عبدالله كرمون - مديح النساء الناضجات

يتفق الجميع على عسر نطق اسم فيزينتساي المجري، لكن من لم يقرأ بعد كتابه "في مدح النساء"، الذي يطري فيه جدوى علم حصل له لدن الناضجات منهن، لن يقف بنفسه على ثراء كاتب متفرد يتواجد خلف هذا الاسم الصعب. لقد ظهر الكتاب لأول مرة في فرنسا منذ حوالي ست سنوات غير أنه ظل يطبع (ما ينيف على أربعين طبعة حتى الآن) ويُقرأ مذ ذاك دون توقف. وكانت آخر طبعاته قد صدرت في العام الماضي لدى غاليمار. الشيء الذي دفعني لأن أقول عنه قولا صغيرا بلغة أبي نواس بعد أن طافت جماليته بلغة دو ساد في ترجمة ماري كلود بوجو.
يملى الكتاب تحت انشغال ذكريات صبوات أندرياس فاجدا، هذا الذي ذاق معنى الحميمية الكامنة في "معاقرة" امرأة ناضجة، ما يعني بالتحديد امرأة أكبر سنا منا. إذ كما قال منذ مفتتح كتابه أن الأجيال الحالية من الفتيان ليسوا يرغبون سوى في فتيات من نفس سنهم، إذ أنه خبر مع جيله، كما كتب، حكمة وحساسية الماضي في ارتباطه بنساء أكثر سنا منه. فكتابه يتوجه إلى الشبان غير أنه هدية لنساء ناضجات. يقول: "كنت تلميذا نجيبا للنساء اللواتي أحببتهن. وسوف أحاول أن آتي هنا على التجارب الحزينة والسعيدة التي جعلت مني، على ما أعتقد، رجلا".
حدث أن شاءت صدف الحياة أن يمر مجرى حياة أندرياس يوما بعوالم الدين، حتى كاد يسقط يوما في الرهبانية، غير أنه تدارك الأمر سريعا إذ تراءى له أنه إن صار راهبا "سوف يصطدم بمشكل أن يتخلى عن النساء حتى قبل أن يبلغ سن عشقهن". طلب يوما من أستاذه الراهب، مادام مكتويا بذلك السؤال، هل يجد هو ثمة من حرج في عيشه بدون امرأة، غير أن الراهب هذا أجابه بقوله له أنه لن يصير، في اعتقاده، أبدا راهبا!
منذ نضارة عمره كان أندرياس متربصا بنساء هن بحق أكبر سنا منه، مثل العمة أَلِيسْ، يلوذ بذواتهن الملتحمة؛ في تلك النهود والأرداف وغيرها، عله يفوز ببعض معنى لنشوته المتبرعمة لحظتها أسفل بطنه. هذه العمة التي قرر أندرياس أن يبني بها متى كبر إذ أحس يوم قرص ردفيها دون أن تبدي أي انزعاج أنها تفهمه بحق.
في زمن اللجوء ودخول أمريكا في لعبة اضطهاد شعوب. كان أندرياس طفلا يترجم في مخيم اللاجئين محادثات من نوع: "اسألها هل تملك فرجا ضيقا أم واسعا؟" في حوار لدى عاهرات وجنود والطفل ثمة في انتعاظ عظيم. شاء مع ذلك، في نفاذ صبر، أن يرغب في مضاجعة واحدة من تلك اللواتي استفدن من خدماته، ولما لا؟.
لقد عرف عن كثب بعض قريبات العائلة وحصل له منهن بعض دفء جسدي ما. إن لم يكن كافيا في سبيل سداد دين نشوة ما فإنه كان ما من شأنه أن يسوقه إلى ألق نزوات.
تلك المرأة نفسها التي لم يكن بوسع أندرياس أن يفرق بينها وبين تلك الكتب التي يستعير منها، هي حياة ماثلة أمامه والكتب عوالم أخرى يلزم فك شفراتها. غير أن علمه بالنساء من خلال كل ما ادخرت له ليس بالقليل.
يراهن أن يرتمي في نهر الدانوب متى لم يستطع أن يبوح لتلك المرأة بأنه يرغب أن يضاجعها!
يقال بأنه قبل الموت، كما كتب، لا بد أن يتراءى للمرء كل خط حياته على مدى خطف البصر كما يقال. تراءى له مثل ذلك إزاء جسد مايا لكن لم تكن الموت هي التي تلي ولكن الحياة، إذ رأى مع ذلك تهويمات كثيرة عادت على ذكريات صغرى لم تكن أبعد بكثير عن سنواته القليلة الأولى على هذه الأرض.
