أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني - الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة - ت: إحسان عباس

(...)
وكتبت إلى ابن الأبار يوما بهذه الأبيات:
قل لأبي جعفر المنتقى ... من سر قحطان وخولان
انظر إلى الظبي الأنيق الذي ... يختال في أبراد إحسان
كأنما مقلته بابل ... حفت بسحر الإنس والجان
كأنما شاربه بهجة ... زمرد من فوق مرجان
كأنما أردافه عالج ... وقده غصن من البان

قال، فأجابني منها قوله:
وابأبي ذاك الغزال الذي ... يجول في سر وإعلان
مقرطق يبسم عن لؤلؤ ... رصعه الحسن بمرجان
أفديه من أحور أجفانه ... نامت لكي تسهر أجفاني
لما بدا لي جيده متلعا ... قلت لمن قد ظل يلحاني
لا فزت منه بجميع المنى ... إن كان هذا عند رضوان
من أين للظبي كأجفانه ... أو مثل ذاك الخوط للبان
ما هو إلا [...] برهان ... وحجة اللوطي على الزاني

قال: وكتب إلي ابن الأبار أيضاً بهذه الأبيات:
يا مفصح الكف واللسان ... بالطول طورا والبيان
عندي من عنده فؤادي ... ومن تجنيه قد براني
أظنها نومة لقردي ... أو غفلة الغر من زماني
وليس سر السرور إلا ... ضرة أخلاقك الحسان
قال فأجبته:
يا مالك السحر والبيان ... وناظم الدر والجمان
أكرم بمولى أجاب عبدا ... فأقبل الدهر بالأمان
وانتزحت دولة التنائي ... واقتربت دولة التداني
وكل شيء يكون عندي ... ملكك يا ناظر الزمان
وقد بعثت المدام تحكي ... جزءا من اخلاقك الحسان

