عبدالله كرمون - سيرة نهد شجاع!

"يحاول الرجل، عبثا، أن يتخيل نفسه بنهود نابتة على صدره..." مثلما تهمس مونيك أيون في بدء كتابها، مسندة تفكيرها بهاجس الشاعر هنري ميشو. فليس بمقدور الرجل البتة أن يستشعر معنى أن "نكون امرأة".
"حكاية نهداي" الصادرة هذا العام لدى دار لاميزاغدين، المهتمة بنشر وإعادة نشر الأعمال الإيروسية، جديرة بالاهتمام مادامت المرأة، هنا، هي التي تضطلع بالحكي عن سيرة نهديها. على أن الكتاب قد سبق أن ظهر لأول مرة منذ سنوات لدى دار بْلُون. تمنح اللغة الفرنسية نوعا من تماهي وتداخل معنى بعض الكلمات مثل الرسوم والنهود، إذ أن نصوص مونيك مردفة برسوم الرسام المعروف فولينسكي، أو بنهود فولينسكي حسب النية المبيتة للتلاعب اللفظي. أما الإحالة البدئية الأخرى التي تريد من سؤال من قبيل: ما هو أصغر فردوس؟ هو أن يتأتى جوابه من طرف أحد بائعي ألبان سابق بحي لوبيك إذ أجاب بأنه: المنهدة، لأنها ليست تأوي سوى قديسان! إذ يلتبس في الفرنسية أيضا اللفظ الذي يحيل على النهد والكلمة التي تعني قديس.
فعندما تبادر امرأة بالحديث عن نهودها نستشعر نوعا من أمان بخصوص كون الأمر يتعلق لحظتها بحديث عارفة عن أشياء ضبطتْ شؤونَها وشارفت عن قرب خواصَها التي قد لا يدرك إجادة ذلك أي رجل آخر من دون السيد دي لاسيرنا؛ أبي النهود وفاتح باب درسها الجميل.
لقد شرع نهداها ينموان بسرعة بعيد عقدها الأول، حتى أنها استطاعت بعد شهور أن تمسك بهما مثل إمساكها بفاكهة في راحتي يديها. صارت معجبة بهما، وظلت تربت عليهما وتتأمل نموهما المقلق، إذ ظل يزداد حجمهما يوما عن يوم. فإن خشيت يوما أن يطيرا وينفجرا في الفضاء، فليس من نافل الأمور كونها رفعت يديها بالدعاء إلى الرب ممتنة له بَره لما منح لها ذلك الكنز، غير أنها استعطفته أن يعمد إلى توقف انتفاخهما في الحين وعاجلا!
لم تجد تضرعات الرب، كالعادة، صدى، إذ ارتفع النهدان سريعا وكبرا. حتى أن أم تلك الفتاة لم تتمكن من العثور على مقاسهما ضمن سوتيانات متجر لافاييت الشهير. مذ ذاك طفقا يشكلان، بالنسبة لها، كابوسا يتنقل وأيامها على الدوام.
فتحت مغامرتها الغرامية الأولى بابا جديدا لحياة نهديها إذ فك محبُّها أزرار صدارها وأخرج من سجنهما يمامتين جميلتين كما سماهما. ظل يلاعبهما ويداعبهما ويمصهما ويرضعهما ساجدا قبالتهما، ولما اكتفى بذلك خُيل إليها، نظرا لسذاجتها كما قالت، أن تلك الطريقة هي كيفية جماع كل الرجال لإناثهم!
لقد ظل هاجس جسامة نهديها ما ينغص صفاء فتاة مونيك أيون على الرغم من أنها ظلت تستشعر قيمة الثروة العظيمة القائمة كامنة بصدرها، إذ انضاف إلى كل مخاوفها إزاءهما تأجج خشيتهما من خوف قديم لما بادرها أبوها، يوم اختلت بذلك الفتى يقبلها في شاطئ جنوبي، بأن نهديها سوف يزداد انتفاخهما انتفاخا، حتى ينفجرا في الفضاء، متى استمرت في إتيان تلك الأمور الشائنة. حدث أن صادف لديها ذلك الوعيد مخاوف مبطنة كما أسلفنا، غير أن مجريات أخرى عملت على تضاعف ذلك الحدس السري بمنغصات تأتي وسوف تأتي آجلا من قِبل انتفاخ صدرها النافر. أما أمها هي فتهجس بفرح بلا نظير؛ أن تلحظ نمو نهدي ابنتها وترى فيهما مجدا عائليا لا يضاهى.
