شاكر النابلسي - لماذا يرفض الفقهاء الرقص مع النساء؟

صحيح أن العرب تاريخياً وعرقياً وجينياً شعبٌ يحب الجنس كثيراً، ويمارس الجنس كثيراً، وتشغله المرأة كثيراً ربما أكثر من أي شعب آخر. فقد كانت وما زالت الغرائز الجنسية قوية ومتأججة في نفوس العرب، لذلك كان انطلاقهم في جاهليتهم وراء اللذة الجنسية بعيداً، وكان انغماسهم في اللذات شديداً، بحكم الغريزة والصحراء، كما يقول الكاتب الإسلامي السوري الأصل السعودي الجنسية، صلاح الدين المنجد في كتابه (الحياة الجنسية عند العرب، ص16). فالعرب منذ عصر ما قبل الإسلام حتى الآن، انشغلوا وانهمكوا بالمرأة انشعالاً وانهماكاً كان مثار انتباه الدارسين والمؤرخين وعلماء الانثروبولوجي، وغيرهم. ولقد زاد من انشغال العرب بالمرأة وانهماكم بها وبمسألة الجنس عموماً كونهم شعب صحراوي، ليس في يومه الشيء الكثير الذي ينشغل به.

الإسلام نظّم الجنس ولم يحاربه
لقد عرف الإسلام هذه الحقيقة معرفة تامة وذكية، وكان من أحد مغرياته وأساليب دعوته، أن يَعدَ من يصبح مسلماً بجنات عدن، لا نظير لها، وفيها من الحسان والولدان ما لا يقاومه أي ذكر على وجه الأرض. فالإسلام لم يحارب هذا الشبق العربي الملحوظ، ولم ينكره على العرب فهو في جيناتهم وفي طبيعتهم، بل حاول أن ينظمه، ويضع له الأصول والأطر ويُأنسنه؛ أي يُلبسه ثوباً انسانياً رحيماً، ويجعل منه قيمة إنسانية، وينهمك في جانب منه بمعالجة تموضع المرأة وعلاقتها بالرجل كزوجة وأم وأخت وذات صلة رحم، ويخصص سورة في القرآن الكريم خاصة بالنساء، وذلك جرياً على ما جاء في الأديان الأخرى التي سبقت الإسلام. فحرّم الإسلام نكاح الامهات والأخوات والعمات و الخالات.. الخ. ومنع الزواج بأكثر من أربعة نساء في وقت واحد. ونهى عن اللواط والسحاق الذي كان الذكور والإناث يمارسونه قبل الإسلام وبعد الإسلام وإلى الآن. وقال الرسول الكريم (من يعمل عمل آل لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول) (تفسير الإمام القرطبي 7/244). كذلك نهى الإسلام عن ممارسة الجنس مع البهائم، وقال الرسول الكريم (من وقع على بهيمة فاقتلوه) (تفسير الإمام القرطبي 7/245)، حيث كانت قبيلة فَزارة العربية تُعيَّرُ بممارسة الجنس مع الإبل. وكان يقال "أشبق من جُمّالة". وكان جُمّالة رجلاً من بني قيس بن ثعلبة يمارس الجنس مع ناقته. وما زال بعض الشبان في الريف العربي يمارسون الجنس مع مختلف البهائم. والشعر الجاهلي ينقل لنا صورة واضحة عن مدى ولع العرب بالجنس. ويقول بعض الباحثين أن الدليل على ولع العرب بالجنس دون غيرهم من الشعوب الأخرى، أنهم وضعوا أكثر من مائة لفظة للنكاح. ويؤكد صلاح الدين المنجد، وهو باحث مشهور في المخطوطات ومحقق ضليع فيها، أنه عثر على مخطوطة "النكاح في اللغة" لابن القطّاع الصقلي، وفيها ذكر لعدد 1083 اسماً للنكاح. ووفرة الاسم تدلُّ على شرف المُسمّى.

