قصة ايروتيكية ألف ليلة وليلة - حكاية هارون الرشيد مع محمد علي الجوهري

وفي الليلة الثانية والثلاثين بعد الثلاثمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجوهري قال ثم إنها مالت علي فقبلتها وقبلتني وإلى جهتها جذبتني وعلى صدرها رمتني وعلمت من حالي أنني أريد وصالها فقالت: يا سيدي أتريد أن تجتمع بي في الحرام والله لا كان من يفعل مثل هذه الآثام ويرضى بقبح الكلام فإني بكر عذراء ما دنا مني أحد ولست مجهولة في البلد، أتعلم من أنا؟ فقلت: لا والله يا سيدتي فقالت أنا السيدة دنيا بنت يحيى بن خالد البرمكي وأخي جعفر وزير الخليفة. فلما سمعت ذلك منها أحجمت بخاطري عنها وقلت لها: يا سيدتي ما لي ذنب في التهجم عليك أنت من أطمعتني في وصالك بالوصول إليك، فقالت: لا بأس عليك ولا بد من بلوغك المراد بما يرضي الله فإن أمري بيدي والقاضي ولي عقدي والقصد أن أكون لك أهلاً وتكون لي بعلاً ثم إنها دعت بالقاضي والشهود وبذلت المجهود، فلما حضروا قالت لهم: محمد علي بن علي الجوهري قد طلب زواجي ودفع لي هذا العقد في مهري وانا قبلت ورضيت فكتبوا كتابي عليها ودخلت بها وأحضرت آلات الراح ودارت الأقداح بأحسن نظام وأتم إحكام، ولما شعشعت الخمرة في رؤوسنا، أمرت جارية عوادة أن تغني فأخذت العود وأطربت النغمات وأنشدت هذه الأبيات:
بدا فأراني الظبي والغصن والبدرا = فتباً لقلب لا يبيت بـه مـعـرى
مليح أراد اللـه إطـفـاء فـتـنة = بعارضه فاستؤنفت فتـنة أخـرى
أغالط عـذابـي إذا ذكـروا لـه = حديثاً كأني لا أحـب لـه ذكـرا
وأصغي إذا فاهو بغـير حـديثـه = بسمعي ولكني أذوب به فـكـرا
نبي جمال كل ما فـيه مـعـجـز = الحسن ولكن وجهه الآية الكبـرا
أقام بلال الحال في صحـن خـده = تراقب من لألأ غرته الـفـجـرا
يريد سلوى الـعـاذلـون جـبـالة = وما كنت أرضى بعد إيماني الكفرا
فأطربت الجارية بما أبدته من نغمات الأوتار ورقيق الأشعار، ولم تزل الجواري تغني جارية بعد جارية وينشدن الأشعار إلى أن غنت عشر جوار، ثم إنها صرفت الجواري وقمنا إلى أحسن مكان قد فرش لنا فيه فرش من سائر الألوان، ونزعت ما عليها من الثياب وخلوت بها خلوة الأحباب فوجدتها درة لم تثقب مرة، ومهرة لم تركب ففرحت بها، ولم أر في عمري ليلة أطيب من تلك الليلة، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والثلاثين بعد الثلاثمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن محمد بن علي الجوهري قال: لما دخلت بالسيدة دنيا بنت يحيى بن خالد البرمكي رأيتها درة لم تثقب ومهرة لم تركب فأنشدت هذين البيتين:
طوقته طوق الحمام بساعدي = وجعلت كفي للثام مبـاحـا
هذا هو الفوز العظيم ولم نزل= متعانقين فلا نريد بـراحـا
ثم أقمت عندها شهراً كاملاً وقد تركت الدكان والأهل والأوطان، فقالت لي يوماً: يا نور العين يا سيدي محمد إني قد عزمت اليوم على المسير إلى الحمام، فاستقر أنت على هذا السرير ولا تنتقل من مكانك إلى أن أرجع إليك، وحلفتني على ذلك فقلت لها سمعاً وطاعة، ثم إنها حلفتني أني لا أنتقل من موضعي وأخذت جواريها وذهبت إلى الحمام، فو الله يا أخواني ما لحقت أن تصل إلى رأس الزقاق إلا والباب قد فتح، ودخلت منه عجوز وقالت يا سيدي محمد إن السيدة زبيدة تدعوك فإنها سمعت بأدبك وظرفك وحسن غنائك، فقلت لها: والله ما أقوم من مكاني حتى تأتي السيدة دنيا.