الوزير أبو الوليد محمد بن عبد العزيز المعلم :
بديع ذلك الزمان، أحد وزراء المعتضد الكتاب الأعيان، وممن شهر بالإحسان، في صناعة النظم والنثر، ولم أقع له عند نقلي هذه النسخة إلا على التافه النزر، وعلى ذلك فقد كتبت له منهما ما يشهد أنه كان من أهل الرواية والعلم، وذوي الدراية والفهم.
فصول له من مقامة
قال في أولها: سقى عهدك أيتها الدمنة الزهراء كل عهد، وجاد قطرك أيتها الروضة الغناء كل قطر، وسال عليك من أدمعي كل ملث هطال، وتناوحت عليك من أضلعي كل جنوب وشمال، منشرة أنوارك، لا معفية آثارك، ومهدية أرجك ونسيمك، لا مغيرة أطلالك ورسومك، فكم لنا في واديك من بلهنية زمان أنيق، وفي مغانيك من رفاهية عيش رقيق، نعل بكأسي عتبا وإعتاب، ونرتع في جنبتي صبا وتصاب، غدونا من عشيق إلى صديق، ورواحنا من صبوح إلى غبوق، وخليلنا مساعد، وعدونا مباعد، ورقيبنا أعمى، وزماننا أعشى؛ حتى إذا استيقظ الدهر من هجعته، وهب من غطيط رقدته وسكرته، ضرب فوقنا بجرانه، وصرف إلينا لهذم سنانه، ولبس لنا جلدة النمر، وقلب لنا ظهر المجن، وألقى علينا بعاعه، وطمس ذوننا شعاعه، مستردا ما وهب وأعطى، ومكدرا ما منح وأصفى:
أبدا تسترد ما تهب الدن ... يا فيا ليت جودها كان بخلا
فما لبث أن صدع مروتنا، وفصم عروتنا، وحل عقدنا، ونثر عقدنا.
وفي فصل منها: وكان لي أليف، وعقيد شريف، من صرحاء الإخوان، وصيابة الفتيان، ومصاص أعيان الزمان، وحين سولت لي همتي ما سولت، وخيلت لي أمنيتي ما خيلت، أجلنا قداح الرأي، وأسهمنا بين القرب والنأي، شاور في أمري قريحته، ونخل لي نصيحته، وقال: أرى أن لا تريم بيضتك وأرومتك، وأن توطن أرضك ولا تفارق عشيرتك، وأربأ بك عن مضلات المنى، وأعيذك من ترهات لعل وعسى، فتحسب كل بيضاء شحمة، وتظن كل سوداء تمرة ، وربما سقط العشاء بك على سرحان ، وكل الناس بكر، وفي كل واد بنو سعد :
والرفق يمن والأناة سعادة ... فاستأن في رفق تلاق نجاحا وإن أبيت إلا التحول، فعليك من الرؤساء، بأحلم الحلماء، ومن القرباء بأشرف الشرفاء، ولا تغرنك المناصب، دون المناسب، ولا المقول دون المعقول، ولا الدراهم دون المكارم، وازهد في أكثر كل عين، واذكر قول [ابن] الحسين :
وما رغبتي في عسجد أستفيده ... ولكنها في مفخر أستجده فلما سمعت ووعيت، ارتكنت وتوليت، ثم أبيت قبولا، ليقضي الله أمرا كان مفعولا، وناقضت نصحه بقول حبيب :
وإن صريح العزم والرأي لامرئ ... إذا بلغته الشمس أن يتحولا ومغترا بقول الثاني :
تلقى بكل بلاد أنت نازلها ... أهلا بأهل وجيرانا بجيران وفي فصل منها: وصرح لي الدهر عن أهله، ووجدت الناس اخبر تقله ، من أمير لا أسميه، ووزير أقحمت الواو فيه، وكاتب أمي، وقاض جبلي ، وأمة مبورة، في قرية مصورة، وإذا اختلفوا أنشدوا:
ومن تكن الحضارة أعجبته ... فأي رجال بادية ترانا
فبينا أقرع السنين، وأعض الكفين، وأخضب بلا حناء، وأنشد في الأمراء:
وإذا نظرت إلى أميري زادني ... كلفا به نظري إلى الأمراء إذ قرع البشير بابي، وطرق المستأذن حجابي، فائل: رسول مولاك، وكتابه وافاك، فقمت أتساقط من الجذل، وأعثر في دعاثر العجل، مقبلا فاه، وصائحا: زاه.
وفي فصل منها: وأفضنا في وصف معاليه، واستنشدني فأنشدته ما قلته فيه، فقال: بزاعة الفصحاء، وبراعة الشعراء، دعني من زخرف شعرك، وصفه لي بمنصف نثرك، فللمنظوم رونق، وأنت فيه ذو طولق ، فقلت: على الخبير سقطت، وأنا الكفيل بما سألت وشرطت، وأسمعته سجعا لا نظما، ونثرا لا شعرا، فقلت: هو الإمام الطاهر، والكوكب الزاهر، والأسد الخادر، والبحر الزاخر، أوهب الملوك للذخائر، وأعفاهم عن الجرائر، وأرفعهم قدرا، وأوسعهم صدرا ، وأطيبهم ذكرا، أعطر من العنبر، في كل منبر، وأفوح من المسك الذكي في كل ندي، الحليم فما يغضب، والجواد وما يرغب، والشجاع وما يرهب، والقوي وما يعنف، واللين وما يضعف، والرفيق إذا ساس، والمصيب إذا قاس، ينبوع كل جذل، ودافع كل وجل، وحسبك بي عنده من جليس رئيس، أكلم منه سحبان، وآخذ عن لقمان، وأستنزل كيوان:
له كبرياء المشتري وسعوده ... وسطوة بهرام وظرف عطارد وقمر إلا أنه بشر، وجبل إلا أنه رجل، بحر علم، وطود حلن، وعالم في عالم؛ الأصمعي عنه ناقل، ولجاحظ عنده باقل، إذا ركب ضاق عنه الأفق، وإذا تبدى وسع الدهر ندى، وإن نطق بين وصدق، وإن كتب أبدع وأغرب، نداه سحائب، وكتبه كتائب، مشرفياته من لسانه وبيانه، وخطياته من أقلامه وبنانه، تمشق فيها جياد فهمه، ويمري درر أشوالها من آدابه وعلمه، ويسحب لها من فكره مضمارا، ويثير من مداده قسطلا وغبارا، ويرتب فيها الحروف، ترتيب الصفوف، ويمشق بها في المهارق، مشقه في الطلى والمفارق، هذا إلى روحانية ملك، في تجلة ملك. فاستطير فرحا، وازدهي مرحا، وخف فقام إلي، ورف يقبل بين عيني، وكأنه إنما نشر من قبر، أو صحا من سكر، وقال: أصبت والله القرطاس، وبنيت على أساس، وفزت بالقدح المعلى، وتحليت من الجلى، والحديث ذو شجون: متى الحركة - وفيم التلوم والمقام - وكنت شاكيا فقلت: رويد الإبلال، وبعيد الإقلال ، قال: فسر في كنف السلامة، إلى وطن الكرامة.
وله من رقعة كتبها عن المعتضد إلى الوزير الفقيه أبي حفص الهوزني، قال فيها: وردني كتابك الأثير المقابل بين النثر البليغ والنظم البديع، تصرفت فيهما تصرف من إذا حاك الكلام طرز، وإذا غشي ميدان البيان برز، وأخذ بآفاق العلوم، وأشرقت خواطره فيها كإشراق النجوم، وإنها لفضيلة بعد فيها شأوك، وفات جهد لمجارين لك عفوك؛ فأما ما صدرته به من بالغ إطراء، وسابغ ثناء، فأمر أعلم أنه صدر عن عهد كريم، ومعتقد سليم، أنا معتقد عليهما بجميل القرض، والمجازاة الحسنة بهما في وكيد الفرض. واقتضيت ما تلا ذلك من وعظك المبرور، واحتسابك المشكور، في الحال التش أشرت إليها فأقنعت، ورمزت بها فأسمعت، بصحة دينك، وبرد يقينك، حتى نظرت إلى ما دهم المسلمين من كلب العدو عليهم: يجوسون البسيط من ديارهم، ويستبيحون المحوط من ذمارهم، ليس إلى الانقياد عن أحكامهم دفاع، ولا سوى الانحياز من أمامهم امتناع، قد تبين لهم أن تخاذلنا لهم علينا ناصر، وتواكلنا مظاهر مؤازر، فلا يعدمون من يتخلى لهم عن بلد، أو يعطيهم الجزية عن يد {ولو شاء الله لانتصر منهم، ولكن ليبلو بعضكم ببعض} (محمد: 47).
ولقد شرحت من تلك [23 ب] النصب ما يسهر النواظر، ويبلد الخواطر، ولا يدع ركن عز إلا أوهاه، ولا بناء جلد إلا أرداه، ولا عد صبر إلا أغاضه، ولا ثمد دمع إلا أفاضه، وإن الحذر أن تغشى التي لا شوى لها، وتفجأ التي لا لعا منها، فيرام من ذلك استكفاف سيل من التلف قد انحدر، وينظر في أعقاب نجم من التلافي قد انكدر، إلا أن يعود الله علينا برحمته، ويهيأ لنا أسباب عصمته.
وأما ما ندبت إليه، وحضضت عليه، من إحفاد السعي فيما يقمع المشركين - بددهم الله - ويجمع عليه كلمة المسلمين، فيعلم الله أني قد ناجيت بذلك وناديت، وراوحت فيه وغاديت، وبثثت رسلي إلى ذلك داعين يصلون التذكرة، ويوكدون التبصرة، ويتلون المواعظ، ويستشيرون الحفائظ، فصمت المسامع، واتفقت في التثاقل المنازع، وخلج بالخذلان، وتجوزت الجمجمة في ذلك الإعلان، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى.
وفي فصل منها: وأما إزماعك للتنقل، وأن أرسم لك مكان التحول، فأي مكان يكون ذلك سوى وطنك الذي تعرفت فيه سابغ الأمن، وتلقيت فيه طائر اليمن، ولم تعدم المحل الرفيع، والجانب المنيع، والسكون مني إلى من لم يزل يعتمدك بإيثاره، ويشاركك في خاص أسراره، ويرفع قدرك فوق أقدار الأكفاء، ويحط عن منزلتك منازل النظراء، وإن كان قد جرى قدر بمارقة فكانت سليمة لم يتبعها إلا حال لك محوطة محفوظة، وساقة بعين الصيانة مكلوءة ملحوظة.
وهذه أيضاً جملة من شعره
له في المعتضد من قصيد أوله:
دون الأحبة بالوعساء أعداء ... وسلم كل بعيد الهم هيجاء
والحب كالمجد لا ينفك من كبد ... فيه يلذ لنا بؤس ونعماء
حفيظة منك عين الله تكلؤها ... وشيمة شيم منها العين والطاء
وهيبة لم تزل تعنو إليك بها ... والدين يخبط منه الليل عشواء
مدوا إليك أكف البغي فانجذمت ... وقد خلت منهم بالسيف أقفاء
وقادة في وجوه القوم أخجلها ... من حد سيفك توبيخ وإدماء
أبناء دأية من مقطوف هامهم ... على الجذوع لها وقع وإقعاء
قوم هم نبذوا الإسلام قاطبة ... عنهم كما نبذ الأموات أحياء
ومعنى البيت الثاني منها كقول حبيب :
كأنه كان ترب الحب مذ زمن ... فليس يعجزه قلب ولا كبد

وأخذه أبو الطيب فقال :
وقد صغت الأسنة من هموم ... فما يخطرن إلا في فؤاد

وقال من أخرى :
سحبت على أثر الخيال ذيولا ... وسرت تعود من الصدود عليلا
عللت منك بكل وعد كاذب ... وسرى خيالك بالرضى تخييلا
لو كنت صادقة رحلت إلى الصبا ... وخضبت شيبي بالشباب محيلا
سقيا لعهدك والشباب ملاءة ... تثني عيون عني حولا [24 أ]
أيام أمرح في الصبابة خالعا ... رسني وأسحب في المجون ذيولا
وأصيد بين حمائلي وحبائلي ... صيدا وغيدا ما يدين قتيلا
ومنها:
يا هذه عني إليك فإن لي ... أملا بأعنان السماء كفيلا
من لم يبت عند ابن عباد فقد ... ضل السبيل وأخطأ التأميلا
ومنها في وصف حربه مع صاحب سبتة:
فأرح جيادك فهي أطلاح السرى ... وقد الجيوش إلى العدا أسطولا
أنشأتهن سفائنا ومدائنا ... وجنبتهن كتائب ورعيلا
دهم تخال البيض في أوساطها ... بلقا وفي أطرافها تحجيلا
قرعت بأسواط الرياح فأسرعت ... في الماء تعمل كلكلا وتليلا

