شاكر النابلسي - هتك أسرار الثّالوث المُحرَّم

في السنوات الماضية قامت المرأة العربية بنشاط ثقافي هائل، لم تشهد الثقافة العربية مثيلاً له، وينحصر في إنتاج الرواية الإيروتيكية، التي تفضح ما يدور في المجتمع العربي في الخفاء، وهتك أستار الثالوث العربي المُحرّم (الجنس، الدين، الصراع الطبقي) وتتحدى به المؤسسات الدينية التي درجت على التضييق والتنكيد على المرأة وجعل حياتها في بعض البلدان العربية، أشبه ما تكون بالجحيم المقيم.

الردُّ الحاسم بالفن الروائي
في مجتمع ديني أصولي وسلفي متشدد كالمجتمع السعودي، كان الردُّ على هذا التشدد تجاه كل ما يتعلق بالمرأة، من ناحية تعليمها، أو سلوكها الحياتي اليومي، أو ملبسها، أو عملها، قيام فتيات سعوديات، ليست مهمتهنَّ الأدب بالدرجة الأولى، بكتابة مجموعة من الروايات المُمزِقة لشرنقة المرأة السعودية، والتي لم يستطع أي فن آخر أن يمزقها، كما فعلت روايات الجيل الجديد من الفتيات السعوديات. وكان هذا وجه آخر من أوجه التغريب، الذي تحتج عليه مجموعة من رجال الدين المتطرفين المتشددين، بعد أن لبست المرأة السعودية الجينز (تحت العباءة) وأكلت الهامبرجر في (المولات) الضخمة، وشربت الكوكا كولا، وأصبحت تميل إلى المسلسلات والأفلام الأمريكية، أكثر من أية سينما أخرى. وأول ما تفكر المرأة بزيارته في الصيف والعطل السنوية، هو زيارة أمريكا، وقضاء العطلات فيها، رغم بعدها، ومشقة السفر إليها، وعسرة الحصول على تأشيرة لدخولها. وعلينا أن لا ننكر أنه إلى جانب بعض الشباب الملتحي ذوي الثوب القصير، والحزام الناسف، وإلى جانب ملايين الأشرطة، ومئات المواقع الأصولية الديني على الانترنت، هناك أجيال تنشىء وترتبط بثقافة (المولات) و(الهايبرماركت) التي تتطلب أجواء انفتاح وحرية، حيث تجد المرتادين من كافة الشرائح والأعمار والطبقات في مكان واحد، يجمع الجميع، ويقدم الماركات العالمية، ومطاعم الوجبات السريعة، والمقاهي، والكوفي شوب، ودور السينما الفاخرة، كما يقول عبد القادر عقيل في بحثه المهم (شهادات).

انفجار بركان الرواية النسوية السعودية
بركان الرواية النسوية السعودية، انفجر في السنوات الماضية لعام 2008، حيث لم يستطع فن الشعر عامة أن يستوعب تجارب النساء المهمة، وكل ما تريد أن تقوله المرأة خاصة عن نفسها وعن مجتمعها، كما قلنا قبل قليل. ولم تقل المرأة قولها بإسهاب ووضوح وشجاعة، إلا من خلال فن الرواية. فالشاعرات القليلات في الشعر العربي القديم والحديث، لم يستطعن نقل تجربتهنَّ الحياتية بتفاصيلها، وظلالها، وأسرارها، ووضوحها، وتحدياتها، كما تمَّ قبل سنوات خلت، في الرواية العربية، التي أصبحت التاريخ الموازي، وصفحة علم الاجتماع الحديث لحال المرأة العربية. والمستشرق الفرنسي المشهور جاك بيرك قال مرة، إن أصدق تاريخ لمصر، هو روايات نجيب محفوظ. وبهذا تحوّل ديوان العرب من الشعر إلى الرواية، كما شاهدنا في النصف الثاني من القرن العشرين، وإلى الآن.