فقالت العجوز يا سيدي لا تجعل السيدة زبيدة تغضب عليك وتبقى عدوتك فقم كلمها وارجع إلى مكانك، فقمت من وقتي وتوجهت إليها والعجوز أمامي، إلى أن أوصلتني إلى السيدة زبيدة، فلما وصلت إليها قالت لي: يا نور العين هل أنت معشوق السيدة دنيا، فقلت: أنا مملوكك وعبدك، فقالت: صدق الذي وصفك بالحسن والجمال والأدب والكمال، فإنك فوق الوصف والمقال ولكن غن لي حتى أسمعك. فقلت: سمعاً وطاعة، فأتتني بعود فغنيت عليه بهذه الأبيات:
قلب المحب مع الأحباب مغلوب = وجسمه بيد الأسقام منـهـوب
ما في الرجال وقد زمت ركائبهم = إلا محب له في الركب محبوب
أستودع الله في أطنابكم قـمـراً = يهواه قلبي وعن عيني محجوب
يرضى ويغضب ما أحلى تدللـه = وكل ما يفعله المحبوب محبوب
فلما فرغت من الغناء قالت لي: أصح الله بدنك وطيب أنفاسك، فلقد كملت في الحسن والأدب والغناء، فقم وامض إلى مكانك قبل أن تجيء السيدة دنيا، فلا تجدك فتغضب عليك فقبلت الأرض بين يديها وخرجت من عندها، وجئت إلى السرير فوجدتها قد جاءت من الحمام وهي نائمة على السرير فقعدت عند رجليها وكبستها ففتحت عينيها فرأتني تحت رجلها، فرفستني ورمتني من فوق السرير، وقالت لي: يا خائن خنت اليمين وحنثت فيه ووعدتني أنك لا تنتقل من مكانك وأخلفت الوعد وذهبت إلى السيدة زبيدة، والله لولا خوفي من الفضيحة لهدمت قصرها على رأسها، فتقدم العبد وشرط من ذيله رقعة وعصب عيني، وأراد أن يضرب عنقي وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والثلاثين بعد الثلاثمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن محمد الجواهري قال: فتقدم العبد وشرط من ذيله رقعة وعصب عيني وأراد أن يضرب عنقي فقامت إليها الجواري الكبار والصغار وقلن لها: يا سيدتنا ليس هذا أول من أخطأ وهو لا يعرف خلقك وما فعل ذنباً يوجب القتل. فقالت: والله لا بد أن أعمل فيه أثراً. ثم أمرت أن يضربوني فضربوني على أضلاعي وهذا الذي رأيتموه أثر ذلك الضرب، وبعد ذلك أمرت بإخراجي فأخرجوني وأبعدوني عن القصر، ورموني فحملت نفسي ومشيت قليلاً حتى وصلت إلى منزلي، وأحضرت جراحاً وأريته الضرب فلاطفني وسعى في مداواتي.
فلما شفيت ودخلت الحمام وزالت عني الأوجاع والأسقام جئت إلى الدكان وأخذت جميع ما فيه وبعته وجمعت ثمنه واشتريت لي أربعمائة مملوك، فما جمعهم أحد من الملوك وصار يركب معي منهم في كل يوم مائتان وعملت هذا الزورق وصرفت عليه خمسة آلاف دينار من الذهب وسميت نفسي بالخليفة ورتبت من معي من الخدم واحد في وظيفة واحد من أتباع الخليفة وهيأته بهيئته وناديت كل من يتفرج في الدجلة ضربت عنقه بلا مهلة ولي على هذه الحال سنة كاملة وأنا لم أسمع لها خبراً ولم أقف لها على أثر ثم إنه بكى وأفاض العبرات، وأنشد هذه الأبيات:
والله ما كنت طول الدهر ناسيها = ولا دنوت إلى من ليس يدنيهـا
كأنها البدر في تكوين خلقتـهـا = سبحان خالقها سبحان بـاريهـا
قد صيرتني حزيناً ساهراً دنفـاً = والقلب قد حار مني في معانيها
فلما سمع هارون الرشيد كلامه وعرف وجده ولوعته وغرامه، تدله ولهاً وتخير عجباً وقال: سبحان الله الذي جعل لكل شيء سبباً ثم إنهم استأذنوا الشاب في الإنصراف فأذن لهم وأضمر له الرشيد على الإنصاف وأن يتحفه غاية الإتحاف.