قوله: " لو كنت صادقة " ... البيت، نقل لفظه من قول أبي الطيب :
خلقت ألوفا لو رددت إلى الصبا ... لفارقت شيبي موجع القلب باكيا
وقال محمد بن هانئ :
لخططت شيبا من عذاري كاذبا ... ومحوت محو النقس عنه شبابا
وخضبت مبيض الحداد عليكم ... لو أنني أجد البياض خضابا
وله من أخرى في المعتمد :
أشمت البرق بات له ائتلاق ... تضيء به الأماعز والبراق
وبين جوانحي قلب مطار ... جناحاه ادكار واشتياق
ومنها:
ولم أنس الكثيب وليلته ... كأنهما اختلاس واستراق
نجوم الراح في أفلاك راح ... مشارقها المطرفة الرقاق
وشدو تطرب الألفاظ عنه ... كما نفضت من الدر الحقاق
وأفصح من أبان النصح عنه ... يد نيطت بها قدم وساق
تذكرت الصبابة والتصابي ... هنالك إذ تروق ولا تراق
ونحن كأننا غصنا أراك ... قد اشتبكا وضمهما اعتناق
ذراعاه على عنقي نجاد ... وساقاه على كشحي نطاق
إذا ما الشمس ورسها أصيل ... أدال الإصطباح لها اغتباق
ومن نعم ابن عباد كؤوس ... نعل بها وأقداح تتاق
ومن كف الربيع لنا ربيع ... يصوب حيا ومن حمص عراق
وله فيه وقت انصراف قرطبة إليه، وقتل ابن عكاشة على يديه:
صفا لك الشرب كانت فيه أقذاء ... وعاد برء على ما أفسد الداء
ولن يعجل مقدور له أجل ... وللأمور مواقيت وآناء [24 ب]
وقد تباطأ وحي الله آونة ... عن النبي وغابت عنه أنباء
فليهنك الصنع قد راقت عواقبه ... وشفعت عنه بالآلاء آلاء
فتح كما وضح الإصباح منه على ... آفاق ملكك إشراق ولألاء
ومنها في رثاء ابنه:
الظافر الذفر الذكرى معطرة ... منه المنابر ألقاب وأسماء
رزئته فاحتسبته عند خالقه ... زلفى بذلك تقريب وإدناء
ولو أفاد عليك الحزن فائدة ... لكان صخرا وكل الناس خنساء
تشرفت بك دولات وأزمنة ... وفاخرت بك أموات وأحياء
ومن مرثية له في المعتضد:
عليك أبا عمرو سلام مودع ... له كبد بين الضلوع دخيل
عممت الورى بالثكل فيك رزية ... وقبحت وجه الصبر وهو جميل
فمن شاء فلينظر بعين حقيقة ... ففيك لنا وعظ مداه طويل
يرى الأرض فيها الأرض كيف تزلزلت ... بنا ويرى الأطواد كيف تزول
أفلت فعادت حمص بعدك دجنة ... كأنك شمس والزمان أصيل

وكتب إلى الوزير أبي عامر بن مسلمة من جملة أبيات:
يا ابن الكرام السادة الخلص ... قولا بلا إفك ولا خرص
ماذا ترى في القصف متكئا ... مع رنة الطنبور والرقص
فلعلني أشفي بريقتها ... من عارض في الصدر كالغصص
وألذ عند سماع مبهجها ... من طيب الأخبار والقصص
أهل العراق على مذاهبها ... لا تلق منهم غير مرتخص
فأجابه أبو عامر بأبيات منها:
يا جهبذا قد قال بالرخص ... القصف عندي غاية الفرص
مع ماجد حلو شمائله ... ذي حنكة للهو والقنص
فإذا مضت للفطر ثانية ... أرسلت خيل اللهو للقنص
فجرت لدى الميدان جامحة ... وجريت في لبب من الرخص
في مجلس قد طاب مجلسه ... خال من التكدير والنغص
الأديب أبو الوليد إسماعيل بن محمد الملقب بحبيب :
كان سديد سهم المقال، بعيد شأو الروية والارتجال، والأديب

