زهير جبور - الأدب والمستقبل

موضوع الجنس في الأدب والفن ليس جديداً، ويعود زمنه إلى العهد القديم، ووجدناه في الشعر والحكاية والوصف، وعرفت بعض الكتب من خلاله، ولم يبخل علينا الأدب العربي بالبوح بأسراره، وهناك من تفنن بأسلوب ممارسته، والوصول المميز لمتعته،

لكنه لم يكن غاية بحد ذاته، ولو كان لما خلدت الأعمال، وفي العالم من اشتغل به، أمثال هنري ميلر وألبيرتو مورافيا، وحيدر حيدر، وغالب هلسا، ونوال السعداوي، وغادة السمان، وكتابات هؤلاء صبت بالمسألة الحياتية وواقعيتها، وقد قرأنا أدب الجنس العظيم بمعانيه الإنسانية، وهو لا ينفصل عنها ما دمنا نحياه ونمارسه، ونحتاجه، ونرغب به، ونندفع إليه، ومع زمن تكسر القيم وتلاشي المنطق، وسقوط الفلسفة بتعدد نظرياتها المثالية والرومانسية وغيرها، واغتيال السلوكيات العامة، والتخلي عن جمالية الوجود، وتجريد الطبيعة من نظمها وقد تناولته المعتقدات الدينية وضبطت أعرافه، وحدت من سلطته، وهذبت بتعاطيه، وجعلته كالطعام والشراب والأوكسجين، بأخلاقيات رقته وجّذبته، وأدخلت فيه الإنسان بما ميزه الله عن بقية المخلوقات. بدأت في النصف الثاني من القرن الماضي بعض التوجهات الأدبية للمتاجرة به، وكثرت الكتابة فيه وعنه، ومنهم من جعله الهدف الأساس للتغطية عن نقص إبداعي لم يتوفر بنسبة كبيرة في الأعمال المنشورة، ليتحول جسد المرأة إلى سلعة، والجنس عملية ابتذالية حيوانية، ففقدت الكتابة جوهرها، وشوهت الصورة النقية للحب، وعلاقة الرجل بالمرأة، وجاءت عند بعضهم أشبه بعلاقة الدراجة الهوائية لمن يجيد امتطاءها، ونزعت عن المرأة الوجه الخجول، وحمرة الوجنتين، وطالما تغنى بها الشعراء أو الكتاب الذين وصفوها بأعزب الكلام، وجعلوها متناسقة كجسد صبية امتلكت المواصفات التي ترشحها أميرة للشفافية، وقد أخذت العيون مكانتها، والنهود بتفتحها الزهري وتكورها الأسطوري، وكذلك العنق والشفاه ولون الجسد، وكل هذا أسقطوه وحولوه لعملية ميكانيكية تنتهي عند اعتزاز الأنثى بعدد الرجال الذين ضاجعتهم، وما توصلت إليه من نشوة، وغرضهم لا يتجاوز حدود منطقة الوسط التي هي العنصر الأساس والمحرك لتلك الكتابات، وقد ألغي عمق الفكرة، وبرزت الحيوانية الإنسانية ، ولعبت العولمة دورها فخربت وحولت السوء حقيقة مركزة على نسف الفكر البشري، دامجة الخير والشر، المنطقي واللامنطقي، وقد غزت مكتبتنا العربية تلك الأعمال، تحت يافطات الحرية، والتقدم، ومواكبة العصر والكونية، وآخر صرعات الرواية ما نشر مؤخراً في لبنان حول المثلية، وكثير من الأدباء المحترمين سابقاً ، وقعوا بالمطب، ومنهم من تربطني به صداقة، ويدافعون عن وجهة نظرهم، بما معناه ، ينبغي أن نخرج رؤوسنا من الرمال فالعالم هكذا، وكاتبات يقدمن تجاربهن بتفاصيلها(الوقحة) بحثاً عن الشهرة، والرواج، وجذب القارئ، وثمة ندوات تقام في الوطن العربي ويكنّ من أوائل المدعوات، ليس بفضل الاجتهاد الفكري، بل من أجل الخلفية المعنية والفرق شاسع بين الثقافة والتكور الشهواني الذي لا يعطي للإبداع أية قيمة، ولنعترف ونحن نعيش زمن الضحالة العامة أن فعل التكور قد أثر بشكل ملحوظ وهن يتصدرن الساحة، ودور النشر بتجاربها البخسة مفتوحة لهن، والأمثلة كثيرة، وليس مهمة هذا الملف الذي ينشره ملحق الثورة الثقافي بجرأة متصدياً لأول مرة لخطورة الموضوع، أن يفضح بل أن يوجه لكشف الدمار الناجم عن انتشار تلك الظاهرة المخيفة في أدبنا، وإن بقينا على ذلك فثمة أجيال قادمة لن تعرف من هو طه حسين ولا نجيب محفوظ أو هاني الراهب وفارس زرزور ولا جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، أجيال ستجد عند كتابها ومغنيها وفلسفتها وثقافتها، الجنس وقد تفرغ من القيم والمعرفة والفهم لمسؤوليات العيش، والارتباط بالوطن، وستجد كل شيء من حولها قد تهدم، وستكون عارية حتى من ورقة التوت، والجنس للجنس فقط، مثلي أو غير ذلك، ما دامت العملية الحياتية مقتصرة على الطعام والشراب والحيونة المطلوبة، ومن المدهش فعلاً أن جميع وسائل الاتصال تركز على ذلك، وها هي شاشاتنا تتحفنا بالمزيد كل يوم، وكله يصب في جسد المرأة، ونحن نواجه هذا بالصمت، كأنه حقيقة لا خلاص منها، أجد أنه من واجبنا التحرك، والمواجهة، وإجراء الفرز، وهذا لا يعني بالضرورة أن لا نكتب عن الجنس، بل ينبغي أن نتوجه بما نكتب لنعيد له صورته النقية وننقذه من حالة الاستهلاك التي وضعوه فيها لأغراض تستهدفنا، ومعركته لا تقل خطورة عن أية مواجهة يسعى الأعداء لاستغلالها، خدمة لمخططاتهم، وهي معلنة بوضوح، وأهمها غسل العقول وتشويه القيم، والخروج عن المألوف فيما آمنا وقدسنا واعتقدنا، والانتصار يتم من خلال انهيار البنيان المتماسك للمجتمع الذي توحده العقيدة وتميزه أدبياته. فهل سيبقى الصمت سلاحنا الأخرس عديم النفع؟ هو السؤال الأكثر إلحاحاً في هذا الموضوع، ولنتحدث بصراحة، فنحن نحتاج للمواجهة والتصدي بالعلن، وليكن ما حققه ملحق الثورة الخطوة الأولى نحو المزيد من الدراسات، والندوات، وحلقات البحث، فالأمر ليس بالبساطة التي يطرحها السادة أصحاب الخطوات الواسعة والسريعة باتجاه النهايات الفجائعية التي لا نعيرها اهتمامنا الآن وجميعهم في خط التآمر حتى لو كانت النوايا حسنة والتطلع فردي.


.
* زهير جبور - الأدب والمستقبل
Paul Gauguin (1892)
Paul_Gauguin_138.jpg
 
أعلى