ثم انصرفوا من عنده سائرين وإلى محل الخلافة متوجهين، فلما استقر بهم الجلوس وغيروا ما عليهم من الملبوس ولبسوا أثواب المواكب، ووقف بين أيديهم مسرور سياف النقمة قال الخليفة لجعفر: يا وزير، علي بالشاب الذي كنا عنده في الليلة الماضية، فقال: سمعاً وطاعة ثم توجه إليه وسلم عليه وقال له: أجب أمير المؤمنين الخليفة هارون الرشيد، فسار معه إلى القصر، وهو من الترسيم عليه في حضر، فلما دخل على الخليفة قبل الأرض بين يديه ودعا له بدوام العز والإقبال وبلوغ الآمال ودوام النعم وإزالة البؤس والنقم، وقد أحسن ما به تكلم حيث قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين وحامي حومة الدين ثم أنشد هذين البيتين:
ما زال باب كعبة مقصـودة = وترابها فوق الجباه رسـوم
حتى يناديك في البلاد بأسرها = هذا المقام وأنت ابـراهـيم
فتبسم الخليفة في وجهه ورد عليه السلام، والتفت إليه بعين الإكرام وقربه لديه وأجلسه بين يديه وقال له: يا محمد علي أريد منك أن تحدثني بما وقع لك في هذه الليلة فإنه من العجائب وبديع الغرائب، فقال الشاب: العفو يا أمير المؤمنين أعطني منديل الأمان ليسكن روعي ويطمئن قلبي، فقال له الخليفة: عليك الأمان من الخوف والأحزان، فشرع الشاب يحدثه بالذي حص له من أوله إلى آخره فعلم أن الصبي عاشق وللمعشوق مفارق، فقال له: أتحب أن أردها عليك؟ قال: هذا من فضل أمير المؤمنين، ثم أنشد هذين البيتين:
ألثم أنامله فلسـن أنـامـلاً = لكنهن كفـاتـح الأرزاق
وأشكر صنائعه فلسن صنائعاً = لكنهـن قـلائد أعـنـاق
فعند ذلك التفت الخليفة إلى الوزير وقال له: يا جعفر أحضر لي أختك دنيا بنت الوزير يحيى بن خالد، فقال: سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين، ثم أحضرها في الوقت والساعة، فلما تمثلت بين يديه قال لها الخليفة: أتعرفين من هذا؟ قالت: يا أمير المؤمنين من أين للنساء معرفة الرجال؟ فتبسم الخليفة وقال لها: يا دنيا هذا حبيبك محمد بن علي الجوهري، وقد عرفنا الحالة وسمعنا الحكاية من أولها إلى آخرها وفهمنا ظاهرها والأمر لا يخفى وإن كان مستوراً. فقالت: يا أمير المؤمنين كان ذلك في الكتاب مسطوراً وأنا أستغفر الله العظيم مما جرى مني وأسألك من فضلك العفو عني. فضحك الخليفة هارون الرشيد، وأحضر القاضي والشهود وجدد عقدها على زوجها محمد بن علي الجوهري، وحصل لها وله سعد السعود وإكماد الحسود وجعله من جملة ندمائه واستمروا في سرور ولذة وحبور إلى أن أتاهم هازم اللذات ومفرق الجماعات.

.


Shahrazad.1.jpg
 
أعلى