شوقي بغدادي - لا توقظيني عندما تغادرين

لا توقظيني عندما تغادرين
دعي العناقيدَ التي بَعْثرها قطافيَ العجولْ
تنضج مع الحُلم الذي يستدرك الفصولْ

***

كنت ُ مُفاجأ ً
فلم أصبر على تأمِّل الجنّة ِ
في صاعقة الذهولْ
لم أنتبه إلى استدارة ِ الكتفين
كيف خَبّأتْ هضابها
ومَوَّهَتْ وديانها ..
في لهفة ِ الصعود ِ
أو في شهقة ِ النزولْ !
لم أبتعِدْ كي أتملّى ضوءَ عينيك ِ
وقد تكسَّرَ الجفنُ عليهما
فأطبقَ الدُجى
ونحن عند الفجر ِ
هكذا لم أبُصِر الشروقَ في الرحيل ِ
والغروبَ في الوصولْ ؟!
ولم أجدْ وقتاً ..
وعندي الوقتُ كلُّــه ُ
لأن ألعبَ فوق معزفي بأصبعي
ثانيتين قبل أن أخبط َ بالكفين ِ والأسنان ِ
كي أبتلعَ المائدة َ العجيبة التي تَكَشّفَتْ
بلقمة ٍ واحدة ٍ
ولستُ بالجائع ِ
لا .. ولا الأكول ْ

***

لا توقظيني عندما تغادرينْ
خلّي الفروع َ
بعد أن تبعثرتْ
تعزفُ طريقها إلى الوصولْ
كيف غفلتُ عن تفاصيلك ِ ؟
في ارتعاشة الأنف ِ إذا شَمَمْت ِ
واحتقان ِ وجنتيك ِ إن نطقت ِ
واعتداد زندك ِ الرقيق ِإن شددت ِ
كيف ذاك الامتلاء ُ الفذُّ
صار في بضاضة ِالرقِّـة ِ والنحولْ
كيف عّميت ُ
عن خشونة ِ الحرير ِ مرة ً
وعن ملاسة ِالصخور ِ مرة ً
وكيف خَلف َ الزغب ِ القليل ِ غابة ٌ
وعند باب ِ الفرن ِ نسمة ٌ
ووردة ٌ لا تعرف ُ الذبول ْ ؟
وكيف كان الصدرُ والظهرُ
صديقين وخصمين !
إذا تقاسما الرغبة َ أو تنازعاها
كنت ُ ضائعا ً
فلم ألحظ ما الذي يعنيه ِ
أن يُمَتّـع الرفضُ
وأن يُعذّب َ القبول ْ ؟!.
لَـهْوَجَتي غَطَّتْ على المنمنمات ِ
كنتُ مأخوذا ً بشمس ِ الفُلِّ شَعَّتْ
فاختفى الأحمرُ والأسمرُ
لم يبقَ سوى الأبيض ِ
في عُرْي ِالسهول ْ
لم أنتبه لشامة ٍ في أسفل الساق ِ
ولا لشهوة ٍ في فجوة ِ الخَصر ِ
ولا لثنية ٍ في ملتقى الأضلاع ِ
قرب ثديك ِ الأيمن
أو لوشم ِ جرح ٍ غابر ٍ
في الركبة ِ اليُسرى
فما أفقرني
إذ رحتُ أحصي ثروتي منك ِ
وما أغناك ِ في اعترافي الخجول ْ

***

لا توقظيني ...
إنني أُرتِّب الفوضى
وأمتصُّ على مهل ٍ شرابي
قطرة ً فقطرة ً
وأربط ُ الخيوطَ بالخيوط ِ
والألوان َ والأصوات
والطعوم َ والشميم َ والملامسات ِ
بعضها ببعض ْ !!
فإن تَعرّقتُ فلا بأسَ
امسحي فوق جبيني بيد ٍ خفيفة ٍ
وإن سمعت ِ همستي باسمك ِ
لا تفكري بأنني أفقت ُ
إنني أوشك أن أُتِمَّ لوحتي
فخففي الغطاء عني
واخرجي كما صنعت ِ في الدخولْ
طيفا ً خرافيا ً
إذا مشى فلا تُحسُّ أرضٌ
وإذا طار فلا تكفي سماء ٌ
وإذ ألقى الستور عنه
صار مثلنا
بكل ما في حمم ِالبركان
من نار ٍ
ومن نور ٍ
ومن وحولْ ...
سبحان من سواك ِ
في ستة ِ أيام ٍ
وفي السابع ِ عندما استراح
أتعبَ العقولَ في إدراك ِ
ما تهافتتْ في فهمه ِ العقولْ !

***

لا توقظيني ...
رتِّبي الغرفة َ بعض الشيء
واسقي الزهرَ
ثمّ أغلقي الشبّاك َ جيدا ً
وأسدلي الستارَ فوقه
فإن شعرت ِ بالنعاس في الظلال ِ
فامكثي ثم تجردي
وفي صمت ٍ تمددي إلى جنبي
وردّي فوق وجهك ِ الغطاء َ
وارقدي
ثم ادخلي معي
إلى الحلم ِ الذي صنعته لي
يكتمل ْ
وعندها لا بأس أن يستيقظ َ النائم ُ
كي يُجَدّدَ الطقوسَ
في تغيُّر الفصولْ


شوقي بغدادي
دمشق

Eugène Delacroix
Odalisque
ur-toile-galerie-art-artiste-peintre-copiste-professionnel-qualite-tableaux-musee-france-culture.jpg


.
 
أعلى