محمد إِفرخاس - لُغْزٌ في الجِمَاع

ولَمَّا أنْ كنتُ أُطالِعُ مخطوطاً لأبي العبَّاس البَلْغِيثِي، ( 1282 - 1348 هـ) ( 1865 - 1929 م)، الموسوم ب:( تَشْنِيفُ الأَسْمَاع، بأسْمَاءِ الجِمَاعِ، ومَا يُلَائِمُهُ مِنْ مُسْتَلذِّ السَّمَاع )، أَلْفَيْتُ لُغْزاً ماتِعاً عبارة عن مُساجَلة بين أَدِيبَيْنِ عَالِمَيْنِ، أَحْبَبْتُ أن يَطَّلِعَ عليه الباحِثُون من بابِ التَّرْفِيهِ والتَّسْلِية والثَّقافة العلميَّةِ.
ومِمَّا جاء في مخطوط: تشنيف الأسماع (ج2: ورقة 52-53). أن الشيخ أحمد البلغيثي أجاب عن لغز للعلاَّمة الأديب سيدي محمد بن عبد الرحمن الديسي الضرير.

قال: ألقاه عليَّ –أيْ اللغز- بزاوية أبي القاسم بالهامل من أعمال الجزائر بعض تلامذته، وهو يخَاطِبُ به بعض أحِبَّتِه من علماء الزاوية المذكورة، اسمه المختار.

نَصُّ اللُّغز المنظوم:

إلى السيد الشهم الهمام أخي اللُّطْفِ = ومن هو محتار مع العلم والظّرْف
فديتُكَ ما شيءٌ عزيزٌ مُحَبَّبٌ = ويُشْرَى ببذْلِ الروح ما دام في الظرف
وإنْ فارقَ الظَّرف المُعَدَّ لحملِه = أمينٌ وقبلُ كان قد شعَّ بالألف
قريبٌ شديدُ البُعد عنك ينالُه = سِوَاكَ من الأجلاف والمعشر الغُلْفِ
وفيه حياةُ الصًّبِّ بل وحياتُنا = وسُمٌّ وترياقٌ ويَقتُلُ أوْ يُشْفِي
وليس بخَمْرِ الدَّنِّ وهْو سَمِيُّها = ومُشْبِهُها فِعْلا وإنْ فاقَ في الرَّشْفِ
وما مَسَّهُ عَصْرٌ ولكنْ لمُعْصِرٍ = يُضافُ فَحَقِّقْ يا أخا الفضل بالكشف
ويوجد عند الروم والرِّيمِ والمَهَا = وفي الشاة والأسماك والسِّيدِ والخشف
وأسماؤُه شتَّى وأشرفُها الذي = لِرَاءٍ بَدَا والغيرُ أسمجُ مِنْ أُفِّ
فَدُونَكَهُ لُغْزاً بَدِيعاً مُهَذَّبا = مُرَصَّفَة أبياتُه أحسنَ الرَّصْفِ
ودُمْ منعما وَاسْلم كريما ممتَّعاً = بِكُلِّ الذي تهوى على أحسنِ الوصْفِ

قال الشيخ أحمد البلغيثي: وأعجبني من الإنشاء والتلحين، وسارعتُ إلى الجواب عنه في الحين:

جواب اللُّغزِ منظوماً:

لكَ الله مِنْ حَبْرٍ أديبٍ أخي ظَرْفِ = حَبَانَا بِلُغْزٍ فائقٍ مُحْكَمِ الرَّصْفِ
يُذكِّرُنا في صَبْوَةٍ بالذي له = صَبَا مَنْ له شَوْقٌ إلى الَحَسَنِ الوصفِ
فمَا هُوَ مَا لكنْ على الماءِ قد سَمَا = بظَرْفِ اللّما يا حُسْنَ ذلكَ مِن ظَرْفِ
وفي قلب مَنْ يَهْوَى حرارةُ بُعْدِه = على أنه من بَرْدِه للجَوَى يَشْفِي
وقد يُفْتَدَى بالرُّوح إنْ عَزَّ نَيْلُهُ = وإنْ كانَ عندَ الكُلِّ يُلْفَى بلا عُنْفِ
وحَضَّ رسول الله بالنُّصْحِ جابراً = عليه بقول قد دعاه إلى الرَّشْفِ
على أحَدِ الوَجهيْنِ في لُطْفِ قولِه = فيا حَبَّذَا قولٌ تَرَاسَلَ في اللُّطْفِ
وباللام في قول الرسول ابتداؤُه = وإنْ كثُرَتْ أسماؤُه لأَخِي الوصفِ
وأجداه في قلب الشَّجِيِّ حلاوةً = إذا ناوَلَتْهُ الخَوْدُ في حالةِ الكَشْفِ
فَللَّهِ ما أَحْلاَهُ منها بصادِقٍ = من القول من خيرِ الأنامِ بِلاَ ضَعْفِ
على القلب منه واللسان عذوبة = وفيه من اللَّذَّاتِ للنفس ما يَكْفِي

هذا هو نَصُّ لغز الجماع كما سُطِّرَ في المخطوط المذكور أعلاه، بَثَتْهُ تقويةً لمهارات الإبداع والتفكير والتحليل وتنميةً للعقل والمخ لِلْإِنْبَاهِ والانْتِبَاه، وليس لِلْإِثَارةِ كما تَقَوَّلَتْهُ بعضُ الأَفْوَاه، والحمد لله الذي يَمْنَحُنا العَوْنَ في كلِّ ما نَلْقَاه، وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا محمد نبيِّنَا الأَوَّاه.


.
 
أعلى