محمود الوردانى - شهوة فانية ولذة زائلة

عندما‮ ‬يذهب المواطن‮ - ‬أي‮ ‬مواطن‮ - ‬بنفسه إلي بائع الصحف، ويشتري‮ ‬جريدة أخبارالأدب تحديدا ويدفع ثلاثة جنيهات، فهو قارئ خاص جدا‮ ‬، يبحث عن الثقافة أو‮ ‬يشتغل بها علي هذا النحو أو ذاك،أما الباحث عن الشهوة الفانية واللذة الزائلة حسب تعبير السيد وكيل النيابة الذي‮ ‬أحال طارق الطاهر رئيس التحرير والروائي‮ ‬أحمد ناجي‮ ‬للمحاكمة الجنائية ــ العياذ بالله‮- ‬بسبب نشر الأخير فصلا من رواية له‮ ‬، وصدرت كاملة عن دار التنوير بالقاهرة منذ أكثر من عام‮..‬ هذا الباحث عن الشهوة الفانية واللذة الزائلة‮ ‬يستطيع بسهولة ويسر أن‮ ‬يدخل علي المواقع الإباحية المتوافرة علي الانترنت‮ ‬، أو‮ ‬يشاهد أفلام البورنو إلخ إلخ‮ ..‬ وفي‮ ‬هذه الأيام كل شئ مباح ومتوافر‮.‬
‮ ‬لذلك‮ ‬يبدو أمر الإحالة للمحاكمة ركيكا جدا وينتمي‮ ‬لعصور التخلف الفج، والأنكي أن هذا الأمر‮ ‬يتحدث عن نشر‮ "‬مقال" أو‮ "‬مادة كتابية‮"‬، ولم‮ ‬يشر مطلقا ولم‮ ‬ينتبه إلي أن المنشور فصل من رواية‮ ‬يقرأها قارئ لا‮ ‬يبحث عن الشهوة الفانية،‮ ‬هي‮ ‬ليست مذكرات إيفا أو مادة مكتوبة لإثارة الغرائز والتحريض علي الفسق والفجور والعياذ بالله‮.‬
‮ ‬غني‮ ‬عن البيان أن الأعمال الفنية‮ ‬يلعب الخيال الدور الأول فيها‮ ‬، وعندما‮ ‬يكتب الروائي‮ ‬عملا روائيا‮ ‬يلعب بطولته أحد المجرمين أو القتلة أو امرأة تخون زوجها‮ ‬، فليس معني هذا أن الروائي‮ ‬يدافع عن القتلة والمجرمين والخائنات‮ ‬، تلك البديهيات انتهينا منها منذ زمن‮ ‬، وحرية الإبداع مكفولة بحكم الدستور،وليس مسموحا إهدارها‮ .‬
‮ ‬ولنتذكر أن تاريخنا الحديث شهد عشرات المعارك‮ ‬الطاحنة التي‮ ‬دفع فيها الكتاب والمفكرون الكثير، وهم علي استعداد لدفع المزيد من أجل حرية الإبداع،‮ ‬الحرية ليست قابلة للتنازل عنها‮ .‬
‮ ‬لدي‮ ‬اقتراح محدد ومستمد من خبرة قريبة، في‮ ‬أوائل الألفية أصدرت سلسلة إبداعات عربية عن هيئة قصور الثقافة‮ ‬، التي‮ ‬كان‮ ‬يشرف عليها الروائي‮ ‬الراحل ابراهيم أصلان رواية‮ "‬وليمة لأعشاب البحر‮" ‬للكاتب السوري‮ ‬حيدر حيدر‮ ‬، واندلعت بسبب نشرها المظاهرات نتيجة للفهم القاصر والغبي‮ ‬لعدد محدود جدا من العبارات والألفاظ‮ ‬، وتم علي إثر ذلك تحويل ابراهيم أصلان إلي النيابة والتحقيق معه تمهيدا لمحاكمته‮.‬
‮ ‬أتذكر جيدا أن العشرات من الكتاب والفنانين من كل الأجيال والتيارات توجهوا جميعا بصحبة المحامين، وذهبنا إلي مكتب النائب العام‮ ‬، وقام وفد منا بدخول مكتبه وتسليمه مذكرة مفادها أن هؤلاء العشرات‮ ‬يعلنون تضامنهم مع أصلان‮ ‬، ويعترفون بارتكابهم التهم الموجهة لهم ويطالبون بمحاكمتهم أسوة بما جري مع أصلان‮.‬
‮ ‬بطبيعة الحال أسهم موقف الكتاب والفنانين في‮ ‬إنهاء القضية‮ ‬، وهو ذات الموقف الذي‮ ‬أطالب الكتاب والفنانين باتخاذه الآن ليس دفاعا عن طارق الطاهر وأحمد ناجي‮ ‬وأخبار الأدب‮ ‬،‮ ‬بل دفاعا عن وجودنا وحريتنا‮ ‬، دفاعا عن حرية الإبداع التي‮ ‬تتعرض للانتهاك والتي‮ ‬ماتزال تواجه بدعاوي حسبة تنتمي‮ ‬لأكثر عصور التخلف همجية وجهلا‮ .‬
‮ ‬رحم الله محمد بك نور وكيل النيابة الذي‮ ‬حقق مع طه حسين بعد صدور كتاب الشعر الجاهلي‮ ‬،وبعد مناقشات أدبية وفكرية وقانونية‮ ‬، وبكامل الاحترام لطه حسين أثناء التحقيق‮ ‬، أصدر نور بك قراره بحفظ البلاغ‮ ‬المقدم من أحد المشايخ ضد طه حسين‮..‬ لكن هذا جري منذ قرن من الزمان‮ ..‬فتأمل‮.‬


.
* جريدة اخبار الادب المصرية
07/11/2015
 
أعلى