عبد الله كرمون - تقرير جنسي في عالم الأحلام

قام "تقرير كينزي" الشهير، والذي يعود إلى سنة 1950، بأول تحقيق واسع حول أهمية الأحلام الجنسية. فكشف أن نسبة 83 في المئة مثلاً من الرجال الذين يبلغون 45 سنة، قد سبق لهم أن خبروا احلامًا يرافقها قذف. وأن نسبة 5 في المئة منهم يرون أحلامًا إيروسية أكثر من مرة في الأسبوع، ويقع الزمن الأقصى لحدوثها ما بين سن المراهقة وسن الثلاثين.
أما بخصوص النساء، فتستشعر نسبة 37 في المئة منهن رعشة كبرى في الحلم، وتردد أحلامهن الإيروسية منخفض جدًا بالمقارنة مع الرجال. لم تحدد بعد العلاقة القائمة بين تردد الأحلام الجنسية وبين الممارسات الواقعية. يمكن أن نعيش حياة جنسية منتعشة دون أن نعرف أحلامًا مرتبطة بها. مثلما لا ندرك إن كان الامتناع _عن عمد أم لا_ يزيد من كثافة الأحلام الجنسية.
قارنت بعض الدراسات، خلاف ذلك، الأحلام الإيروسية لممارسي الجنس مع الجنس المخالف والذين يمارسونه مع جنسهم (المثليين) نفسه، وأبانت عن ملاءمة بينة ما بين ميول الشخص وما بين أحلامه. تناسب الأحلام الإيروسية لشخص مِثليٍّ تخيلاته خلال النهار وميله الجنسي الواعي. ما يعارض تمامًا الفرضية الفرويدية حول الحلم_باعتباره كبتًا لرغبة لاواعية.

"تقارير كينزي" في القدم
الأحلام الإيروسية قديمة قدم التاريخ. ونجد شهادات كثيرة على ذلك في الأدب وفي تفاسير أحلام القِدم. إذ إن أحد النصوص القديمة المهمة وهو Onirocriticon، قد كتبه الإغريقي أرتيميدور الإفيزي في القرن الثاني قبل الميلاد، وهو مصنَّف في التنبؤ عن طريق الأحلام، ويحتوي على قاموس أحلام جد غني بالنسبة للمؤرخين. التقى أرتيميدور هذا بالعرافين، كما قرأ المصنفات القديمة، وصنف الشهادات التي جمعها خلال أسفاره التي جاب خلالها كل بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط. وصف في مجموعها أكثر من ثلاثة آلاف حلم. يهم جزء كبير منها الأحلام الجنسية: إنه حسب المؤرخ جون وينكلر "تقرير كينزي القدم" بامتياز.
ذُكرت فيه الأحلام الجنسية بدون تزويق، مثال: حلم مضاجعته لزوجته (يتوجه أرتيميدور بشكل غير مباشر إلى الرجال)، وكذلك لعبد أيضًا أو لعبدة، "لحماته"، لأخته، لابنه، لابنته. يتعلق الأمر بالنسبة إليه، في الحالات الأخيرة لنكاح الأقرباء (زنى المحارم)، بنذير شؤم: قد تكون هناك خسارة مادية منتظرة. فالأحلام "المضادة لما هو طبيعي"، مثل نكاح حيوان، في وضعية غير لائقة، أو مضاجعة فرد من العائلة، لا تبشر بالخير على العموم. أما في ما يخص المثلية، فيرى بول فيني بأن تأويلات أرتيميدور تعكس قيم ذلك العهد. إتيان عبد من دبره خلال الحلم هو أمر جارٍ به العمل ولا يعني نهائيًّا علامة سيئة.
فأن "ينبطح" مواطن صالح ويسفل حتى في الحلم هو أمر مؤسف، ومخالف للخلق الحسن: فهو إذًا فأل سيئ.
المقارنة مع تأويل التحليل النفسي مهمة لأكثر من سبب. فسيغموند فرويد يعرف كتاب Onirocriticon (وقد أشاد به في تأويل الأحلام). ولم ينكر بعض تأويلات أرتيميدور التي تقترح بأن وعاءً معينًا قد يعني عضو المرأة الجنسي. كما أن سارية باخرة قد تشير إلى فالوس. ولكن نتائجه، عموماً، مخالفة تمامًا لاستنتاجات التحليل النفسي. فالعديد من الأحلام العادية، بالنسبة لفرويد، لها تفسير جنسي مخفي (زنى المحارم أو مِثلي). على العكس مما نجد في مفاتيح (تفاسير) أحلام القدم: فالأحلام الجنسية واضحة وتحيل على رهانات خفية: المال، المرض، تحالفات حسنة أو سيئة.
كما في "مفاتيح الأحلام" المصرية، فأحلام نكاح الأقارب هي، خلاف ذلك، محبذة: أن نضاجع أمًّا أو أختًا هو دليل مستقبلي على تحالفات آتية.
نقرأ في مخطوطة بردي مصرية بأنه «إذا حلمنا بأن امرأة تتحد بحصان فإنها ستكون شرسة مع زوجها، وإذا نكحها حمار فسوف تتعرض لعقاب جراء فعلة شنيعة، أما إذا نكحها كبش فذلك يعني، على غير المتوقع بشرى حسنة، وسيغدق عليها فرعون كل عطفه».

جان فرونسوا دورتيي.
(عن مجلة العلوم الإنسانية_ باريس).



*ألفرد كينسي (1894_1956) هو أستاذ عِلميْ الحيوان والحشرات. أسس سنة 1947 معهدًا للبحث حول الجنس في جامعة إنديانا. وقد نشر، بغض النظر عن كتبه الأخرى والدراستين المهمتين، بحيث تتعلق الأولى بدراسة السلوك الجنسي لدى الرجل (1948)، والثانية بالسلوك الجنسي لدى المرأة (1953). (المترجم).


.

صورة مفقودة
 
أعلى