الإسلام اهتم بالجنس كثيراً مُجارةً للعرب
عندما جاء الإسلام، وجد العرب على هذا النحو من الشبق. ووجدهم يمارسون الجنس مع النساء والغلمان واعترف بهذه الحقيقة أولاً (زُيّن إلى الناس حُبُّ الشهوات من النساء والبنين) (آل عمران 14) . ولكنه كما قلنا منع اللواط مع الغلمان، ولكنه وعد المؤمنين بالغلمان المخلدين في الجنة. وحاول أن ينظم الجنس كما قلنا، واعتبر المرأة قمة الشهوة، كما هو حالها في التاريخ البشري كله. ومجاراةً لشبق العرب، وإشباعاً لغرائزهم الجنسية الملتهبة، سمح لهم بالزواج بأربع نساء. وأجاز كذلك المتعة الجنسية بما ملكت إيمانهم من السراري، وأجاز لهم المتعة بالنساء المحددة بوقت معين باتفاق الطرفين لقاء أجر معلوم (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهن فريضة) (النساء 24). ولما أصبح هذا الأمر خطراً وفوضى في ظل الفتوحات الإسلامية، وكثرة السبايا والجواري، وفلتان الاستمتاع بالمرأة، عاد الإسلام وحرّم نكاح المتعة لقول النبي عليه السلام (يا أيها الناس، إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع بالنساء، وإن الله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة). ومنع الخليفة عمر بن الخطاب زواج المتعة كليةً لأن الآباء أنكروا أولادهم، فعمّت الفوضى في المجتمع، وفسدت الأخلاق، واختلطت الانساب. وقال ابن كثير "رحم الله عمر، فلو لم ينه عن المتعة لاتخذها الناس ذريعة مُدلّسة إلى الزنا" (النهاية 2/130). وما نشهده من فسحات في الاجازات الجنسية في الإسلام، ليس من خيار الإسلام، وليس من جديده، بقدر ما هو من قديم العرب وتراثهم الممتد. وقد جاء الإسلام فوجد العرب غارقين حتى آذانهم بالجنس يُمنة ويسرة، فحاول أن يُبقي لهم ما هو انساني رفيع، ويذهب بهم بعيداً عما هو حيواني كريه، استجابة لرغبات العرب، كما قال صلاح الدين المنجد في كتابه السابق. ولكن العرب بعد الإسلام لم ينضبطوا جنسياً. وحاولوا الالتفات حول الإسلام وتعاليمه الجنسية. وظلوا يتمتعون بالنساء والغلمان والبهائم، وقد قام بعض الفقهاء بعد الإسلام، ورخّصوا ما نهى عنه الإسلام كزواج المتعة. ويقال أن عبد الملك بن جُريح فقيه مكة المكرمة، رخّص زواج المتعة، ونكح هو شخصياً نحواً من تسعين إمرأة نكاح متعة. كما قام بعض الفقهاء بعد الإسلام، وافتوا بأدق التفاصيل عن علاقة الرجل بالمرأة، مما ألهب مشاعر العرب الجنسية أكثر فأكثر. وغدت المرأة والفتاوى التي قيلت فيها وفي علاقتها بالرجل هي الشغل الشاغل للفقهاء، وكان ذلك في عصر الانحطاط السياسي في العصر الأموي والعباسي، وما تبعه من عصور الانحطاط السياسي والثقافي كذلك.

