أحمد عدلي أحمد - الجنس. الوحش الجميل: دراسة اجتماعية لتطور النظرة الدينية للجنس في الإسلام السني ج1

الجزء الأول:
الجنس في الجاهلية:
شكلت القبيلة النظام الأساسي للعرب الذين عاشوا في الجزيرة العربية قبل الإسلام ، والقبيلة تجمع بشري قائم على رابطة النسب الحقيقي، أو المفترض، و الذي يقوم مقام الارتباط بالأرض لدى الشعوب الحاضرة ،ولقد خلق هذا أهمية كبيرة للجنس الذي اعتبره العربي نشاطا مصيريا ، وليس كما افترض بعض الباحثين أن ذلك الرابط الأبوي والحرص على سلامة الأنساب قد أدى إلى نوع من تقييد النشاط الجنسي ليصبح داخل أطر تسمح بضمان سلامة النسب الجامح ، ويؤكد الدكتور الأنصاري أن الشرف الذي كان يعني عند الجاهليين أساسا الانتساب إلى آباء عليي القدر كان قوام القبيلة/ الدولة والبديل عن قيمة الانتماء إلى الأرض حيث لم تكمن تعني للعربي الكثير إذا منع خيرها ، ومات نباتها ، ووجب تبديلها،.و لذلك حل الدفاع عن الشرف محل الدفاع عن الأرض ، فصار هو الغاية التي يموت العربي من أجل صيانتها،و الزود عنها، ولأن المرأة كانت وسيلة انتقال هذا النسب ، والثغر الذي يتسلل منه الخصوم لاحتلال أرض القبيلة/ عرضها بنطفهم ، فقد كان الدفاع عنها ، أو عن فرجها بالأحرى مهمة مقدسة تسيل من أجلها الدماء ، كما كان إنجاب البنات نكبة للأب فها هي الهموم تزداد بها ، والثغور الضعيفة بها تزداد واحدا إلا أن يعاجلها الموت الذي يقول عنه المثل العربي أنه أحب أصهار الرجل إليه ، وقد يستعجل الرجل قدوم ذلك الصهر المحبب فيئد ابنته في التراب، وهي الممارسة التي يؤكد القرآن حقيقة وجودها في اثنين من آياته . ولا شك أن ذلك قد أكسب المرأة وضعا متناقضا فهي مكروهة ، ولكنها مهمة لكي يستمر نسل القبيلة ،و يزداد رجالها القادرون على حمايتها فهي بهذا المعنى شر لا بد منه كما ينسب إلى "علي بن أبي طالب" أنه قال ، كما أن ذلك الوضع قد ركز الطابع العملي في الجنس إلى أكبر حد ، فكان طلب الولد سببا مصرحا به لممارسة الجنس ، بينما أخذ الجانب الاستمتاعي والعاطفي في العلاقة دورا ثانويا، فالوطأ هو الجنس بألف و لام القصر، وما عداه مقدمات لا تدخل في صلب الموضوع ، وليست ضرورية ، وانطلاقا من هذه القراءة للدور الاجتماعي للجنس نستطيع أن نتفهم لماذا اعتبر الجنس دائما نشاطا ذكوريا، فالمرأة هي المشروع الذي يستثمر فيه رجال القبيلة نطفهم من أجل المزيد من الأبناء الذين تعلو بهم القبيلة، والواقع أنني أندهش لتلك الصراحة العبقرية التي تكلم بها الذكر العربي القديم عن الجنس حتى إنني أرى في كلامهم خلاصة ما يتدارسه علماء البيولوجي حول غريزة البقاء ، وتأثيرها المحوري في سلوك الأحياء {بما فيهم البشر} ذلك الكلام الذي يستنكره الكثير من الدينيين اليوم باعتباره انتكاسة بالإنسان إلى الحيوانية رغم أن العربي لم يكن يعتقد بالنشوء والارتقاء أبدا، ولكنها روح البادية التي تأبى التخفي ، وترى البلاغة هي تعبير الكلام عن مقتضى الحال، ومن هنا نستطيع أن ندرك لماذا أتبع امرؤ القيس ذكر النساء ، وولههن به ، واستكثاره منهن مباشرة بفخره بشجاعته ، و منجرده الذي قيد الأوابد هيكل ، إذ أن الجنس لديه كان مرتبطا بالغزو، والشجاعة، فوطء النساء هو بشكل ما نوع من الفتح لذا لا نعجب أبدا إذا وجدنا الشاعر العربي يفخر بمعاشرة زوجة رجل آخر دون أن يجرؤ هذا الرجل على الدفاع عن شرفه ، رغم أنه هو نفسه لا يتوانى عن الزود عن عرضه ، أو هو يدعي ذلك في شعره، فلم يكن الزنا نفسه معيبا في المجتمع الجاهلي كما لم يكن القتل أو السرقة أو قطع الطريق كذلك ، فالقبيلة هي الحقيقة الوحيدة المقدسة في عالم ما قبل الإسلام :هي التي يحرم دمها ، وعرضها بينما الآخرون بأنفسهم ، وأولادهم ، ونسائهم هم غنيمة حرب، فبالرغم من أن القبائل العربية لم تكن تمارس القتل الموسع ضد بعضها {فكان