أبو جعفر ابن الأبار هو الذي أقام قناته، وصقل - زعموا - مرآته، فأطلعه شهابا ثاقبا، وسلك به إلى فنون الآداب طريقا لاحبا، ولو تحاماه صرف الدهر، وامتد به قليلا طلق العمر، لسد طريق الصباح، وغبر في وجوه الرياح. وتوفي ابن اثنتين وعشرين [25 أ] سنة، فذهب بأكثر ما كان في ذلك الوقت من حسنة، وقد أعرب عن ذلك من أمره بأبيات شعر قرأتها على قبره، وله كتاب سماه ب - " البديع في فصل الربيع " جمع فيه أشعار أهل الأندلس خاصة، أعرب فيه عن أدب غزير، وحظ من الحفظ موفور، وقد أخرجت من نثره ونظمه، ما يشهد بغزارة علمه وفهمه.
فصل من نثره
قال في صدر التأليف الموصوف : فصل الربيع آرج وأبهج، وآنس وأنفس، وأبدع وأرفع، من أن أحد حسن ذاته، وأعد بديع صفاته، وهو مع سماته الرائقة، وآلائه الفائقة، لم يعن بتأليفها أحد، وما انفرد بتصنيفها منفرد.
وله فصل من أخرى إلى أبيه : لما خلق الربيع من أخلاقك الغر، وسرق زهره من شيمك الزهر، حسن في كل عين منظره، وطاب في سمع خبره، وتاقت النفوس إلى الراحة فيه، ومالت إلى الإشراف على بعض ما يحتويه، من النور الذي كسا الأرض حللا، لا يرى الناظر في أثنائها خللا، فكأنها نجوم نثرت على الثرى، وقد ملئت مسكا وعنبرا، إن تنسمتها فأرجة، أو توسمتها فبهجة، تروق العيون أجناسها، وتحيي النفوس أنفاسها:
فالأرض في بردة من يانع الزهر ... تزري إذا قستها بالوشي والحبر
قد أحكمتها أكف المزن واكفة ... وطرزتها بما تهمي من الدرر
تبرجت فسبت منا العيون هوى ... وفتنة بعد طول الستر والخفر
فأوجدني سبيلا إلى إعمال بصري فيها، لأجلو بصيرتي بمحاسن نواحيها، والفصل على أن يكمل أوانه، وينصرم وقته وزمانه، فلا تخلني من بعض التشفي منه، لأصدر نفسي متيقظة عنه، فالنفوس تصدأ كما يصدأ الحديد، ومن أجمها فهو السديد الرشيد.
وله من أخرى إلى بعض إخوانه : قد علم سيدي أن بمرآه يكمل جذلي، ويدنو أملي، وقد خللت محلا عني الجو بتحسينه، وانفرد الربيع بتحصينه، فكساه حللا من الأنوار، بها ينجلي صدأ البصائر والأبصار، فمن مكتوم يعبق مسكه، ولا يمنعه مسكه، ومن باد يروق مجتلاه، ويفوق مجتناه، في مرآه ورياه، فتفضل بالخفوف نحوي، وتعجيل اللحاق بي، لنجدد من الأنس مغاني درست، ونفك من السرور معاني قد أشكلت وألبست ونشكر للربيع ، ما أرانا من البديع.
قال ابن بسام: ووجدت لأبي الوليد هذا رسالة عارض بها أبا حفص ابن برد في رسالته في تقديم الورد على سائر الأزهار، فخرج فيها أبو الوليد - خروج أبي حفص بن برد - على الورد، ودعا إلى البهار، وأسمع سائر الأنوار، فنصبه إماما، ولولا اشتهار فضل الورد لكانت لزاما، وقد اقتضبت من الرسالتين قبض فصول، تخفيفا للتثقيل، وجمعا للشمل،، ومقابلة للشكل، وقدمت رسالة ابن برد، على حكم الإحسان ومقتضى النقد، وهي رقعة خاطب بها ابن جهور قال فيها :
أما بعد، يا سيدي ومن أنا أفديه، فإنه ذكر بعض أهل الأدب المتقدمين فيه، وذوي الظرف المعتنين بملح معانيه، أن صنوفا من الرياحين، وأجناسا من أنوار البساتين، جمعها في بعض الأزمنة خاطر خطر بنفوسها، وهاجس هجس في ضمائرها، لم يكن لها بد من التفاوض فيه والتحاور، والتحاكم من أجله والتناصف، وأجمعت على أن ما ثبت في ذلك العهد، ونفذ من الحلف، ماض على من غاب شخصه، ولم يئن منها وقته، فقام منها قائمها فقال: يا معشر الشجر، وعامة الزهر، إن الله تعالى اللطيف الخبير [25 ب] الذي خلق المخلوقات، وذرأ البريات، باين بين أشكالها وصفاتها، وباعد بين منحها وأعطياتها، فجعل عبدا وملكا، وخلق قبيحا وحسنا، فضل بعضا على بعض حتى اعتدل بعدله الكل، واتسق على لطف قدرته الجميع، فجعل لكل واحد منها جمالا في صورته، ورقة في محاسنه، واعتدالا في قده، وعبقا في نسيمه، ومائية في ديباجته، وقد عطفت علينا الأعين، وثنت إلينا الأنفس، وزهت بمحضرنا المجالس، حتى سفرنا بين الأحبة، ووصلنا أسباب القلوب، وتحملنا لطائف الرسائل، وصيغ فينا القريض، وركبت على محاسننا الأعاريض، فطمح بنا العجب، وازدهانا الكبر، وحملنا تفضيل من فضلنا، وإيثار من آثرنا، على أن نسينا الفكر في أمرنا، والتمهيد لعواقبنا، والطيبب لأخبارنا، وادعينا الفضل بأسره، والكمال بأجمعه، ولم نعلم أن فينا من له المزية علينا، ومن هو أولى بالرئاسة منا، وهو الورد الذي إن بذلنا الإنصاف من أنفسنا ولم نسبح في بحر عمانا، ولم نمل مع هوانا، دنا له، ودعونا إليه، فمن لقيه منا حياه بالملك، ومن لم يدرك زمن سلطانه، ودولة أوانه، اعتقد ما عقد عليه، ولبى ما دعي إليه، فهو الأكرم حسبا، والأشرف زمنا، إن فقد عينه لم يفقد أثره، أو غاب شخصه لم يغب عرفه، وهو أحمر والحمرة لون الدم، والدم صديق الروح، وهو كالياقوت المنضد، في أطباق الزبرجد، وعليها فرائد العسجد، وأما الأشعار فبمحاسنه حسنت، وباعتدال جماله وزنت.
وفي فصل منها: وكان ممن حضر هذا المجلس من رؤساء الأنوال والأزهار، النرجس الأصفر والبهار، والبنفسج والخيري النمام . فقال النرجس الأصفر: والذي مهد لي حجر الثرى، وأرضعني ثدي الحيا، لقد جئت بها أوضح من لبة الصباح، وأسطع من لسان المصباح، ولقد كنت أسر من التعبد له والشغف به، والأسف على تعاقب الموت دون لقائه، ما أنحل جسمي، ومكن سقمي، وإذ قد أمكن البوح بالشكوى، فقد خف ثقل البلوى.
ثم قام البنفسج فقال: على الخبير سقطت، أنا والله المتعبد له، والداعي إليه، المشغوف به، وكفى ما بوجهي من ندوب، ولكن في التأسي بك أنس.
ثم قام البهار فقال: لا تنظرن إلى غضارة منبتي، ونضارة ورقي ورقتي، وانظروا إلي وقد صرت حدقة باهتة تشير إليه، وعينا شاخصة تندى بكاء عليه:
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي ثم قام الخيري فقال: والذي أعطاه الفضل دوني، ومد له بالبيعة يميني، ما اجترأت قط إجلالا له، واستحياء منه، على أن أتنفس نهارا، أو أساعد في لذة صديقا أو جارا، فلذلك جعلت الليل سترا، واتخذت جوانحه كنا.
فلما استوت آراؤها قالت: إن لنا أصحابا، وأشكالا وأترابا، لا نلتقي بها في زمن ، ولا نجاورها في وطن، فهلم فلنكتب بذلك عقدا ينفذ على الأقاصي والأداني؛ فكتبوا رقعة نسختها: هذا ما تحالف عليه أصناف الشجر، وضروب الزهر، وسميها وشتويها، وربيعيها وقيظيها، حيث ما نجمت من وهاد أو ربوة، وتفتحت من قرارة أو حديقة، عندما راجعت من بصائرها، وألهمت من مراشدها، [واعترفت بما سلف] من هفواتها، وأعطت للورد قيادها، وملكته أمرها، وعرفت أنه أميرها المقدم لخصاله فيها، والمؤمر لسوابقه عليها، واعتقدت له السمع والطاعة، والتزمت له الرق والعبودية، وبرئت من كل زهر نازعته نفسه المباهاة له، والانتزاء عليه، في كل وطن، ومع كل زمن، فإنه زهرة قضى عليها لسان الأيام هذا الحلف، فلتعرف أن إرشادها فيه، وقيام أمرها به.
وأما رسالة أبي الوليد فخاطب [26 أ] بها المعتضد يومئذ [قال] فيها : فأول من رأى ذلك الكتاب، وعاين الخطاب، نواوير فصل الربيع التي هي جيرة الورد في الوطن، وصحابته في الزمن، ولما قرأته أنكرت ما فيه، وبنت على هدم مبانيه، ونقض معانيه، وعرفت الورد بما عليه، فيما نسب إليه، من استحقاقه ما لا يستحقه، واستئهاله ما لا يستأهله، ورأت أن مخاطبة من أخطأ تلك الخطية، وأدنى من نفسه تلك الدنية، تدبير دبري، ورأي غير مرضي، فكتبت إلى الأقحوان والخيري الأصفر كتابا قالت فيه: لو استحق الورد إمامة، واستوجب خلافة، لبادرتها آباؤنا، ولعقدها أوائلنا، التي لم تزل تجاوره في مكانه، وتجيء معه في أوانه؛ ولا ندري لأي شيء أوجبت تقديمه، ورأت تأهيله، بما غيره أشكل له وأحق به، وهو نور البهار، البادي فضله بدو النهار، والذي لم يزل عند علماء الشعراء، وحكماء البلغاء، مشبها بالعيون التي لا يحول نظرها، ولا يحور حورها، وأفضل تشبيه الورد بنضرة الخد عند من تشيع فيه؛ وأشرف الحواس العين، إذ هي كل متول عين ، وليس الخد حاسة، فكيف تبلغه رئاسة - :
أين الخدود من العيون نفاسة ... ورئاسة لولا القياس الفاسد وأصح تشبيه الورد وأقربه من الحق قول ابن الرومي في الشعر الطائي ولقد وافق ووفق، وشبه فحقق.
وطول أبو الوليد في رسالته هذه، وختمها بمبايعة الأزهار للبهار، فرجعت عن تقديم الورد في خبر طويل.
ومن شعر أبي الوليد في أوصاف شتى
قال يصف وردا بعث به إلى أبيه :
يا من تأزر بالمكارم وارتدى ... بالمجد والفضل الرفيع الفائق
انظر إلى خد الربيع مركبا ... في وجه هذا المهرجان الرائق
ورد تقدم إذ تأخر واغتدى ... في الحسن والإحسان أول سابق
وافاك مشتملا بثوب حيائه ... خجلا لأن حياك آخر لاحق وقال فيه :
إنما الورد في ذرى شجراته ... كأجل الملوك في هيئاته
نفحة المسك من شذا نفحاته ... خجل الخد من سنا خجلاته
مزجت حمرة اليواقيت بالدر ... فجاءت به على حسب ذاته
مثل ما جاء من سماح وبأس ... خلق الحميري سم عداته
إن يعد فالوفاء حتم عليه ... فرضه في صلاته كصلاته وقال :
أتى الباقلاء الباقل اللون لابسا ... لبرد سماء من سحائبها غذي
ترى نوره يلتاح في ورقاته ... كبلق جياد في جلال زمرذ وقال :
كأن نور الكتان حين بدا ... وقد جلا حسنه صدا الأنفس
أكف فيروزج معاصمها ... قد سترتهن خضرة الملبس [26 ب]
أو لا فزرق الياقوت قد وضعت ... على بساط يروق من سندس
وقال :
وقهوة لا يحدها مبصر ... رقت وراقت في أعين النظر
إذا دنت فالسرور مبتسم ... وإن نأت فالسرور مستعبر
كأنها والحباب يحجبها ... بحر من التبر يقذف الجوهر
غنيت عنها فلست أقربها ... بناظر منه يسكر المسكر
وبيته الثالث في هذه من التشبيه الذي ما له من شبيه، وأما بيته الأخير منها فمن قول ذي الرمة :
وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ما تفعل الخمر وزاد أبو الوليد زيادة حسنة: لم يقنع أن يفعل ناظره فعل الخمر حتى أسكرها منه. وقال:
وكأس لها كيس على اللب والعقل ... شمول تريك الأنس مجتمع الشمل
كأن حباب الماء في جنباتها ... دروع لجين قد جلتها يد الصقل
تزيد ذوي الألباب فضلا ولم تزل ... تديل بطبع الجود من طبع البخل
غنيت بمن أهواه عن نشواتها ... فمن طرفه خمري ومن ريقه نقلي وقال:
حمام بلحظك قد حم لي ... فما زال يهدي إلى مقتلي
وإن لم تغثني بمعنى الحياة ... من ريق مبسمك السلسل
فها أنا قاض بداء الهوى ... وقاضي جمالك لم يعدل
فيا ليت قبري حيث الهوى ... فأكرم بذلك من منزل
عسى من تلفت بحبي له ... يرق على ذي بلاء بلي
فإن جاد بالوصل بعد الوفاة ... رجعت إلى عيشي الأول
فيا صاحبي هناك احفرا ... ولا تحفرا لي بقطربل
إذا ما أدرت كؤوس الهوى ... ففي شربها لست بالمؤتلي
مدام تعتق بالناظرين ... وتلك تعتق بالأرجل
وهذا البيت مما أغرب به على الألباب، وأعرب فيه عن موضعه من الصواب، وبينه وبين قول أبي الطيب شبه بعيد، ولكن لأبي الوليد فضل التوليد، وحسن من النقل ليس عليه مزيد، وهو قوله :
انظر إذا اختلف السيفان في رهج ... إلى اختلافهما في الخلق والعمل
هذا أعد لريب الدهر منصلتا ... وعد ذاك لرأس الفارس البطل
وقال الآخر وإن لم يكن به:
بالهند تطبع أسياف الحديد وفي ... بغداد تطبع أسياف من الحدق الأديب أبو جعفر أحمد بن الأبار
أحد شعراء المعتضد المحسنين المتقين [27 أ] انتحل الشعر فافتن وتصرف، وعني بالعلم فجمع وصنف، وله في صناعة النظم فضل لا يرد، وإحسان لا يعد، وقد كتبت طرفا مما أبدع، ليكون أعدل شاهد على أنه تقدم وبرع.
ما أخرجته من شعره في أوصاف شتى
قال :
لم تدر ما خلدت عيناك في خلدي ... من الغرام ولا ما كابدت كبدي
أفديك من زائر رام الدنو فلم ... يسطعه من غرق في الدمع متقد
خاف العيون فوافاني على عجل ... معطلا جيده إلا من الغيد
عاطيته الكأس فاستحيت مدامتها ... من ذلك الشنب المعسول بالبرد
حتى إذا غازلت أجفانه سنة ... وصيرته كفك يد الصهباء طوع يدي
أردت توسيده خدي وقل له ... فقال كفك عندي أفضل الوسد
فبات في حرم لا غدر يذعره ... وبت ظمآن لم أصدر ولم أرد
بدر ألم وبدر التم ممتحق ... والأفق محلولك الأرجاء من حسد
تحير الليل فيه أين مطلعه ... أما درى الليل أن البدر في عضدي
قال ابن بسام: وقد رأيت من يروي هذه القطعة لإدريس بن اليماني ، وهو الأشبه بما له من الألفاظ والمعاني، وهي لمن كانت له منهما رائقة، ومتأخرة سابقة، في التزام العفاف مع السلاف؛ وما سمعت بأبدع منها لأحد من أهل هذا الأفق. وإنما أثبت هنا بعض مقطوعات في معناها لأهل المشرق ثم أعود لإيراد ملح أهل أفقنا، وأرجع إليها وأكر بعد عليها، وأقدم أولا الحديث: " من أحب فعف ومات فهو شهيد " ، والعفاف مع البذل، كالاستطاعة مع الفعل، ولله در صريع الغواني، فهو صاحب بديع في أكثر المعاني، كقوله:
ألا رب يوم: صادق العيش نلته ... بها ونداماي العفافة والبذل
وقال الآخر :
وبتنا فويق الحي لا نحن منهم ... ولا نحن بالأعداء مختلطان
وبات يقينا ساقط الطل والندى ... من الليل بردا يمنة عطران
نعدي بذكر الله في ذات بيننا ... إذا كان قلبانا بنا يردان
ونصدر عن ري العفاف وربما ... نقعنا غليل النفس بالرشفات
وقال الصمة القشيري :
بنفسي من لو مر برد بنانه ... على كبدي كانت شفاء أنامله
ومن هابني في كل شيء وهبته ... فلا هو يبداني ولا أنا سائله
وقال القس المكي :
أهابك أن أقول بذلت نفسي ... ولو أني أطعت القلب قالا [27 ب]
حياء منك حتى سل جسمي ... وشق علي كتماني وطالا وقال العباس بن الأحنف :
أتأذنون لصب في زيارتكم ... فعندكم شهوات السمع والبصر
لا يضمر السوء إن طالت إقامته ... عف الضمير ولكن فاسق النظر

