أنتم يا فتياننا ويا فتياتنا، أنتم يا آباء ويا أمهات المستقبل، احرقوا المراحل كما سبق لي وقلت، وبدلوا نظرتكم إلى علاقاتكم، العُذرة هي رعبكم، رغم أننا يمكننا التلاعب بها بشتى الطرق، خياطة ولِواط وسُحاق، لكننا نبقى مطارَدين بكل الهول الجنسي كمعادل لهول الحياة.


* أفنان القاسم
المرأة العربية
3
المرأة والجنس

femme se coiffant -- photo - orsayh - lewandowski
صورة مفقودة
 
أعلى