استرعى انتباه مونيك (أو مونا) صغر ولياقة نهدي صديقتها جميلة، فكلما قضت الليلة عندها في البيت، إلا واستحمتا معا؛ أما هي فتعمد إلى تأمل مرونة نهدي صاحبتها وهي تنوء بثقل عضوين حيوانيين غريبين إزاء جمال ومواءمة رمانتي جميلة مع جسدها الضالع بأكمله ببهاء لطيف.لربما من نفس المنطلق، أقصد جهة غرابة وجسامة نهدي مونا، تبادرت لابن عمها، وهما يضمخان بالزيت ظهريهما بعضهما البعض تحت خيمة شاطئية، فكرة أن يطلب منها أن تدلك له ظهره بحلمتيها، أغرتها الفكرة وتداخل ضياء النهار بوهج شموس أخرى وحمل قريبها، بالتالي، ملء كفيه، حيوانا لم يروض أبدا!
شهدت مونا توهجهما في هجير الظهيرات مثلما وقفت على تلألئهما الفسفوري في مياه بحرية، أما وهي ترقص فيرقصان معها إذ تقول عنهما: "فعندما يرقصان، يخيل إلي أنهما سوف يضطرمان، وسوف يشتعلان جراء احتكاك أحدهما بالآخر. لم أعد أراقبهما عندما يرقصان، لأن أحدهما يكون أكثر ارتجاجا من الآخر، إذ يصعد إلى السقف بينما الآخر يهوي!"
كانت ترقص في حفل إذن وشاكسها شاب، وتوهجت في روحها أشياء لم تعد تدرك أهي بسبب الموسيقى أم جراء حدة نظر ذلك الولد لِمَا تحمل في صدرها، إذ أطلقت عليه، كما كتبت مونيك، "نهودها مثلما نطلق الكلاب على أحد!"
ومادامت حكاية مونيك تركز بإلحاح على ما تسببه لها نهودها من متاعب أكثر من غيره، فقد استشرفت المكروه القادم لا محالة؛ فزعها المرير من سقوط نهديها، قرأتْ ذات مرة في مجلة مّا أن النهود الكبيرة أدعى إلى ترهل سريع على عكس النهود الأقل ضخامة واشتد ذلك على نفسها، حتى أنها فكرت إذ كتبت أنها ترى: "في سقوط النهدين ما يشبه الخطيئة الأولى، عندما أُسقط آدم وحواء من الجنة!"ما يشفع لنهدي مونا أنهما "يذودان عنها ليل نهار مثل حارسين من لحم"، ذلك أن خجلها الطبيعي تمتصه الواجهة النافرة التي تصرف توجه نظرات الرجال رأسا إليها بنظرهم إلى نهديها، ما يشكل ظلال النهود الرحيمة ودخول مونا في سلام وارف.
قد يكون بهذا المعنى صحيحا بل حاسما أن تكون رافعة النهد (أو المنهدة) هي "الركيزة الأساسية للمعمار النسوي" إذ ترفع وتعضد النساء إلى سماء ما!
"في الحقيقة فالرجال هم الذين يعضدون نهداي أكثر من كل منهدة. ففي المدرسة حدثت لي متاعب بسببهما، مثلما حدث لي أيضا بالبيت. غير أن نهدي لم يشكلا أبدا مشكلا بالنسبة للرجال..."
لكن هناك ما سمته مونيك "سلبيات إيجابياتها"، ذلك أنها لاحظت أن مشكل أن تحظى بنهدين ضخمين ونافرين هو أن "قليلا من الرجال فقط من يتوجه إليهما بالكلام مباشرة، إذ أنهم سواء يسجدون قدامهما أو ينصرفون عنهما بسرعة. يتعلقون بهما أو يتجاهلونهما. ما يقلق نهداي!"
تريد أن نقول أن نهديها يرغبان أن يتم التعامل معهما مثلما تحظى به نهود أخرى غيرها بدون تمييز. أن لا ترفع، بكل بساطة، إلى سدة المثال وأن لا تحتقر، فقط أن تؤخذ بالاعتبار مطالبها البسيطة.
حاولت مونيك أيون أن تلامس جمال أفكار سرية حول علاقة امرأة نموذجية بنهدين نموذجيين، مستفيدة، دون أن تشير إلى ذلك، من كتاب دي لاسيرنا، مسنَدة بروعة رسومات جورج فولينسكي، الذي يشتغل اليوم لدى شارلي إبدو. إضافة إلى كتابه الجميل "الفتى الذي لا يفكر إلا في الجنس" فهو ينشر على الدوام كتبه المصورة. فقد كان رائعا أن نرى نهوده المرسومة وأن نسمع مونيك تهتف في نضال هو نضالها: "يا نهود العالم اتحدوا!"


.

J. Jacques Pradier
13881713301.jpg
 
أعلى