ولبعض الطالبيين :
رموني وإياها بشنعاء هم بها ... أحق أدال الله منهم وعجلا
بأمر تركناه ورب محمد ... جميعا فإما عفة أو تجملا
وقال سعيد بن حميد :
زائر زارنا على غير وعد ... مخطف الكشح مثقل الأرداف
غالب الخوف حين غالبه الشو ... ق وأخفى الهوى وليس بخاف
غض طرفي عنه تقى الله واختر ... ت على بذله بقاء التصافي
ثم ولى والخوف قد هز عطفي ... ه ولم نخل من لباس العفاف
وأنشد الصولي لأبي حاتم السجستاني في أبي العباس المبرد، وكان يلزم حلقته، وهو غلام وسيم :
ماذا لقيت اليوم من ... متمجن خنث الكلام
وقف الجمال بوجهه ... فسمت له حدق الأنام
حركاته وسكونه ... تجنى بها ثمر الأثام
وإذا خلوت بمثله ... وعزمت فيه على اعتزام
لم أعد أفعال العفا ... ف وذاك أكرم للغرام
نفسي فداؤك يا أبا ال ... عباس حل بك اعتصامي
فارحم أخاك فإنه ... نزر الكرى بادي السقام
وأنله ما دون الحرا ... م فليس يطمع في الحرام

