علوان حسين - نهدٌ مصابٌ بالأرق

نهدها في ذروة الموت
يتفلتُ من بين الأصابع
ينهضُ منتشياً وحده
كي يتنزه في الأحلام
نهدها وردة , صخرةٌ منفوخةٌ بالهواء
أنظرُ إلى البحر
أودُ لو ألمسُ حلماته النافرة
موجهُ , كلُ موجة ٍ نهد مسه الجنون
في النوم تمتدُ أصابعي خلسةً
لتداعبَ نهدها الذي حملته الريحُ إلى سريري
بغفلة ٍ عن الليل
حين كنتُ صغيراً , وبأسم الطفولة , كنتُ أدسُ رأسي تحت ثياب كل امرأة ٍ زائرة بيتنا
بحثاً عن نهد ٍ ألعبُ معه لعبةً غامضة
لاأدري كم من العبيد التعسي الحظ
إستعانَ نزار قباني , كي يبنيَ أهراماً من حلمات النساء ؟
نهدها تحت القميص الخشن
بيتٌ تهفو له يدي , وتأوي إلى الأبد
قلتُ أتزوجُ امرأة بنهد ٍ واحدة
الآخر أتركهُ يلهو ويلعبُ مع الأطفال إن وجد
حين تغفو المرأة , أعني التي أحبُ
تنامُ نوماً عميقاً
نهدها يُصابُ بالأرق
يتقلبُ وحدهُ تحت ثيابها
يحلمُ لو كانَ عصفوراً
أو ثمرةً صالحةً للأكل
يودُ نهدُها لو يصير جمرةً
أو غيمةً من جمر
بعضُ المؤسرين والأثرياء جداً ( وعلى ثمة صديقي سعد جاسم )
يشترون أثداء النساء من السوبر ماركت
أثداءٌ مملحةٌ ومنقوعةٌ طويلاً في الخل
البدو يقومونَ بشيها على نار ٍ هادئة ٍ ( كما يفعلون مع البرتقال )
ثم تؤكل ممزوجةً مع النبيذ وموسيقى الربابة
البعضُ منهم يُفضلُها نيئةً , يغرزُ فيها عوداً رفيعاً جداً
ويضعهُ في كأس المارتيني بدلاً من حبة الزيتون الخضراء
شاعرٌ من العراق أسمه ( موفق محمد ) يرى نخلته الوحيدة في مدينته الحلة , تُثمرُ بدلاً من الرطب الأصفر أثداء
في غاية الرهافةِ والحلاوةِ يسميها ثمرةَ المكتوم
ولأنها عالية ومغرية للنظر , يذهبُ إلى بساتين الحلة كلَ يوم ٍ ليمتعَ بصرهُ
يتحسرُ ويبكي , لكنهُ في منتصف الليل يتسللُ كاللص , يسرقُ خفيةً عبيرَ النهد المكتوم
يأكله بسكوت ( خفيةً ) ويصرخُ ( آخ شكد طيب البسكوت )
صالح الطائي , شاعرٌ ورسامٌ عراقي من الحلة أيضاً , يعيش في بلدة إيري , تلك البقعة الساحرة التي تغوي البجعَ والحوريات والأشجار التي تكتب الشعر والنوارس التي تصطاف في بحيرة إيري العظيمة , هذا الشاعر يُغوي الفتيات الصغيرات , الناضجات الأثداء , يُهدي لكل واحدة ٍ منهن , بضع قراريط من تلك المادة التي تجعل الحياةَ أكثرُ بهجة , مقابل أن يحتفظَ من كل واحدة نهداً , يضعُ مؤونته من الأثداء الطرية في علب ٍ زجاجية مليئة بالماء والخل والثوم .
بعد بضعة أيام , يُخرجُ مؤونته من المخللات , ومع كل وجبة ٍ من الباجة العراقية , يقضمُ قليلاً من الكمأة اللذيذة .
نهدٌ لايزال يحتفظ بنضارتهِ وطزاجتهِ يقشرهُ كالفستق ويتسلى به مع الجن أو الويسكي كنوع ٍ من المازة .
إحداهن وأسمها ( جيسكا ) تصرخُ بوجهه قائلةً - أيها الوحش , بدلاً من نهش هذا النهد الحلو , تبارك بهِ , صل إليهِ ,
أجلسه أمامك على الطاولة , تأمل تموجه , حريته في الرقص , أرقب تفتحَ أكمامهُ , دعهُ يورقُ بينَ الأصابع , أنظر إليه
في غنجهِ ولطفهِ ورقتهِ وشراستهِ وجمالَ قامته ِ, حاول أن ترسمهُ وهو في أوج توتره , كيفَ يكونُ كاسراً في عذوبتهِ ,
روعتهُ وهو أمام المرآة , يتعرى من حشمتهِ ليبدو راقصة باليه على مسرح الخيال .
الشاعرُ يمسدُ على كرشهِ وهو يلمضُ شفتيهِ تعبيراً عن الشبع والإمتنان , قبل أن يغوص في النوم .
البعضُ من هواة جمع النساء , يُبجلونَ النهدَ ويضعونهُ في منزلة ٍ بين منزلتين , بين كهف الحريم وكوخ المتعة .