عدد ضحايا الغزوات العربية قليل بالنسبة لتكرارها}إلا أن ذلك كان لتقليل العواقب المحتملة على القبيلة من خلال الثأر ، وبرغم أن الكرم كان محمودا بين العرب إلا أنه كرم الشحيح ، فهو ينفق ابتغاء السمعة ، وليس شعورا بمسئولية إنسانية، فمن ينفق لا يخشى الفقر ، فماله كثير ، وعزه كبير ، وإن أنفق على بني قومه فسينال بينهم مكانة ، وتكون له فيهم كلمة ، وإن أنفق على غريب فهولا ريب شاكر له , و لقومه بين القبائل الأخرى إلا أن يكون لئيما{ولذلك كان المن شائعا ، وهو تذكير المحسن إليه دائما بنعمة المحسن ، وكان النموذج الأمثل على ذلك يوم خرج أهل مكة لبدر ليطعموا الطعام ، وتغني لهم القيان ،ويسمع بهم العرب ، وقد وصفهم القرآن بأنهم خرجوا من ديارهم أشرا ورئاء الناس }، وعلى ذلك فكل ما ذكرنا لا ينبغي أن يجعلنا نتصور أن حرص العربي على عرضه قد دفعه إلى تحديد العلاقات الجنسية، أو النظر إليه باعتباره نشاطا مذموما ، بل على العكس فقد كان الجنس واقعا ضمن شبكة الاعتداءات المتداخلة بين القبائل العربية المتناحرة ، وقد كان مطلوبا من الرجل أن يزود عن عرض قبيلته ، وربما عن عرض أحلافه ولكن ليس مطلوبا منه أن يحفظ أعراض الآخرين، فكانت معاشرة البغايا ممن لا أهل لهن شائعة ، وكن حسب كتب الحديث يضعن على بيوتهن رايات حمراء يعرفن بها، بل ربما قبلت بعض البيئات العربية أن يكون الشيخ العربي قوادا يتكسب من بغاء جواريه {طالما لم يستولدهن}، وتروي كتب أسباب النزول في قوله تعالى:"ولا تكرهوا فتياتكم على النكاح إن أردن تعففا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن لغفور رحيم أن رأس النفاق "عبد الله بن أبي بن سلول" كان له جاريتان يستكرهما على البغاء ، وكانتا مؤمنتين فكرهتا ذلك، ولا يمكن أن نعتقد أن" ابن سلول "، وقد كان من كبراء القوم حتى قيل أنهم كانوا بصدد تنصيبه ملكا قبل الهجرة كان يفعل فعلا مستنكرا بمقاييس الجاهلية ، كما عرفت بعض نساء الجاهلية على غير الشائع في تصورنا مساحة من الحرية الجنسية : تروي السيدة عائشة رضي الله عنها ثلاثة أنواع من النكاح غير ما نعرفه اليوم من نكاح البعولة، أحدهم: أن يرسل الرجل زوجته لآخر بعد أن تطهر من طمثها لتستبضع منه طلبا للولد{يبدو أن الزوج في هذه الحالة بكون عقيما} ، والثاني : نكاح المخادنة : وهو أن تجامع المرأة أكثر من رجل واحد{دون العشرة} ثم تلحق الولد بنسب من تشاء منهم، أما الأخير فهو نكاح البغايا الذي ذكرناه سابقا، ويبدو أن السيدة عائشة استخدمت كلمة نكاح بمعنى معاشرة جنسية متواضع عليها عرفيا ، وليس بمعنى زواج ، فنوع واحد على الأقل "البغاء" لا يمكن أن يسمى طرفاه أزواج بأي معنى فهم يلتقون لدقائق ثم يفترقون ، وحتى نستطيع فهم التعارض الظاهري بين الحرص على النسب الذي هو عماد الانتماء القبلي ، و بين تلك الحرية الجنسية للمرأة ينبغي علينا أن نفهم طبيعة النسب القبلي كرابط افتراضي أكثر من أي شيء ، حتى أن الرجل ليدعو الرجل ابنه فيصير منه بمثابة الابن : يرث مع الوارثين ، ويحرم عليه ما يحرم على الابن من النساء ، و هناك دليل آخر على قوة هذه العلاقات اللفظية ، والتي كانت نكتسب عند العرب قوة القرابات الفعلية ، وهو الظهار بأن يقول الرجل لزوجته أنت علي حرام كظهر أمي فتحرم منه ، ولذلك فإن الرجل العربي قد يقتنع بأن ينسب إليه ولد من خلال اختيار امرأة جامعها مع رجال آخرين أو بالقرعة كما نجد في أثر آخر طالما أن العرف يقبل بذلك دون أن يشغل نفسه بحقيقة ذلك النسب ، بل وأن يرضى بأن يكون له ولد وهمي من جماع امرأته بآخر بدلا من أن يموت دون وعقب طالما قد حرمه القدر من القدرة على الإنجاب، ولكن الأمر يختلف حين يغزو أحدهم حريمه ، ويدس على نسبه دون رغبته بطريقة لا يقبلها العرف الذي يخضع الجميع لسطوته ، فهو عندئذ العار الذي لا يغسله إلا الدم.