هتك أستار تابوهات الثالوث
وفي بحث مستفيض عن "المرأة العربية والجنس: من الحرملك إلى الإباحية" نشره "مركز عراقيات للدراسات"، قال، أنه خلال الأعوام الأخيرة "تجرأت" المرأة العربية على تابوهات المقدس والمحرم في العقل العربي، واستطاعت هتك أستار الثالوث المحرم في الدين، والجنس، والصراع الطبقي، وان كان الجنس هو أكثر التابوهات التي تجرأت عليها المرأة العربية، ليس فقط في الأدب، وإنما في السينما، والأغاني. ولكن ما هو ملفت للنظر في انفجار الأدب الإيروتيكي النسوي، هو صدوره عن مناطق عُرفت ولا تزال، بأنها الأكثر محافظة في المجتمعات العربية، فقد أتت البشارة أساساً من السعودية تحديداً، والتي تشهد طفرة في الأدب النسوي المتمرد على ثقافة هذا المجتمع المغلق. فقد خطَّ أدب المرأة في السعودية نهجاً في الكتابة المقتربة إلى حد كبير من الإباحية، في تناول الموضوع الجنسي، بما في ذلك التناول الصريح للعلاقة "المثلية" أو "السحاقية"، ليس فقط بوصفها ظاهرة منتشرة، إنما أيضاً في الإسهاب في وصف الممارسة الجنسية المثلية، دون أي خوف من اتهام، أو ملاحقة المجتمع المحافظ.

انفجار في كل مكان من العالم العربي
وهذا الانفجار الروائي النسوي الإيروتيكي البركاني، ليس في السعودية فقط، التي أنتجت 65 رواية سعودية كتبت بأقلام نسائية، منها 20 رواية صادرة في عام 2006 فقط، وإنما في معظم أنحاء الوطن العربي. فقرأناه في الأردن في رواية "خارج الجسد" لعفاف البطاينة، وقرأناه في رواية "مرافيء الوهم" لليلى الأطرش، وفي رواية "أصل الهوى" لحزامة حبايب، وقد منعت الرقابة الأردنية هذه الروايات، كما منعت من قبل الرقابة السعودية روايات العديد من الروائيات السعوديات.
ومن البحرين قرأنا رواية هدى عواجي "إغواء امرأة". ومن العراق قرأنا رواية منال الشيخ "قضم ظهيرة مقدّدة"، ورواية "الغلامة"، و"المحبوبات" لعالية ممدوح. ومن لبنان قرأنا رواية "أنا هي أنت" لإلهام منصور، ورواية "مريم الحكاية ودينا" لعلوية صبح، وقد مُنعت هاتان الروايتان من دخول مصر والاشتراك في معرض الكتاب السنوي القاهري. وفي الجزائر اشتهرت أحلام مستغماتي في رواياتها "فوضى الحواس"، و "عابر سرير"، و "ذاكرة الجسد"، وفضيلة الفاروق في رواياتها "اكتشاف الشهوة، كما قدمت رواية "تاء الخجل"، و "اكتشاف الشهوة". ومن سوريا قرأنا رواية "على صدري" لمنهل السراج، ورواية سلوى النعيمي "برهان العسل".