ذم الفقهاء للمرأة لأغراض سياسية
انشغل الفقهاء على مدار العصور الإسلامية المختلفة، بالمرأة وشجونها، واستمروا بهذا الانشغال إلى الآن، وكما لم ينشغلوا بأي موضوع آخر مهم. وقد ساعد على هذا، الدور السياسي الخطير الذي لعبته السيدة عائشة في معركة الجمل عام 656م في حربها وحزبها مع الخليفة علي بن أبي طالب، وذهب ضحية هذه الحرب أكثر من ثلاثين ألف مسلم. وهي الواقعة التي ندمت عليها السيدة عائشة، وقالت بعدها نادمة: "وددت أنى إذا مت كنت نسيًا منسيًا". وقيل أنها عندما احتضرت جزعت فقيل لها: أتجزعين يا أم المؤمنين وابنة أبى بكر فقالت: "إن يوم الجمل لمعترض فى حلقى ليتنى متُ قبله" (طبقات ابن سعد 5/123). ومنذ ذلك التاريخ ذمَّ الفقهاء على لسان الرسول عليه السلام المرأة ذماً شديداً، مُعرّضين نصوص الإسلام للتناقض الواضح والصريح. فمن المعروف أن الإسلام قد انصف المرأة على ما كانت عليه قبل الإسلام. فحاول أن لا يغضب العرب، طمعاً في انضمامهم إلى الإسلام وكسبهم إلى جانبه، وهو الذي كان أحوج ما يكون إليهم. كما حاول أن لا يغضب القيم الإنسانية في الوقت ذاته باعتباره ديناً إنسانياً، جاء لنصرة الانسان ذكراً كان أم أنثى. ولكن الفقهاء الذن انهمكوا في شؤون المرأة انهماكاً غير مسبوق، إلى درجة أنه جاء وقتٌ كالعصر الحديث لم يجد فيه الفقهاء من موضوع يشغلون به المسلمين غير المرأة، وحريتها، وحجابها، ونصابها، وحيضها، وصلاتها. ونسوا ما للرجل وحريته السياسية والاجتماعية والثقافية من حقوق وواجبات. وكما اخترع الفقهاء في العصر الأموي مثلاً الكثير من الأحاديث السياسية الموضوعة في وجوب اطاعة أولي الأمر، حتى ولو أصبحوا كفاراً ، أو حتى ولو جلدوا ظهور رعاياهم وسلبوا أموالهم، فإنهم كذلك اخترعوا ووضعوا أحاديث ملفقة عن وجوب اساءة معاملة المرأة، واستطاع أعداء الإسلام فيما بعد، أن يتخذوها سلاحاً ساماً ضد الإسلام، ويواجهون بها المسلمين كدليل على احتقار الإسلام للمرأة، ووضعها في المرتبة الدنيا من الرجل. وجاء هذا الكم الضخم من الأحاديث النبوية للحطِّ من قيمة المرأة، وكأن المرأة أصبحت عدو الإسلام الأكبر. وكأن الرسول لم يكن يشغله في هذا العالم غير المرأة. وخُيّل إلينا أن الفقهاء بوضعهم هذا الكم الضخم والمتناقض من الأحاديث، إنما يسعون إلى تأنيث الإسلام، وتكريسه للحطّ من قيمة المرأة. وكانت الطامة الكبرى أن جاء الفقهاء في العصر الحديث، ودون مراعاة لتغير وضع المرأة في المجتمع العربي المعاصر عما كانت عليه قبل 1400 سنة، ورددوا الأحاديث ذاتها، دون أية مراعاة لوضع المرأة الجديد في العالم وفي العالم العربي كذلك. فالمرأة في العصر الحديث، وصلت إلى أعلى المراتب السياسية، حتى في الدول الإسلامية كرئيسة للوزراء، وإلى أعلى المراتب العلمية، كفوز شيرين عبادي المحامية الإيرانية التي فازت بجائزة نوبل للسلام عام 2003، وإلى أعلى المراتب الثقافية مؤلفة وباحثة وأديبه وشاعرة، ورغم هذه المكانة الإنسانية الرفيعة التي نالتها المرأة، فما زال الفقهاء يرددون أحاديث تقول:

( لا يفعلن أحدكم أمراً حتى يستشير، فإن لم يجد من يشيره فليستشر امرأة ثم ليخالفها، فإن في خلافها البركة)، ثم هذه الأحاديث الأربعة الأخرى التي تؤكد ذمَّ المرأة، وهو ذم من الفقهاء، وليس من الإسلام: ( شاوروهن وخالفوهن)، (عوّدوا النساء " لا "، فإنها ضعيفة، إن أطعتها أهلكتك )، ( طاعة النساء ندامة)، ( هلكت الرجال حين أطاعت النساء)، وغيرها من الأحاديث.