الجنس في الإسلام:
جاء الإسلام إذن و العلاقات الجنسية في المجتمعات العربية متشابكة، و الجنس نشاط عادي لا ينظر إليه باعتباره كائن غريب ، أو فعل مخجل ، بل العكس هو الصحيح ، وجاء الإسلام ليجد القبيلة أساسا لمجتمع يقدس الآباء ، ويفخر بهم ، و يجد النسب يعلي بعض الناس على بعض بغير سابقة من فضل خلق ، وأثارة علم ، وجاء الإسلام إلى مكة المدينة الحرام ليجد على الناس سلطة أخرى سوى سلطة أصحاب النسب الجليل، وهم أصحاب المال الوفير، فقد تحول معظم سكان المدينة الحجازية منذ جيلين على الأكثر إلى تجار يحملون بضاعة اليمن إلى بلاد الروم ، ويجنون من ذلك المكاسب الوفيرة ، وقد كان بنو أمية أكثر من استطاع تحقيق منافع كبيرة من ذلك التطور التجاري ، فزادت ثرواتهم ،و ازداد معها نفوذهم حتى جاوز نفوذ بني هاشم ، وهم أشرف بطون قريش طبقا للمفاهيم العربية باعتبارهم المسئولين عن خدمة زوار البيت الحرام ، وإطعامهم ، ولم يكن ينافس بني أمية سوى بني مخزوم الذين وصلوا إلى ذلك بقوتهم العسكرية غير أن القيم التجارية المحدثة لم تزح من طريقها قيم القبيلة بشكل مؤثر، فقد كانت الفترة التي شهدت ذلك التطور التجاري قصيرة لا تسمح بحدوث تغير جذري في القيم خاصة في المجتمعات التقليدية التي تتحول ثقافيا بشكل أبطأ بكثير ، كما أن مكة كانت تسبح في بحر عربي يقدس القيم القبلية ، وكان احترام هذه القيم ضرورة إذا أرادت مكة أن تحافظ على الاحترام الفريد من العرب لها باعتبارها حارثة البيت ، وهو ما سمح لها أن تعيش في سلام وسط تلك البيئة الممتلئة بالحروب و الصراعات ، لذلك فقد احتفظت قيمة الشرف التقليدية بمكانتها في مكة رغم التغيرات الثقافية التي شهدتها حياة أبنائها مع قدوم التجارة و ثرواتها .
لكي نستطيع أن نفهم كيف نظر الإسلام إلى الجنس فيجب علينا أن نقرأ الآيات التي تتحدث عن الجنس في القرآن الكريم ، والأحاديث النبوية التي تتعرض له ، ثم نضعها في سياقها النصي ، ونناقش القضايا الاجتماعية التي جاءت لكي تتشابك معها ، و تحدد موقفا منها ، ويجب أن نوضح أننا نناقش هنا رؤية الإسلام للجنس كقيمة و تقييمه له كنشاط بشري ، و لدور كل من الشريكين فيه ، ولسنا بصدد مناقشة رؤية الإسلام لأي قضايا أخرى مثل نظام الأسرة أو اللباس فهو مما سنناقشه فيما بعد إن شاء الله ...