الجرأة على الثالوث المحرّم
ويقول بحث "المرأة العربية والجنس: من الحرملك إلى الإباحية"، إن الملفت للنظر أكثر، أن المرأة العربية تجرأت على هذا "المحرم" الجنسي أكثر بكثير من تجرؤ الرجل العربي، وربما باستثناء حالات قليلة تجرأ فيها الروائي العربي على تناول الجنس بكل هذا الإسهاب والتفاصيل. فقد سبق للروائيين العرب أن تناولوا العلاقات المثلية الجنسية، كما هو الحال عند اللبناني رشيد الضعيف، أو المغربي محمد شكري، أو المصري إبراهيم صنع الله ومواطنه علاء الأسواني. ولكن الأدب الذكوري العربي ظل "محافظاً" جداً، قياساً إلى أدب المرأة، خاصة في موضوع العلاقة المثلية. وقد كان مجرد ذكر علاء الأسواني لقضية المثلية الجنسية في روايته "عمارة يعقوبيان"، أو اعتراف سهيل إدريس في سيرته الشخصية "ذكريات الحب والأدب" بمثلية والده، أو اعتراف المصري شريف حتاتة في سيرته "نوافذ مفتوحة" باغتصابه أثناء الطفولة، وبعض المفترقات الأخرى، مدعاة لإثارة الجدل والاتهامات. غير أن الأمر نفسه، لا يحصل مع أدب المرأة العربية، الذي بات يلاقى رواجاً وترحيباً وتشجيعاً. فالروايات النسوية أصبحت الآن أكثر الروايات مبيعاً في كل بلد عربي، نتيجة لشبق القراء العرب الجنسي، والحرمان الجنسي المؤلم الذي يعيشونه، والذي نلاحظه بوضوح من خلال تعليقات القراء الكثيرة على صور النسوان من الممثلات والمغنيات.

