عقل العويط - إيروتيكية الجسم والحرية

جسمكِ لأنه يحتلم ويفترّ
وقد ظننتُني أمس لا أحتاج إلى جسمي معي، مؤثراً أن أترك أفكاره عندكِ. لا لشيءٍ إلاّ لأنني توهّمتُ أنّكِ بعد منتصف الليل، ربما تستدرجين رذائل ملائكتكِ إلى الاحتلام.
ومن يدري، قد تجدين أن الوقت ملائمٌ آنذاك لشغب اليدين.
أو لشغبٍ يستلزم وجوداً يستلقي على الشفتين اللتين أنتِ.
ففي النوم نادراً ما يستطيع المستغرقُ أن يلبّي يقظة جسمه فيذهب الاحتلام سدىً إلاّ أقلّه.
فإذ تأمرين أصابعكِ بالنزول على جمر، تجدينها عاجزةً عن الإتيان بحركة، ليس بسبب الجمر، حاشا، بل لاستحالة كلّ فعلٍ حسيٍّ مدرَك. فكيف لا تعجز الأصابع عن تلبية تصوّراتكِ في التدليك الهامس الخفيف وما إليه.
وقد قلتُ ماذا ينفع أن أبيت عندي. فلربما أكون ذلك الوجودَ الآخر الذي لا صورة له، وتطالبين به تحت شرشف الليل، في هذا القائظ من الصيف، فأنعطف عليكِ مثلما ينعطف ظلٌّ على المتكتّم من سرّه.
شيءٌ كهذا يحدث على الأرجح عندما تستيقظين مذهولةً، فتكتشفين أن أحداً لم يكن هناك، ليبلّل ليلكِ، أو يخرّب رتبة الفراش. فتبتسمين، على عادتكِ، من دون أن يدرك أحدٌ لماذا تبتسمين.
ولأنكِ تفترّين، قد يحلو لكِ أن تطالبي باستعادة شريطِ ما يكون حصل في الاستغراق، ولا تدرين به.
بل ربما تفترّين وتطالبين بإعادة الكرّة، من دون أن تتفتّح شفتاكِ لنداء، ومن دون أن يدرك جسمكِ شيئاً في ذاته. ذلك لأنّه يستنهض غرائز ملائكته من جرّاء افترار المسام، وتتعجّبين كيف يبتسم بمعزلٍ عنكِ. وقد تبحثين في شرودكِ عما يجعله يبتسم، لكنْ من دون أن يقرّ شرودكِ على قرار. فما أجملكِ لأنكِ عاجزةٌ عن إدراك ما يجتمع في شفتيكِ فيجعل الابتسامة هذه تختصر دعابة ليلكِ اللاواعي.
ولأنكِ بريئةٌ من جسمكِ هذا، ومن ماء ليله، قد تشتاقين إليه في انبلاج الضوء، وأنا لا أحبّ الانبلاج إلاّ وحيداً، لذا أترك لديكِ ما يجعل نهار الجسم غريقاً بمائه. وإذ تقفين أمام مرآتكِ فلأنّ مرآتكِ قد تكون محتاجةً آنذاك إلى ما يؤنس غريزتها المغمضة بعد ليلٍ طويل.
وإذ تفتحين النافذة، فلكي يطير منها كلّ ما فاته أن يطير، مؤثراً في العتمة أن تفكّري فيه، وتلتفتي إليه، أو تنضمّي على جنسه الحميم.
ولأنّي زاهدٌ في يومي، بسبب جسمي الذي عندكِ، رأيتُني أستكشف ما يتراكم فيه من جرّاء انكبابه عليكِ. ليس لشيءٍ سوى لأنّي ليست بي رغبةٌ في أن أجالس جسمي إلاّ لأسوّي نشوةً تجترئ عليَّ، في أوقاتٍ يحرّرني وعيي من تبعاته، بسبب ما أنا فيه. حتى لأفترض أنه ينبغي لكِ أن تكوني هنا وعندكِ معاً، ليتسنّى أن تستنزفي حضوري والغياب، جسمكِ وشفتيه والمرايا، فيتحقّق فيكِ ما لا تكتفي به نشوةٌ واحدة في الزمان والمكان.
وما أدراني ماذا يكون من مشاعر المرآة إذا ارتأت أن تنخرط صفحتها في التباس الجسم وصورته، وكيف يؤتى لها أن تشارك في شغبٍ كالذي يرتعش له قماش جسمكِ ارتعاشاً تحسبين أنه مُفضٍ إلى غيبوبةٍ أو إلى أبد.
وإذ تفترّين، أعرف بالسليقة أن ثمّة ما يجعل الارتواء يؤوب إلى جسمكِ تدريجاً بعد طول تعطيش. ولا أجتهد آنذاك في علمٍ معروف بل في علوم الغريزة فحسب، عندما يفترّ جسمكِ جميعه افتراراً لا يكفيه ليلٌ ولا نهار. إذ يحتاج إلى نهارٍ وإلى ظلّه المعتم، مثلما يحتاج إلى جسمٍ وظلّه، حتى ليصير الافترار حالاً من أحوال الشبق المكثَّف، مستدرجاً الوهج إلى عرينه، فلا يُرى بعين، ولا يُستجمَع بحسِّ حريق، بل يؤوى إليه مثلما يأوي وجاركِ إلى لحم قلبي.
ثم تعودين إلى النوم. على غرار ما تفعله ارتعاشةٌ تستطيب الانضمام إلى أفكارها، فلا تُرى بعد ذلك بشفتين، بل برحيقٍ يستشري في الفراش وما إليه.
فأيّ حياةٍ واعيةٍ تُرتجى لي بعد ذلك، وليس من عيشٍ أستطيبه أكثر من ولوجي البهيّ في افترار إطباقتين، وثناياهما، بحسب الإشراق الذي يؤخذ آنئذٍ أخذاً، بكلام الجسم وتعابيره أجمعين.
كأنّني احتلامكِ قبل حين. كأنّكِ جسمي بعد الحين وقبله أجمعين.


* عن صحيفة النهار

.


صورة مفقودة
 
أعلى