وكان أبو حاتم يتصدق كل يوم بدينار، ويختم القرآن في كل أسبوع.
واجتمع أبو العباس بن سريج الشافعي وأبو بكر بن داود القياسي في مجلس الوزير ابن الجراح فتناظر في الايلاء، فقال له ابن سريج: أنت بقولك " من كثرت لحظاته دامت حسراته " ، أبصر منك بالكلام في الإيلاء؛ فقال أبو بكر: لئن قلت ذلك فإني أقول:
أنزه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محرما
وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه ... يصب على الصخر الأصم تهدما
وينظر طرفي عن مترجم خاطري ... فلولا اختلاسي رده لتكلما
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم ... فلست أرى حبا صحيحا مسلما
فقال أبو العباس: لم تفتخر علي، ولو شئت أنا أيضاً لقلت: [128 أ]
ومطاعم للشهد من نفثاته ... قد بت أمنعه لذيذ سناته
ضنا بحسن حديثه وكلامه ... وأكرر اللحظات في وجناته
حتى إذا ما الصبح لاح عموده ... ولى بخاتم ربه وبراته
فقال أبو بكر: يحفظ عليه ما قال، حتى يقيم عليه شاهدي عدل أنه ولى بخاتم ربه، قال أبو العباس: يلزمني في ذلك ما يلزمك في قولك:
أنزه في روض المحاسن مقلتي ... البيت. ...
فضحك الوزير ابن الجراح، وقال لقد اجتمعنا ظرفا ولطفا وفهما وعلما.
وقال الشريف الرضي :
بتنا ضجيعين في ثوبي هوى وتقى ... يلفنا الشوق من قرن إلى قدم
وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي ... مواقع اللثم في داج من الظلم
وباتت الريح كالغيرى تجاذبنا ... على الكثيب فضول الريط واللمم
يولع الطل بردينا وقد نسمت ... رويحة الفجر بين الضال والسلم
وأكتم الصبح عنها بردا وهي عافلة ... حتى تكلم عصفور على علم
فقمت أنفض بردا ما تعلقه ... غير العفاف وراء الغيب والكرم
وقال المتنبي :
وأشنب معسول الثنيات واضح ... سترت فمي عنه فقبل مفرقتي
وأجياد غزلان كجيدك زرنني ... فلم أتبين عاطلا من مطوق وقال:
يرد يدا عن ثوبها وهو قادر ... ويعصي الهوى في طيفها وهو راقد وهذا المعنى في شعرهم أكثر من أن يحصى.
وأثبت هنا أيضاً مقطوعات أبيات ليغر واحد ممن تقدم ابن الأبار في ذكر العفاف، ثم أعود بعد إلى ماله من الأشعار في سائر الأوصاف:
قال الرمادي :
وليلة راقبت فيها الهوى ... على رقيب غير وسنان
والراح ما تنزل من راحتي ... وقتا ومن راحة ندماني
ورب يوم قيظه منضج ... كأنه أحشاء ظمآن
أبرز في خديه لي رشحه ... طلا على ورد وسوسان
وكان في تحليل أزراره ... أقود لي من ألف شيطان
فتحت الجنة من جيبه ... فبت في دعوة رضوان
مروة في الحب تنهى بأن ... يجاهر الله بعصيان
وقال من أخرى:
ليالي بعت العاذلين إمامتي ... بفتكي ووليت الوشاة أذاني
وإذ لي ندمانان: ساق وقينة ... رشيقان بالأرواح يمتزجان
أمد إلى الطاووس في تارة يدي ... وفي تارة آوي إلى الورشان
وكنت أدير الكأس حتى أراهما ... يميلان من سكر ويعتدلان [28 ب]
فكانا بما في الجسم من رقة الضنى ... يكادان عند الضم يلتقيان
ونفضي إلى نوم فإن كنت جاهلا ... مكاني فوسطى العقد كان مكاني
فلو تبصر المضنى وبداره حوله ... لقلت السها من حوله القمران
وما بي فخر بالفجور وإنما ... نصيب فجوري الرشف والشفتان
وقال الحصري الكفيف:
قالت وهبتك مهجتي فخذ ... ودع الفراش ونم على فخذي
وثنت إلى مثل الكثيب يدي ... فأجبتها نعم الأريكة ذي
وهممت لكن قال لي أدبي ... بالله من شيطانها استعذ
قالت: عففت فعفت، قلت لها ... مذ شبت باللذات لم ألذ
ولابن فرج الجياني :
وطائعة الوصال عففت عنها ... وما الشيطان فيها بالمطاع
بدت في الليل سافرة فباتت ... دياجي الليل سافرة القناع
وما من لحظة إلا وفيها ... إلى فتن القلوب لها دواعي
فملكت الهوى جمحات شوقي ... لأجري في العفاف على طباعي
وبت بها مبيت الطفل يظما ... فيمنعه الفطام عن الرضاع
كذاك الروض ما فيه لمثلي ... سوى نظر وشم من متاع
ولست من السوائم مهملات ... فأتخذ الرياض من المراعي
قال ابن بسام: وابن فرج هذا ممن تقدمني في نشر محاسن أهل هذه الجزيرة، وإظهار خبايا فضائلهم المشهورة؛ فعارض كتاب " الزهرة " للأصبهاني بتصنيف رائق ترجمة ب - " كتاب الحدائق " ، فإن لا يكن سبق بالزمان، فلقد زاحم بالإحسان، وله شعر مشهور له فيه إحسان كثير كقوله، وهو من مليح الوصف في العفاف عن الطيف :
بأيهما أنا في الحب باد ... بشكر الطيف أم شكر الرقاد
سرى فازداد بي أملي ولكن ... عففت فلم أنل منه مرادي
وما في النوم من حرج ولكن ... جريت من العفاف على اعتيادي
أخذه من قول المتنبي:
يرد يدا عن ثوبها وهو قادر ... البيت. ...
كأنه لما عف في اليقظة جرى على عادته في النوم.
ولابن الأبار في هذا عدة أشعار، منها قوله:
ومعرض بالغصن في حركاته ... تسل القلوب العفو من لحظاته
عاطيته كأسا كأن سلافها ... من ريقه المعسول أو وجناته
حتى إذا ما السكر مال بعطفه ... وعنا بحكم الوصل في نشواته
هصرت يدي منه بغصن ناعم ... لم أجن غير الحل من ثمراته [29 أ]
وأطعت سلطان العفاف تكرما ... والمرء مجيول على عاداته
وقال :
ومنعم غض القطاف ... عذب الغروب للارتشاف
قد صيغ من در الجما ... ل وصين في صدف العفاف
وسقته أندية الشبا ... ب بمائها حتى أناف
فتروضت عنه الريا ... ض وسلفت منه السلاف
مهما أردت وفاقه ... يوما تعرض للخلاف
لما تصدى للصدو ... د ومال نحو الإنحراف
هيأت من شركي له ... فعل اللطاف من الظراف
فسقيته ماء بها ... وأدرت صافية بصاف
حتى ترنح مائلا ... كالغصن مال به انعطاف
فوردت جنة نحره ... ونعيمها داني القطاف
وضممت ناعم عطفه ... ضم المضاف إلى المضاف
فورعت في حين الجنى ... وكففت عن فوق الكفاف
وعصيت سلطان الهوى ... وأطعت سلطان العفاف
وما أملح هذه الملح، وما أقبح ما أنشدت في ضدها لعبد الجليل، حيث يقول:
تعرض لي ليسقط في حبالي ... سقوط تعمد شبه اتفاق
وبات على المدامة لي نديما ... وبين جفونه للغنج ساقي
إلى أن مال من سنة الحميا ... وقام الليل ممدود الرواق
وحل معاقد الهميان عنه ... بسبط كان يعقدها رقاق
وصار على كرامته بساطا ... ولفت بيننا ساق بساق
وبعده ما أضربت عنه، وصنت كتابي منه.
وأنشدني أبو بكر الداني لنفسه:
أتوب لله من هوى رشأ ... غيره بالعطاء من غير
ليس معي خاتم ولا فنك ... ولا شراب إناؤه عنبر
وإنما كان شرطه قدحا ... وكان شرطي عليه أن يسكر
وممن رأيته أولع بهذه الأوصاف وشغف، وصرف فيها الكلام فتصرف، الأديب أبو القاسم المعروف بالمنيشي الاشبيلي ، أنشدني لنفسه من جملة قصيدة :
وعجزاء حوراء وفق الهوى ... تحيرت فيها وفي أمرها
غلامية ليس في جسمها ... مكان دقيق سوى خصرها
إذا أدبرت أو إذا أقبلت ... ففي فرها الموت أو كرها
ولما خلونا ورق الكلام ... دفعت بكفي في صدرها [29 ب]
ومن لا أسميه مثل القناة ... فألقت ذراعا على عشرها
فما زلت أجمع طعنا وضربا ... على زيدها وعلى عمرها
وصارفتها العين هذا بذاك ... وقد شدت السوق من أزرها
فأعطيتها المحض من فضتي ... وأعطتني المحض من تبرها
قوله: " ولما خلونا ورق الكلام " ، من قول امرئ القيس :
وصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا ... ورضت فذلت صعبة أي إذلال