المرأة هي الشغل الشاغل للأصولية
إن المرأة، وشؤونها، وشجونها، هو ما تركز عليه الأصولية الدينية في المجتمع العربي، بحيث أصبح شغلها الشاغل وعملها الشامل، وتقوم بالتكتم والتستر عليه. وفي هذه المرّة، جاءت المرأة العربية بكل شجاعة وإقدام، وفضحته عبر هذه الروايات الجديدة، التي شُغف بها القاريء الشرقي والقاريء الغربي على السواء. ومهما يقال عن تفسير هذه الظاهرة، من أنها تذكرنا بكتابات الكاتبة والناقدة الفرنسية هيلين سيكسوس، التي كانت تدعو الكاتبات إلى الكتابة عن الجسد فقط، ومن أن هذه الظاهرة تسعى إلى الترجمة والشهرة السريعة وهتك الثالوث المُحرَّم (الدين، والجنس، والصراع الطبقي)، وتُوصف كذلك، بأنها تعرض لنا نماذج "الذات الدانتيلية" للمرأة الخليجية، التي لا تصلح أن تخوض غمار الحياة كما تقول الكاتبة العُمانية فاطمة الشيدي، فإنها في المقدمة، التحدي الكبير للأصولية الدينية في الوطن العربي، وثأراً منها، ومن نظرتها المتخلفة للمرأة، وتصويرها للمرأة بأنها "اللؤلؤة المكنونة والجوهرة المصونة". فما لم تقدر أن تفعله السياسة العربية لتحرير المرأة والكشف عن مجتمعها الخلفي، المتواري خلف ستائر الماركيزت، فعلته – ولو جزئياً - الرواية النسوية الإيروتيكية. وما أسكتته وكتمته المؤسسات الدينية الأصولية في العالم العربي، فضحته وكشفت عنه الرواية النسوية الإيروتيكية. وما حاول المجتمع العربي التقليدي والمنغلق تصويره للمرأة، جاءت الرواية النسوية الإيروتيكية، ومزقت ستائره وغطاءاته. وهو ما يشير إليه انفجار البركان الروائي النسوي العنيف، في أكثر المجتمعات العربية محافظة وانغلاقاً. فالهدف لم يكن كتابة رواية ما بأحدث تقنيات الرواية العربية والعالمية، بقدر ما كان ركوب ظهر الرواية كطريق سالك، لهتك أسرار أحد تابوهات الثالوث المُحرَّم، وهو الجنس بالدرجة الأولى.
السلام عليكم.
ومن إيران قرأنا رواية "طوبى ومعنى الليل" شهر نوش بارسي
تقول الكاتبة الإيرانية (مهرانكيز كار) في وصفها البليغ لتنامي سلطة الأصوليين المتشددين في إيران من خلال المصير الذي آلت إليه تماثيل المانيكانات في فترينات المحلات: " في البدء أضيفت بعض بوصات إلى التنانير، وبعد ذلك تم نزع الشعر عن رؤوسهن، حين أصبح لبس الحجاب إلزامياً، ومن ثم أصدرت المحاكم الإسلامية قراراً بإتلاف تماثيل المانيكان السافرات، وأخيراً تم نزع رؤوس كل الدمى في الفترينات بعد أن اعتبرت السلطات بأن شفاههن وعيونهن مثيرة على نحو غير ملائم".
تعبر الصحافية الإيرانية (أزاده معافيني) في كتابها (جهاد أحمر الشفاة) عن هذا الخلل الاجتماعي والأخلاقي، الذي يصاحب التشدد والانغلاق بقولها (ان مجتمعاً تتعاظم فيه الممنوعات، لا بد أن تنشأ فيه حياة اجتماعية مزدوجة، تشهد إيران الآن ثورة جنسية عارمة خلف الأبواب الموصدة، حيث الشباب منغمس في الملذات وفي اللهو المعربد). كما ينقل عبد القادر عقيل في بحثه (شهادات).
عبده وزان في الحياة: آزار نفيسي كاتبة ايرانية "منشقة", غادرت طهران في العام 1997 الى واشنطن بعدما أدركت أنها لم تبق قادرة "على العيش هكذا" كما تقول في ختام كتابها "قراءة لوليتا في طهران" وهي وضعته بالانكليزية, لغتها الثانية, وترجم الى لغات عدة ومنها الفرنسية (دار بلون, باريس 2004). و"العيش هكذا" عبارة تعني الكثير لها, كامرأة أولاً ثم كأستاذة جامعية ثم كقارئة وكاتبة. فالعيش في إيران بات يعني في نظرها "الامحاء" و"اللاوجود" أو الاختفاء وراء ستار، حقيقي ورمزي في آن واحد، يلغي صفاتها ويجعلها مجرّد امرأة لا وجه لها ولا هوية. وفي ختام كتابها تقول أيضاً: "غادرت إيران لكن إيران لم تغادرني". تُرى أي إيران تقصد الكاتبة التي شاءت كتابها أشبه بالسيرة الشاملة، المفعمة بالفضائح والمآسي، بالخوف والقمع والاذعان؟
هكذا تتحدث مثلاً عن جامعة العلاّمة طباطبي التي درّست فيها الأدب الانكليزي بدءاً من 1987 عام عودتها الى إيران, وتصف الجو (السلبي) الذي راح يهيمن على الجامعة, وتتحدث عن منع تدريس الكثير من الكتّاب الغربيين وفي مقدمهم إرنست همنغواي والأختان برونتي... وعندما تغادر هذه الجامعة إبان صعود الحركة الإسلامية تسأل نفسها: "لماذا توقفت فجأة عن التعليم: هل من جراء انخفاض مستوى الجامعة؟ أم إزاء اللامبالاة التي يبديها الأساتذة والطلاب معاً؟ أم انها المعركة اليومية مع الممنوعات والقوانين الاعتباطية؟" وكان يؤلمها كثيراً تدخّل "الحرس الثوري" في حياة الأساتذة والطلاب بدءاً من بوابة الجامعة حيث تخضع الطالبات للتفتيش على أيدي "الحارسات" علّ في حقائبهن الصغيرة أدوات تزيين كأحمر الشفتين وسواه... وانتهاء بالآراء التي كان يبديها طلاب "ملتزمون" في قاعة الدرس, ناهيك بما يدور حول الجامعة من أحداث. وتتحدث كذلك عن اغلاق النظام الجديد المكتبات الاجنبية أو تلك التي تعنى بالكتاب الأجنبي


.
80192291jf1.png
 
أعلى