فلو اتفقنا ووافقنا على صحة هذه الأحاديث، وأن الرسول الكريم قد قالها حقا - وفي هذا شك كبير- فهل يمكن أن تكون هذه الأحاديث عابرة للتاريخ؟ بمعنى أنها إن كانت صالحة لنساء القرن السابع الميلادي اللائي لم يتلقين أي تعليم يُذكر، وكانت نسبة الأمية بينهن تتجاوز ربما 99 ٪ ، ولم يحتلوا مناصب سياسية واجتماعية وثقافية وتعليمية وتربوية ومصرفية، فهل هي صالحة لنساء القرن العشرين أو القرن الحادي والعشرين؟ وهل نضع نساء القرن السابع الميلادي مع نساء القرن العشرين والحادي والعشرين في كفة واحدة، وهنَّ اللائي برزن في مجال السياسة والتربية والتعليم والعلوم والقضاء ومختلف المجالات الأخرى.
فهل نشاور هؤلاء النسوة ونخالفهن؟ وهل هلكت الرجال حين أطاعت هؤلاء النساء؟ بل هل هلك المسلمون عندما تولت الصحابية السمراء بنت نهيك الأسدية الحسبة ،في مكة المكرمة، في عهد الرسول عليه السلام، والحسبة فرع من فروع القضاء، وكان لها صوت تُعنّف به الغشاشين؟ وهل هلك المسلمون في المدينة المنورة عندما تلوت الحسبة شفاء بنت بني عدي في عهد عمر بن الخطاب، وكانت ثاني إمرأة في الإسلام تتولى وزارة بلدية، وكانت حقوقها مطلقة على أهل السوق رجالاً ونساءً، تحلُّ الحلال وتحرّمُ الحرام، وتقيم العدل، وتمنع المخالفات، كما قال الشيخ محمد الغزالي (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، ص48)؟ وهل هلكت بريطانيا عندما كانت تاتشر رئيسة للوزراء؟ وهل هلكت اسرائيل عندما كانت غولدا مائير رئيسة للوزراء؟ وهل هلكت أمريكا عندما أصبحت كوندليزا رايس وزيرة خارجية، وقبلها مادلين اولبرايت؟ وهل هلكت باكستان عندما أصبحت بنازير بوتو رئيسة للوزراء؟
والأمثلة كثيرة لا تحصى. فهل ندمت الشعوب على طاعة هذه النساء كما قال الحديث المنسوب للرسول الكريم؟ فلماذا كل الاهتمام والانهماك في الحطِّ من قيمة المرأة وصب جام غضب الأحاديث النبوية عليها، وكأن الإسلام جاء خصيصاً لهذا الغرض؟

حقيقة تاريخية لا بُدَّ من ذكرها
يجب أن نذكر هنا حقيقة تاريخية ودينية، وهي أن الحديث قد جُمع بعد مضى ما لا يقل عن مائة وخمسين عاماً على وفاة الرسول الكريم. وأن سير معظم رواة الحديث لم تكن عطرة تماماً. فسيرة أبي هريرة الدوسي، أحد رواة الحديث الكبار جداً، سيرة فيها الكثير من الطعون. فحين توفى النبى، ولاّه الخليفة عمر عام 20 هـ على البحرين، بعد وفاة العلاء بن الحضرمى، وسرعان ما عزله، وولى مكانه عثمان بن أبى العاص الثقفى. أما السبب في عزله، فكان عندما أجاب أبو هريرة الخليفة عمر، بأنه يملك عشرين ألفاً من بيت مال البحرين، حصل عليها من التجارة. وكان رد الخليفة عمر: "عدواً لله والإسلام، عدواً لله ولكتابه. سرقت مال الله، حين استعملتك على البحرين، وأنت بلا نعلين، تغوّطت بك أمك" وضربه بالدُرّة حتى أدماه. (العقد الفريد: 1/53 ). وقد منع ابن الخطاب أبا هريرة من رواية الحديث النبوى بقوله: "لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القرود أو بأرض دوس" (البداية والنهاية 8/206). ويؤكد أبو هريرة ذلك فيقول: "ما كنت أستطيع أن أقول قال رسول الله ، حتى قُبض عمر" أو : لو كنت أحدث فى زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربنى بمخفقته." ( أضواء على السنة 59).
وأما عبد الله بن عباس (حبر الأمة) وهو من كبار رواة الحديث أيضاً. فقد ولد قبل الهجرة بسنة أو سنتين. وعندما توفى الرسول كان صبياً لم يتجاوز عمره أحد عشر عاماً، ومع ذلك فقد روى حوالي (1660) حديثاً، كما يؤكد ابن الجوزي، أثبتها البخارى ومسلم فى صحيحيهما. ويأخد المؤرخون على ابن عباس صراعه الكلامى والفكرى مع ابن عمه الخليفة الراشدى علي بن أبى طالب، الذي قال في ابن عباس: "يأكل حراماً ويشرب حراماً، ولم يؤدِ أمانة ربه".


.
صورة مفقودة
 
أعلى