الأهم لدى فيزينتساي ليس هو استعراض فجاجة علاقاته الجنسية مع النساء ولكن بحثه الحثيث عن السر الكامن وراء الإغراء ولإغواء وكيف تنفك سريعا عقدة استحالة وقوع امرأة على أرض نكاح، بعد مدارات عويصة قبل لحظات فقط من ذلك.
مايا التي لقنت أندرياس كثيرا من دروس إيروسية وأخذت بيده وأدخلته إلى متاهات جميلة، تبوح له بأنها أذعنت له وسلمته مفاتيح جسدها منذ أيام بعيدة عن النهار الذي استكشف فيه كنوز فضائلها. "لقد اتخذت ذلك القرار، تقول له، في اليوم الذي قلت لك فيه بأنك صرت تكبر سريعا!" هذه المرأة نفسها هي التي أسرّت له كذلك بأنه بالإمكان أن نعشق أشخاص كثيرين في نفس الآن.
في سبيل استكمال فروع هذا العلم، ينتبه أندرياس أن النساء الناضجات يأخذن حذرا بالغا خلال تسريهن مع الشبان، ذلك أنه لم يستطع أن يأنف من التفكير في كون نساء أخريات يمكن أن يكن رائعات مثلهن مثل عشيقته مايا، ثمة إذن السر في الشك والهوس الحذر لدى تلك النساء. فالذي ليس يمتلك نقاط مقارنة بين عشيقته وغيرهن يُخشى فقده، لذلك أيضا، ولنفس السبب،كما فكر أندرياس، لا يجب على الرجال تزوج العذارى!
استطاع أندرياس أن يواجه قبالته امرأة دون هلع لكن بعد طول مران، كلاري هذه التي استدرجته يوما إلى حديث يلمح لخيرات أنوثتها دون توفر سياق يجذب ذلك النوع من الكلام، كانت تقطع اللحم جالسة على الكرسي، لكن أندرياس لمج لحظتها وجراء انقباض وتقلص ملامح محياها، وكأنها منهمكة في جماع محتدم، أنها قد بللت بالتأكيد تبانها!
قالت له: "ماذا تريد أن أفعل بك الآن وقد كفلوك إليّ هذا النهار؟" أجابها: "أرغب أن تمارسي علي جاذبية!"
غير أنه في مكان آخر وإن ظن أنه لم يعد يخشى من التحدث إلى النساء فإنه كما يقول: "لم أتعلم بعد أن أنصت إليهن!"
أما إليونا التي "في الضوء الخافت الذي يتسرب من النوافذ المتسخة، كانت لها هيبة خارقة لملك شهواني يصارع قوى الظلام. ليست تضع رافعة نهود تحت صِدارها الأبيض، ونهداها الصغيران يتأرجحان ثمة حد أن يُجَنِّنان لما تنحني وترتفع كي تنضد الأشياء". هذه التي قرر أن يحبها لما لم يستطع أن يغتصبها مثلما باح لها برغبته تلك يوم داهم طيفها الحلو سكينة رأسه. لم يرها فيما بعد غير أنه حفظ ثمة تلك الصبوة وجر أذيالها خلال عامين.
أليست تصدق عبارة برنارد شو عن كون من يرغب أن يكون له شأو لدى النساء أن عليه ليس أن يحبهن بل أن يفر منهن!
قد يتحقق ذلك نفسه لما مارس براعة خطابته إلى النهاية لما قالت له تلك التي حاولت مداراته أولا واستدراجه لأن يتسلق بان جسدها بدون كثير من تعنت قالت بعد أن فتحت فخذيها: "أراهن أنك ترغب في كل ما يتقدم إليك!"
دون أن ينسى الكاتب أن يشير كل مرة إلى موضوعات هامة حول تاريخ المجر والحروب التي لم تنته ثمة، اعتبارا من القدم مع كل الغزاة وانتهاء بطرد الروس، تحدث فيزينتساي عن كوارث أوشفيتس وعن حياة اللاجئين وعن بعض مظاهر العالم الجديد.
غير أني ما زلت أبعد عن أن أثير كل الجمال الكامن في الكتاب، الحديقة التي لابد أن يعبرها كل مشاء متعطش للعلوم وللنساء أو لعلم النساء

.

[SIZE=6]* [/SIZE]

[SIZE=6]الرسام الامريكي فريديريك ارثير بريدغمان[/SIZE]
13884091891.jpg


.
 
أعلى