بعضُ أثداء النساء تُوسمُ كما صغار النعاج , بعضها الآخر وبالرغم من أنها شاخت وذبلَ وردها , لاتزالُ الكدماتُ
منطبعة على جلدها المزرق من أثرِ الرفس ِ أو الكرباج ..
لنهدها سائسٌ وحيدٌ هو الحبُ
الخيولُ الأصيلة لايروضها كرباج
للجلاد هيئة ملاك ٍ في بعض الأحيان
يطاردون نهدها في اليقظةِ وفي الأحلام
بالدمقسِ والذهبِ يدللونهُ
يهدونهُ القصائدَ وباقات الورد
يحممونهُ بالعطور والشمبانيا ورضاب الرغبة , كي لايفلتُ من تأثير السأم
النهدُ أيقونة وقتَ الصلاة
النهدُ وليمة في المآدب
يؤكل في كل الأحوال , يأكلونهُ فقط من أجل النوم
في غرفتهِ الصغيرة التي تُشبهُ كوخَ الراعي , ثمة شاعر ٍ مغمور ٍ لايعرفهُ أحدٌ ولا يعرفُ أحداً . يعيشُ على أطراف بحيرة ٍ عظيمة ٍ في بنسلفانيا , يقرأُ لوحات سيزان , يتمعن طويلاً بالعبارات الشفيفة في الأجساد العارية لنسائهِ المكتوبات بحبر الياقوت . يحاولُ أن ينسقَ أفكاره التي عراها بهاءُ الأثداء المنجردة كسيوف ٍ مطهمة ٍ بالزمرد .
يحتفي بالحياة على طريقتهِ الخاصة . ليسَ هو الذئبُ الذي يلعقُ دمَ فريستهِ في حبور , قبل أن يتجشأَ في الهزيع الأخير من الليل . ولا هو اللقلقُ بمنقارهِ الأحمر الطويل يرقبُ الناسَ من بيتهِ المنعزل في أعلى الأمكنة .
لن يكونَ الناسكَ الحالمَ بالنساء الجميلات , يظهرنَ لهُ في لحظات التجلي العظيمة , كما ينكشفُ له وجهُ الخالق على صورة امرأة ٍ تتساقطُ كالشلال المخضب بحمرة غسقية .
مياه من الكثافة والشفافية حد أنها تُضيءُ وحهَ القمر .
الشاعرُ الوحيدُ كقطة ٍ متشردةٍ , لن تنفعَ معهُ الكتبُ المكدسة , ولا البيانو العتيق المركون في زاوية .
جربَ الخمورَ الفاخرةَ منها والمغشوشة. الموسيقى المرحة زادت من كآبتهِ قليلاً
أحلامُ اليقظة وضعتهُ بين مخالب الأرق .. بلدتهُ الأوربية الطراز, تنتقلُ في الليل لترقدَ في أحضان البحيرة .
البلدةُ كلها تُصبحُ بيوتاً من ماء .
في منتصف الوحدة , وحين يفتحُ النافذة , تهبُ عليهِ النوارسُ أسراباً مع الهواء .
الرذاذ الحليبي يباغتهُ كندى الصباح
الطبيعة كانت سهرانة وسكرانة أيضاً ..
الأشجارُ تتضاجعُ مع بعضها ..
النسيمُ يدوخُ من العطر ورائحة الحب ..
ثعلبٌ وحيدٌ يغردُ بين الأشجار ..
لا امرأة تطرقُ بابه , ولا حتى ثعبان يرحبُ بهِ , ليرقصَ معه رقصة التانغو التي شاهدها في فلم آخر تانغو في باريس ,
الذي أدمنَ على مشاهدتهِ , ليرى نهدي بطلة الفلم على رواق ٍ وبمزاج ٍ صاف ٍ .
جارته الشقراء وصديقها الزنجي يمارسان فعل الحب , فحيح صوتيهما يرجُ أرجاء بيتهِ بوحشية ٍ وكأنهما في حالة خناق ,
قد يضطرُ لإستدعاء سيارات الحريق لإطفاء اللهب .
تلفونه عاطلٌ تماماً , لأنه قررَ في لحظة نزق ٍ محتدمة أن يخرجه من صمتهِ في الطرق عليه بالشاكوش حتى لفضَ أنفاسه وأراح وإستراح . أحياناً يرى نفسهُ يرضعُ ثديَ امرأة ٍ مسكوبة ٍ في تمثال من رخام .
أحياناً يتخيلُ نفسه وقد أصبحَ نهداً يمشي عارياً في الشوارع ..
نهدٌ بيدين وقدمين يسيرُ وحيداً وعارياً ولا أحد يأكله بعينين نهمتين ..
لاخنجر يطارده كالمذنب المحكوم عليه بجرم ٍ لايعرفُ كنهه ..
نهدٌ يدخلُ الحاناتَ , يسكرُ ويرقصُ وينتحبُ قبلَ أن يأوي إلى كوخهِ مطعوناً بالامبالاة ودخان الزبائن ووجع ٍ في المعدة أو الأضراس
وفي آخرة الليل الوسواس .

.


* عن موقع ألف لحرية الكشف في الانسان والكتابة


صورة مفقودة

Philip Leslie Hale (1865–1931)
 
أعلى