وأخذه الآخر فقال يصف كتاباً:
وفيه الوصل يشرق جانباه ... وقد رق التشكي والخطاب
وقال ابن الرومي:
كادت لعرفان النوى ألفاظها ... من رقة الشكوى تكون دموعا
وقوله: " غلامية " ... البيت، معنىً كثر ترداده، وطال منهم تعمده واعتماده، وأرى أيضاً أن أول من أشار إليه ونبه عليه الملك الضليل، حيث يقول:
متى ما ترق العين فيه تسهل... البيت ... غير أنه ورد مقلص الذيل، بهيم الليل، وقد بينه بقوله:
له أيطلا ظبي وساقا نعامةٍ ... ثم نقله الشعراء بعد كل على مقدار ما أوتي من البيان، ووهب من الإحسان، فقال الأعرابي :
عقيلية أما ملاث إزارها ... فدعص وأما خصرها فبتيل
وقال الآخر :
تساهم ثوبها ففي الدرع رادة ... وفي المرط لفاوان ردفهما عبل
وقال ابن ربيعة :
خود وقير نصفها ... ونصفها مهفهف ونسخه
أبو تمام فقال :
تشكى الأين من نصف سريع ... إذا قامت ومن نصف بطي
وقال الأخطل :
أسيله مجرى الدمع أما وشاحها ... فيجري وأما القلب منها فلا يجري
وهذا كقول خالد بن يزيد :
تجول خلاخيل النساء ولا أرى ... لرملة خلخالا يجول ولا قلبا
ومدحهم بضمور الكشح، وجولان الوشح، وصموت القلب والخلخال، وامتناع الخدام من الحجال، كثير، ومنه قول النابغة :
على أن حجليها وإن قلت أوسعا ... صموتان من ملء وقلة منطق
وقال الطائي :
من الهيف لو أن الخلاخيل صيرت ... لها وشحا جالت عليها الخلاخل
وقال ابن أبي زرعة :
استكتمت خلخالها ومشت ... تحت الظلام به فما نظقا
حتى إذا ريح الصبا نسمت ... ملأ العبير بنشرها الطرقا
وقال المتنبي :
وخصر تثبت الأبصار فيه ... كأن عليه من حدق نطاقا وقلبه الناجم
فقال :
مسلولة الكل غير بطن ... مثقل فهي عنكبوت
حجولها الدهر في اصطخاب ... ووشحها كظم صموت
وما أحسن قول القائل فإنه ترك اللفظ المطروق، واختصر على كافة الشعراء الطريق :
أبت الروادف والثدي لقمصها ... مس البطون وأن تمس ظهورا
وإذا الرياح مع العشي تناوحت ... نبهن حاسدة وهجن غيورا
وحسنه بعض أهل أفقنا فقال :
إن العزيز علي خصرك إنه ... بالردف حمل منك ما لا يحمل
وإنما أخذه من قول المتنبي :
أعارني سقم عينيه وحملني ... من الهوى ثقل ما تحوي مآزره
قال ابن بسام: وهذا الباب واسع الميدان، متلف الأغصان، وإنما ألمع مع كل معنى بيسير، وأثير حصاة من ثبير.
وقول أبي القاسم المذكور: " على زيدها وعلى عمرها " من الكنايات المختارة، والسامع يفهم الإشارة، وإنما نبهته على هذا التعريض، وأرته كيف يأخذ في هذه العروض، إحدى من جاهرت بالصبوة، وتجاوزت طلق الجموح في ميدان الشهوة فقالت: إن ضم قضقض، وإن دسر أغمض، وإن أخل أحمض.
وقال أبو القاسم من أخرى :
وخشفية الألحاظ والجيد والحشا ... ولكن لها فضل القبول على الخشف
ثتنى على مثل العنان إذا التوى ... وقد عقدوها للفسوق على النصف
وليس كما قال الجهول تقسمت ... فبعض إلى غصن وبعض إلى حقف ومنها:
سعت في سبيل الفتك والفتك بيننا ... إشارة لحظ تنسخ النكر بالعرف
ومنها:
وما شئت من عض الحلي ورضه ... وما شئت من صك الخلاخل والشنف
قوله: " خشيفة الألحاظ " معنى مشهور، ومنه قول مجنون بني عامر :
أيا شبه ليلى لا تراعي فانني ... لك اليوم من وحشيةٍ لصديق
وقوله: " وما شئت من عض الحلي " ... البيت، كقول الآخر:
باعتناقٍ يذوب منه حصى اليا ... قوت ضما وتطمئن النهود
وقال أبو بكر الداني:
ضممتها ضم مشتاقٍ إلى كبدي ... حتى توهمت أن الحلي ينكسر [30ب]
وقال ابن عمار:
ضماً ولثماً يغني الحلي بينهما ... كما تجاوب أطيار بأطيار
وقوله: " وما شئت من صك الخلاخل بالشنف " فانه صك به وجه بعض أهل عصرنا حيث يقول:
وجمعت بين القرط والخلخال ...
ومن مجون ابن الأبار قوله مما يضارع ما تقدم :
زارني خيفة الرقيب مريبا ... يتشكى القضيب منه الكثيبا
رشأ راش لي سهام المنايا ... من جفونٍ يصمي بهن القلوبا
قال لي: ما ترى الرقيب مطلاً ... قلت ذره أتى الجناب الرحيبا
عاطه أكؤس المدام دراكاً ... وأدرها عليه كوباً فكوبا
واسقنيها بخمر عينيك صرفاً ... واجعل الكأس منك ثغراً شنيبا
ثم لما أن نام من نتقيه ... وتلقى الكرى سميعاً مجيبا
قال لا بد أن تدب إليه ... قلت أبغى رشاً وآخذ ذيبا - !
قال فابدأ بنا وثن عليه ... قلت كلا لقد دفعت قريبا
فوثبنا على الغزال ركوبا ... ودببنا إلى الرقيب دبيبا
فهل آبصرت أو سمعت بصب ... محبوبه وناك الرقيبا
قال ابن بسام: ولقد ظرف ابن الأبار واستهتر ما شاء وندر، وأظنه لو قدر على إبليس الذي تولى له نظم هذا السلك، وأوطأ له ثبج هذا الملك، لدب إليه، ووثب أيضاً عليه، وأبو نواس، سهل هذا السبيل للناس، حيث يقول :
نكنا رسول عنانٍ ... والرأي فيما فعلنا
فكان خبزاً بملحٍ ... قبل الشواء أكلنا
ومن أناشيد الثعالبي :
لي أبر أراحني الله منه ... صار همي به عريضاً طويلا
نام إذ زارني الحبيب عناداً ... ولعهدي به ينك الرسولا
حسبت زورةً لشقوة جدي ... فافترقنا وما شفينا غليلا
وقرأت في بعض الملح خبراً له بهذا الموضع، بعض موقع؛ قال بعضهم: مشيت فإذا أنا بصديقٍ من أهل اليسار خارجاً من دار بغي، فقلت له: أيكون عندك أربع حرائر، وأكثر من ستين سرية، وتأتي مثل هذه الدنية - ! فقال: اسكت. مثل الكلب ينابح من طرأ عليه ولا يتعرض لمن اختلط به.
وقد قلت إن الحسن بن هاني، أكثر من هذه المعاني، حتى منعه الأمين محمد بن هارون عن ذلك؛ وله في وصف الشراب، وما يتعلق بهذه الأسباب، شعر كثير، كقوله :
قد هجرت المدام والندمان ... وتمتعت ما كفاني زمانا
ونهاني خليفة الله أن لا ... أقرب الخندريس والغلمانا [31أ]
وخشيت الهلاك إن لم أطعه ... ودعتني نفسي إليهم عيانا
وغزال سقيته الراح حتى ... أضعفت منه مقلةً ولسانا
قال: لا تسكرنني بحياتي ... قلت: لا بد أن ترى سكرانا
إن لي حاجةً إذا نم - ... ت فإن شئت فاقضها يقظانا
فتلكا تلكؤا بانخناثٍ ... ثم أصغى لما أردت فكانا
واشتهار شعره، يمنعني من ذكره.
وممن سلك أيضاً هذه السبيل من الشعراء المجاهرين بالمجون، الناطقين بألسن الشياطين، الفرزدق، بقوله :
هما دلتاني من ثمانين قامةً ... كما انقض باز أفتخ الريش كاسره
وهو قصيد مشهور، وقد عيره به جرير فقال :
تدلى ليزني من ثمانين قامةً ... وقصر عن باع العلا والمكارم
ومن محاورات امرئ القيس التي تقدم الناس فيها قوله :
تقوله وقد جردتها من ثيابها ... كما رعت مكحول المدامع أتلعا
وعيشك لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
وزاد فيه ابن أبي ربيعة فقال :
ناهدة الثديين قلت لها اتكي ... على الأرض في ديمومةٍ لم توسد
فقالت على اسم الله أمرك طائع ... وإن كنت قد عودت ما لم أعود
وذكرت بقوله: " على اسم الله " ما أنشده ثابت في كتابه " في خلق الإنسان " مما له بهذا بعض تعلق:
تقول إذ أعجبها عتوره ... وغاب في كعثبها جذموره أستقدر الله وأستخيره ...
وقال أبو نواس أيضاً :
فبتنا يرانا الله شر عصابةٍ ... نجرر أذيال الفسوق ولا فخر
وهو القائل :
عصابة شرٍ م تر الدهر مثلهم ... وإن كنت منهم لا برياً ولا صفرا
إذا ما أتى وقت الصلاة رأيتهم ... يحثونها حتى تفوتهم سكرا
وقال والبة بن الحباب :