إن القراءة الأولى للنصوص التي ترتبط بالجنس لا بد أن تلاحظ أربعة سياقات رئيسية مختلفة للآيات التي تتعرض لذلك الموضوع بصورة مباشرة أو غير مباشرة :
السياق الأول هو الذي يتعرض للجنس في معرض الحديث عن نعم الله على البشر من خلق ، وإكثار، ونحو ذلك: ومن هذه الآيات:
"يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء"
"هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعووا الله مخلصين له الدين لئن آتيتنا صالحا لنصدق ونكون من الشاكرين "
"ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"
"هو الذي خلقكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع"
"أفرأيتم ما تمنون ءأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون"
هذه الآيات وغيرها جاءت في سياق التفضل على البشر، والكافرين منهم خاصة ، بتنبيههم على نعمة عظيمة من نعم الله عليهم وهي خلقهم ،وخلق أزواجهم ، وإنسالهم كما جاء بالآية الأولى والثانية ،أو خلقهم وخلق أزواج لهم ليسكنوا إليها وبجعل المودة والرحمة بينهم، أو بخلق المني الذي يمنونه كما في الآية الخامسة، ونلاحظ هنا تأكيد القرآن الكريم على الدور الهام الذي يلعبه النشاط الجنسي في بقاء البشرية ، واستمرارها ، لكنه يؤكد في الوقت نفسه على نعمة السعادة الشخصية التي تتحقق من خلال المودة والرحمة بين الأزواج .
السياق الثاني الذي يتعرض للجنس هو سياق التحذير من الشهوات ، كما في قوله تعالى : "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده أجر عظيم " فالجنس إذن أول الشهوات غير أن ذلك لا يعني أن الجنس مبغوض في الإسلام باعتباره شهوة كريهة ، ذلك لأن الشهوات في القرآن ليست كريهة مع الاعتراف أنها زائلة فليس كل زائل كريه ، و لم يطلب الله من الإنسان ألا يمارس شهواته ، بل ألا يتبعها ، والفرق كبير، فالشهوات ليست القيمة السلبية في الإسلام ، فقد شغل القرآن بإيجاد المنافذ لهذه الشهوات فسمح لمن لم يقدر على زواج الحرة أن يتزوج الإماء حتى يخفف عنه ، كما أن الجنة الموعودة كما توصف في القرآن هي دار السلام ، ودار الشهوات أيضا، فالآية السابقة تصف الشهوات بالمتاع ، والمتاع زائل حقا لكنه ضروري جدا لإكمال الرحلة الشاقة في هذه الحياة الدنيا.
أما السياق الثالث فهو الذي يقع فيه الجنس وسط حكاية قرآنية مثل قصة يوسف ، وقصة لوط ، ففي قصة يوسف تظهر الشهوة الجنسية للمرأة كعامل محرك للقصة فامرأة العزيز التي فتنت بجاذبية يوسف الجنسية الشديدة تبدو مستعدة لفعل أي شيء و التضحية بكل قيمة من أجل أن تحظى به عشيقا، بينما الرجل في القصة يبدو بمظهر الحكيم القاهر فوق شهوته ، بهذه الفكرة يمكن أن تصبح هذه القصة رافدا ضمن الصورة السلبية للمرأة كجالبة للعار ، وغير أمينة على شرف عائلتها ، لكن ذلك الاستنتاج ليس مقصودا في القصة التي تتحدث عن صبر الإنسان الصالح يوسف على الشهوات ، وعلى السجن في سبيل فضيلة الوفاء لسيده الذي أكرم مثواه، ومن أجل عدم إغضاب الله{الذي لا يهدي كيد الخائنين}، وتعد الصابرين على الضراء بفرج الله إذا ثبتوا على مبادئهم ، و هي بذلك تثبيت للمؤمنين المضطهدين ، والمحاصرين في شعب أبي طالب من قبل إخوتهم الذين ظلموهم من بني قومهم ، وتأكيد لهم أن نصر الله قادم لمحمد كما جاء يوسف {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا أتاهم نصرنا}، ويكاد القارئ لسورة يوسف يعجب عندما يكتشف أن امرأة العزيز لم توصف بأي وصف سلبي قوي على طول السورة رغم حدة الأوصاف التي يطلقها القرءان عادة على أعداء الأنبياء {فلم يصفها القرآن بالفاسقة ، أو الفاجرة، أو المجرمة، أو المفسدة كما وصف قوم نوح ، والتسعة رهط من أصحاب صالح ، وفرعون ، وهامان، وقارون ، وغيرهم}، بل يكاد يعتذر لها ضمنيا فإغراء جاذبية يوسف كان شديدا لدرجة أن النسوة اللاتي سخرن منها في بادئ الأمر قطعن أيديهن حين دخل عليهن ، أما يوسف فهو لم يثبت بفضل القوة الطبيعية للرجال في هذه المواقف ، ولكن لأن الله قد ثبته بفضل منه، ورغم كل ما يتحايل به المفسرون لكي يراوغوا هذا التفسير القرآني لتمنعه ، فإنه لا يثبت أمام قوله تعالى" وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبانا المخلصين" فامرأة العزيز قد فعلت ما فعلت لأنها لا تعرف الله و تتبع شهواتها ، أما يوسف فهو من عباد الله المخلصين وبعلم أن الله لا يحب الخائنين ، وكما اتبعت امرأة العزيز شهواتها فإن قوم لوط كذلك قد اتبعوا شهواتهم في معاشرة الرجال ، ونظرة على قصة لوط في أي موضع ذكرت فيه من القرآن كافية لنعلم أن القرآن لا يتعاطف مع هذا النوع من العلاقة الجنسية فهي برأي القرآن بدعة مغايرة لفطرة الإنسان، وقوم لوط لم يكتفوا فقط بممارسة بدعتهم بل هددوا لوط بالرجم لأنه يدعوهم ألا يفعلوا ذلك، بل أرادوا أن يغتصبوا ضيوفه ، هذا النوع من الممارسة الجنسية ليس مرحب به في القرآن إذن.
وتشكل آيات الأحكام الشكل الرابع من الآيات التي تتعلق بالجنس في القرآن ، ومن هذه الآيات :
" أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم و أنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم و عفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها"
" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم"
" ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاجتنبوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإن تطهرن فأتوهن من حيث أمركم"
وتثير بعض هذه الآيات مسألة هل يرى القرآن الجنس فعلا مشتركا أم فعلا ذكوريا ، وهل المرأة مجرد مفعول به أم شريك في العملية الجنسية ، ولا شك أن سورة يوسف تؤكد لنا أن القرآن يعترف برغبة المرأة الجنسية ، ولكن أي رغبة هنا: هل رغبة بأن تفعل الجنس ، أم أن يفعل بها الجنس ؟ يبدو من القراءة الأولى لمعظم الآيات المذكورة أن الجنس فعل ذكوري بالأساس، فالذكر هو الأصل الذي خلقت منه الزوجة لكي يسكن إليها ، وآية آل عمران تشير للجنس "بالنساء" و كأنه متعة للرجال إذن، ومعظم الآيات تطلب من الرجل أن يفعل بالمرأة التي توصف بأنها حرث في أحد هذه الآيات، فالآيات تقول:{باشروهن ، فأتوهن ، لا تقربوهن، ....الخ} ، ولكن القراءة الأكثر تأنيا تضيف لنا الكثير ، وبداية يجب أن نلاحظ ثلاثة أمور: الأول هو طبيعة اللغة العربية التي لا توجد بها أية ألفاظ محايدة ، والتي تمنح كذلك اللفظ المذكر السيادة على اللفظ المؤنث، و الأمر الثاني هو طبيعة الرؤية العربية للجنس كنشاط ذكوري بالأساس ، وأما الثالث فهو حقيقة أن الرجل في جميع الثقافات مارس، ويمارس نوع من السلطة الجنسية ، فحيث أن الجزء الأساسي من الجنس وهو الإيلاج لا يتم إلا إذا أدخل الرجل قضيبه في فرج المرأة مما يجعل للرجل في العلاقة القدرة {ولو النظرية} على إتمام الممارسة أو لا خاصة مع وضع فرق القوة الجسدية والاجتماعية في الاعتبار ، وبقراءة الآيات بصورة أكثر دقة يمكن أن نقرأ الكثير من التباين بين رؤية القرآن لطبيعة العلاقة الجنسية ، وبين ما كان سائدا بين العرب ، فعندما يتحدث القرآن عن خلق الزوجين فهو يشير إلى خلقهما من نفس واحدة ، وليس لخلق أنثى من ذكر ، فلا يوجد في القرآن أي إشارة لجنس هذه النفس الواحدة الأولى في أي آية من آيات الخلق ، غير أن المفسرين قد تجاهلوا ذلك عندما فسروا هذه الآيات بما جاء في سفر التكوين من أن الله قد خلق آدم أولا ثم رأى أنه ليس جيدا أن يكون آدم وحده ، فأخذ من ضلعه جزءا جعل منه امرأة دعيت حواء، والحقيقة أن هذه القصة لم ترو بذلك الشكل أبدا في القرآن رغم شيوعها الكبير عند جماهير المسلمين على مختلف ثقافاتهم وبيئاتهم والحق أن آية الأعراف " هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها ليسكن إليها، " تبدو ذات اتجاهين فقد نفهم منها أن النفس الأصلية هي الذكر الذي خلق منه الزوج "الأنثى" لكي يسكن الذكر الأصلي إليها، فلما تغشاه حملت، وقد نفهم العكس تماما، فنتصور أن النفس الأولى أنثى، وقد خلق منها الزوج"الرجل" لكي يسكن إلى الأنثى الأصلية، وكلا الفهمين مقبولين تماما في إطار المنطق النحوي، وبرأيي أن هذا اللبس مقصود تماما ، وهذا نوع من الإعجاز القرآني الفريد ، فقد استغل