قلت لندماني على خلوةٍ ... أدن كذا رأسك من رأسي
ونم على جنبك لي ساعةً ... إني امرؤ أنكح جلاسي
وقال سحيم :
وبتنا وسادانا إلى علجانة ... وحقف تهاداه الرياح تهاديا
توسدني كفاً وتثني بمعصم ... عليّ وتلوي رجلها من ورائيا [31ب]
وممن كنى ولم يصرح ابن المعتز بقوله :
وكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر
قال ابن بسام: والباب طويل والاكثار مملول، وتتبع كل معنىً يعترض، يخرج بي عن الغرض، فإن سكت فترفيهاً، وان ألمعت بشيءٍ فدلالةً على الأدب وتنبيهاً.
سائر أشعار ابن الأبار في أوصاف شتى
غني يوماً بشعر ابن الرومي حيث يقول :
وحديثها السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز
فسأله الوزير الشيخ أبو الوليد ابن المعلم الزيادة فيها، فقال:
راق الرياض بزهره وبزهوه ... فتحيرت في معجبٍ بل معوز
عاقرت من طربٍ عليه عقارةً ... صفراء تعزى للنحول وأعتزي
لكن تميز في الكؤوس بنورها ... وبهائها، وبقيت غير مميز
وقال:
نطق العود فعاتب من نطق ... واصطحبها مزةً أو فاغتبق
لا تدعها قهوةً كرخيةً ... لم يدعها نوح إذ خاف الغرق
خلتها في كأسها إذ شعشعت ... شفقاً تلبس أثواب الفلق
قهوة رقت وراقت كأبي ... عمرو الرائق خلقاً وخلق
حاجب ما إن ثنى أنمله ... بالعطايا والمنايا تندفق
هو والإفضال روض وصبا ... هو والعلياء عقد وعنق
هو والأملاك إن قيسوا به ... مهيع بين بنيات الطرق

قوله: " لم يدعها نوح " أشار إلى ما روي في بعض الأحاديث: إن الشجرة التي أكل آدم عليه السلام منها في الجنة المنهيّ عنها شجرة العنب

.

13974297901.jpg
 
أعلى