النص استخدام كلمة زوج في العربية للإشارة إلى الرجل و المرأة لكي يقول جملة مقدسة تعني الشيء وعكسه نماما ، والمقصود من ذلك أن يقول بعضكم من بعض متجنبا أن يجعل من الرجل أو المرأة أصلا للبشرية ، أما آية الروم" ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها " فلا تخرج عن ذلك إذ يجب أن نفهم أنفسكم بالآية على أن المقصود بها هو جماعة الرجال، والنساء ، فاللغة العربية تعبر عن هذه الجماعة بالمذكر ، والدليل أنه قد أتبعها بقوله"وجعل بينكم مودة ورحمة" أي أنه قد جعل للرجال أزواجا من النساء وبالعكس، وقوله تعالى" من النساء "في آية آل عمران فإنه استخدم فيها إحدى كنايات العرب عن الجنس ، لأن العرب لم تكن تستخدم مصطلحا محددا في ذلك ، واستخدام مصطلح "جنس" لذلك أمر مستحدث فهو في اللغة القديمة يعني "نوع" مثل قولنا "لا النافية للجنس"، أو "هو من جنسه" ، واختيار الله لهذه الكناية تحديدا مع ذكر حب القناطير المقنطرة ، والأنعام ، والحرث ، فلأن حب الرجال للنساء بشكل عام به هذه النزعة التملكية بنفس منطق امتلاك الأموال والأعراض ، كما أن الرجال هم الأكثر تكالبا على الأموال ، والأنعام من النساء في مجتمع البعثة النبوية، أما آيات الأحكام فهي تضع الحكم على من يملك القدرة على التوقف عن الفعل ، فهذه الآيات تتحدث عن الإيلاج ، وهو الجانب من الجنس الذي يرتبط بشكل أساسي بالرجل ، وهو الذي تحظره الآيات في الصيام ، والطمث ، وربما تظل آية "نساؤكم حرث لكم " هي الأكثر التباسا لأنها تجعل من المرأة مجرد حقل للرجل ، ونطفه ، وتجعل تحديد الوضع الجنسي من نصيب الرجل وحده ، ولكننا يجب أن نلاحظ كيف ترتبط النصوص بالواقع الاجتماعي ، و المفاهيم السائدة في عقول المتلقين حيث الجنس فتح ذكوري ، ولكن النص مع ذلك لا يقبل بذلك تماما، ويؤكد على ضرورة إشراك المرأة من خلال مقدمات الوطأ التي تساعد المرأة على بلوغ النشوة الجنسية ، وتدخلها كجزء فاعل في العملية الجنسية ، هذه المقدمات التي يطلبها القرآن من المسلم بصيغة الأمر "وقدموا لأنفسكم" ، وهو ما يقصده النبي في ما روي عنه أنه قال"لا يقع أحدكم على امرأته كما يقع البعير" ، {والمتأمل في هذه الآية سوف يجد عبقرية في اختيار كلمة حرث ، وقد غفل الكثير عن التنبه لما في هذه الكلمة من أناقة المجاز، فالمرأة بالنسبة للرجل أرض خصبة يبتغي منها ثمرة زرعه وهي الولد ، و بالنسبة إلى المرأة فالرجل هو الزارع الذي يفجر طاقاتها الكامنة في إنتاج حيوات جديدة ، وهو مجاز لا يفارق الصراحة في تمثيل العلاقة بين الرجل والمرأة في أهم جوانبها ، أما ما قد يثار من اعتراضات حول جفاف هذا المجاز وعدم تعبيره عما يجب أن يكتنف هذه العلاقة من عواطف لا يلاحظ تلك العلاقة الحميمة التي تربط بين المزارع و أرضه هذه الأرض التي تمنحه رزقه والتي هي مصدر قوته ، ومما يلفت الانتباه أن المخاطب الأول بهذه الآية هم جماعة المدنيين الذين استنكروا أحد الأوضاع الجنسية التي كان يمارسها المكيون ، وهو إتيان المرأة في قبلها من الخلف متأثرين في استنكارهم بالثقافة اليهودية، ومن المعلوم أن المدنيين كانوا من القلة القليلة من العرب التي كانت تمارس الزراعة}، أما إذا انتقلنا إلى الأحاديث المنسوبة إلى الرسول{ص} باعتبارها موضحة للقرآن ، وشارحة له فسنجد أن الأحاديث المنسوبة للرسول {ص} تجعل من الجنس فعلا إيجابيا للغاية ، وعادة ما يطالب المربون المحدثون برفع التابوهات عن الجنس باعتباره نشاط بيولوجي طبيعي مثل الطعام ، والشراب ، ولكن الأحاديث المنسوبة للنبي {ص} ترفع الجنس درجات فوق الطعام ، والشراب ، فبينما معظم ما ورد من الأحاديث التي صح سندها إلى النبي{ص}يحذر من الطعام ، وكثرته ، ويصف المعدة بأنها بيت الداء، إلا أنه قد ورد عن النبي فيما صح سنده " وفي بضع أحدكم صدقة" ، كما ورد " حبب إلي من الدنيا الطيب والنساء ، وجعلت قرة عيني في الصلاة" ، و لم يرد حديث عن النبي ينهى عن الجنس ، أو يطالب بتقليل جرعته ، ولم يروى عن النبي {ص} أنه كان يفعل ذلك ، بل روي عنه أنه قد يجامع كل أزواجه في ليل واحد ، وبغسل واحد ، وأنه كان عادة ما يصطحب إحدى أزواجه في أسفاره ، وحروبه ، والحق أن النبي{ص} كان نوعا من الرجال لا يستطيع أن يعيش بدون أن تكون امرأة بقربه ، ولكن ذلك لا يعني أنه كان رجلا هوائيا ، أو مدمنا للجنس فحبه للنساء لم يمنعه يوما عن الاضطلاع بمهام الدعوة أو شئون الجهاد ، وأحوال المسلمين، ولم يشغله يوما عن صلاة مفروضة ، أو نفل مما اعتاد أن يتنفل به إلى ربه كما كان تعامله مع النساء كأرقى ما يكون ، فيروى عن أنس أنه قال : " ما ضرب النبي {ص} خادما قط ولا امرأة" وقد كان قلقا دائما من التصريح بضرب النساء في سورة النساء ، وحاول بكل سبيل أن يقلل من نتائجه السلبية بقول " لقد طاف أمة من النساء ببيوت النبي{ص} يشتكون ضرب أزواجهم ليس هؤلاء بخياركم" ، ويقول " كيف يضرب أحدكم زوجته في أول يومه ثم يجامعها في آخره" أو كما قال ، وقد شغل الباحثون من المسلمين ، وغيرهم بتعدد زوجات النبي{ص} وقد تعثر الكثير من العلماء أمام شبهات أثيرت حول ذلك الموضوع ، وقلقوا مما قد يوحي به تعدد زيجات النبي تلك من أنه رجل شهواني غارق في متع الدنيا ، فتكلفوا مبررات عجيبة لكل زيجة ، فهذه تزوجها لكي يوطد علاقته بأبي بكر ، أو عمر بن الخطاب { وكأن علاقته بهما كانت تحتاج إلى أي توثيق}، وتلك تزوجها بعد أن استشهد زوجها وعائلها في غزوة ، أما تلك فقد تزوجها ليوطد تحالف المسلمين مع هذه القبيلة ، ولو كان زواج النبي كبيرة {ص} بالأرامل هي الطريقة التي ارتضاها لتوفير رعاية لهن لكانت قائمة زوجاته قد تضاعفت عدة مرات ، وأضيفت إليها العشرات عقب كل غزوة ، أو سرية، ولو كان زواجه من قبائل عديدة هي الطريقة المناسبة لكي يصنع التحالفات لوجب أن تشمل قائمة أزواجه نساء أخريات من قبائل أخرى تحالف معها المسلمون ، ثم احتجوا بأن معظم زوجات النبي{ص} ثيبات تجاوزن سن الشباب ، وقد نسي هؤلاء أن النبي كان أكبر منهن ، فجلهن قد تزوجن الرسول{ص} وكن بين الثامنة والعشرين ، والأربعين بينما هو قد تجاوز الخمسين ، وهو ما ذكره النبي {ص} فيما روي عنه عندما نبهته "أم سلمة" عندما خطبها أنها ليست صغيرة فأجابها النبي {ص} أنه أكبر منها. والحقيقة التي يهرب منها العلماء المحدثون واضحة لمن يريد أن يرى ، وهو أن النبي قد تزوج غالبية زوجاته لأنه أراد أن يتزوجهن ، وأن اختياره لهن كان على أساس شخصي ، وأنه في ذلك لم يخرج عن إطار المألوف ، بل المتوقع منه كزعيم عربي في القرن السابع، بل أعظم زعيم عربي في عصره ، حيث كانت كثرة النساء شائعة بين شرفاء العرب و زعمائهم ، فكان بذلك ابن بيئته و عصره ، وقد رخص الله له في ذلك ثقة منه في نبيه ، وقدرته على العدل بين جميع نسائه ، وتقديرا منه تعالى لجهوده في نشر كلمته"الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلى الله وكفى بالله حسيبا" ، والغريب أن الكتب القديمة لم تجد مبررا لافتراض كل هذه التبريرات ، فالجنس وقتها ما كان قد اصطبغ بصبغة الدنس كما هو اليوم ، ولم يكن أيا من المؤلفين يكتب بهذا المنطق الدفاعي ، فالقرطبي ، ومعظم المفسرين يروون عند تفسير قوله تعالى " وتخفي في نفسك ما الله مبديه" أن النبي {ص} قد أعجب بزينب بنت جحش عندما زارها، وقد كانت زوجا لزيد بن حارثة رغم أنها كانت قريبته ، وقد رآها قبل ذلك كثيرا فلم تجذب انتباهه ، فقال لنفسه "سبحان مقلب القلوب" ، وبصرف النظر عن صحة الرواية ، وبدون السؤال عن الكيفية التي تمكن راويها من معرفة ما دار في نفس الرسول على هذا النحو إلا أن المفسرين قد رووها ، ولم يستنكرها معظمهم ، فهي لا تقلل من شأن النبي {ص} بشيء عندهم فحتى لو صدقت فهو إذن ليس إلا رجل أعجبته امرأة متزوجة ، فكتم ذلك في نفسه حتى عندما دبت الخلافات بين الزوجين وفكر الزوج بالطلاق ، فقد قال له:"أمسك عليك زوجك واتق الله " حتى إذا وقع الطلاق وانقضت العدة لم بفعل إلا ما أحله الله له، غير أن المحدثين تنتابهم نوبة خوف مرضي من هذه الرواية ، وتجدهم يتحدثون عن هجمات المستشرقين ، برغم أن هذا الخبر رغم أي استغلال قد حدث له من أي حاقد قد روي في جل أمهات كتب التفسير ، و السيرة ، والطبقات ، وغيرها.
هكذا ذكر الجنس في القرآن و هكذا ذكر في السنة القولية والفعلية و كما مارسه النبي {ص} نشاطا بيولوجيا واجتماعيا أساسيا يمارس بطبيعية ودون عقد، نشاطا اندماجيا يمارسه الشريكان بمودة وحب ويكون سببا في استمرار المودة و الحب ، ولكن ذلك لم يستمر في تاريخ الفكر الإسلامي حتى الآن ، ولم يستمر في الوعي الجمعي للمسلمين أيضا فنحن اليوم نجد معظم المسلمين داخل الصورة المتناقضة التي تحدثنا عنها سابقا هذا التناقض الذي نلحظه في كل ما يتعلق بالجنس تقريبا، فالشاب يستنكر فكرة نشر الثقافة الجنسية ويراها فكرة إباحية خبيثة وخطيرة ، ولكنه مع ذلك يحاول أن يعرف الكثير مما لا يعرفه حول هذا الموضوع ممن يتصور أنه أكثر منه خبرة في جلسات المقاهي ، ومن على الإنترنت ، والرجل يترفع أن يذهب إلى طبيب ذكورة ، ولكنه يحاول أن يحصل علي المستحضرات الطبية و العشبية الشائع نفعها لعلاج نفسه من حالة العجز الجنسي التي يرفض الاعتراف بها ، والدينيون يستنكرون نشر الكتب التي تحتوي على عبارات أو أوصاف جنسية ، ولكن المكتبات الدينية التابعة للجماعات السلفية تنشر كتبا من أمثال التوهم للمحاسبي وتحفة العروس اللذين يوزعان آلاف النسخ بسبب ما تحتويه بعض فصولهما من مضامين جنسية، ولذلك وجب علينا أن نبحث كيف دخلت المضامين السلبية إلى مفهوم الجنس في وعي المثقف المسلم ، وفي وعي الفرد المسلم العادي ، وهو ما سنحاول التصدي له فيما يلي.

أحمد عدلي أحمد
الجنس. الوحش الجميل :دراسة اجتماعية لتطور النظرة الدينية للجنس في الإسلام السني
.الجزء الأول

.

Blaas Eugen, The Pearl Necklace.

صورة مفقودة
 
أعلى