ربيعة الرقي - دست سعاد رسولا غير متهم

دَسَّت سُعادُ رَسولاً غَيرَ مُتَّهَمٍ = وَصيفَةً فَأَتَت إِتيانَ مُنكَتِمِ
جاءَ الرَسولُ بِقَرطاسٍ بِخاتَمِهِ = وَفي الصَحيفَةِ سِحرٌ خُطَّ بِالقَلَمِ
فيهِ فُتونُ هَوىً طَلَّت تُغَيِّبُهُ = عَلى الجَهولِ وَما يَخفى عَلى الفَهِمِ
وَقَد فَهِمتُ الَّذي أَخفَت فَقُلتُ لَها = بوحي بِلا وَنَعَم مِن بَيّنِ الكَلِمِ
قالَت تَعالَ إِذا شِئتَ مُستَتِراً = وَالحُكمُ حُكمُكَ يا رَقِّيَّ فَاِحتَكِمِ
أَقدِم رَبيعَةَ في رَحبٍ وَفي سَعَةٍ = في غَيرِ قَمراءَ وَالظَلماءَ فَاِغتَنِمِ
فُزرتُها واقِعاً طَرفي عَلى قَدَمي = وَقَد تَلَبَّستُ جِلبابَينِ مِن ظُلَمِ
فَكانَ ما كانَ لَم يَعلَم بِهِ أَحِدٌ = وَما جَرَحتُ وَما عُلِّلتُ بِالحَرَمِ
زارَتكَ سُعدى وَسُعدى مِنكَ نازِحَةٌ = فَأَرَّقتَكَ وَما زارَتكَ مِن أُمَمِ
أَهلاً بِطَيفك يا سُعدى المُلِمّ بنا = طَيفٌ يَسيرُ بِلا نَجمٍ وَلا عَلَمِ
أَنتِ الضَجيعُ إِذا ما نِمتُ في حُلُمي = وَالنَجمُ أَنتِ إِذا ما العَينُ لَم تَنَمِ
ما أَكذَبَ العَينَ وَالأَحلامَ قاطِبَةً = أصادِقُ مَرَّةً في وَصلِها حُلُمي
قولي نَعَم إِنَّها إِن قُلتِ نافِعَةٌ = لَيسَت عَسى وَعَسى صَبرٌ إِلى نَعَمِ
أَنعَمتِ نُعمى عَلَينا لَستُ أُنكِرُها = حَتّى أُغَيَّبَ في مَلحودَةِ الرَجَمِ
قَلبي سَقيمٌ وَداءُ الحُبِّ أَسقَمَهُ = وَلَو أَرَدتِ شَفَيتِ القَلبَ مِن سَقَمِ
قالَت فُؤادُكَ بَينَ البيضِ مُقتَسَمٌ = ما حاجَتي في فُؤادٍ مِنكَ مُقتَسَمِ
أَنتَ المَلولُ الَّذي اِستَبدَلتَ بي بَدَلاً = قَصَّرتَ بي وَشَرَيتَ اللُؤمَ بِالكَرَمِ
قَد كُنتُ أَقسَمتُ أَنّي مِن هَواكِ فَما = بَرّى يَميني قَد أَغلَظتُ في القَسَمِ
اِستَغفَرُ اللَهَ قَد رَقَّ الفُؤادُ وَما = بَيني وَبَينَكَ يا رَقَّيُّ مِن رَحِمِ
يا لَيتَ مَن لامَنا في الحُبِّ جَرَّبَهُ = فَلَو يَذوقُ الَّذي قَد ذُقتُ لَم يَلُمِ
الحُبُّ داءٌ عَياءٌ لا دَواءَ لَهُ = إِلّا نَسيمُ حَبيبٍ طَيِّبُ النَسَمِ
أَو قُبلَةٌ مِن فَمٍ نيلَت مُخالَسَةً = وَما حَرامٌ فَمٌ أَلصَقتُهُ بِفَمِ
هَذا حَرامٌ لمن قَد عَدَّهُ لَمَماً = وَلَن يُعَذِّبَنا الرَحمَنُ بِاللَمَمِ
هامَ الفُؤادُ بِسُعدى مِن ضَلالَتِهِ = يا لَيتَ قَلبي بِكُم يا سُعدَ لَم يَهِمِ
أَنتِ الَّتي أَورَثَت قَلبي مَوَدَّتُها = داءً دَخيلاً وَشَوقاً غَيرَ مُنصَرِمِ
خُلِقتِ مِن مِسكَةٍ وَالناسُ خَلقُهُمُ = مِن لازِبِ الطينِ مِن صَلصالَةِ القَتَمِ
ما صَوَّرَ اللَهُ إِنساناً كَصورَتِكُم = مِن بَعدِ يوسُفَ في عُربٍ وَلا عَجَمِ
أَعلاكِ مِن صَعدَةٍ سَمرا مُقَوَّمَةٍ = وَالمِرطُ فَوقَ كَثيبٍ مِنكِ مُرتَكِمِ
وَأَنتِ جَنَّةُ رَيحانِ لَها أَرَجٌ = أَو رَوضَةٌ نُضِحَت بِالوَبلِ وَالدِيَمِ
أَو بَيضَةٌ في نَقاً أَو دُرَّةٌ خَرَجَت = مِن زاخِرٍ مُزبِدِ الأَذِيِّ مُلتَطِمِ
لاقَيتُ عِند اِستِلامِ الرُكنِ غانِيَةً = غَرّاءَ واضِحَةَ الخَدَّينِ كَالصَنَمِ
مُرتَجَّةُ الرِدفِ مَهضومٌ شَواكِلُها = تَمشي الهُوَينى كَمَشيِ الشارِبِ الثَلِمِ
تَقولُ قَيناتُها وَالردفُ يُقعِدُها = مِن خَلفِها قَد أَتَيت الرُكنَ فاِستَلِمي
فَاِسلَمَت ثُمَّ قامَت ساعَةً فَدَعَت = فَقُمتُ أَدعو وَلَولا تِلكَ لَم أَقُمِ
حَتّى إِذا اِنصَرَفَت سَلَّمتُ فَالتَفَتَت = فَقُلتُ إِنَّكِ مِن هَمّي وَمِن سَدَمي
قالَت وَمِن أَنتَ قُلنَ التابِعاتُ لَها = هَذا رَبيعَةٌ هَذا فِتنَةُ الأُمَمِ
هَذا المُعَنّى الَّذي كانَت مَناسِبُهُ = تَأتيكِ فَاِستَتِري بِالبُردِ وَالقَتَمِ
شَيطانُ أُمَّتِهِ لاقاكِ مُحرِمَةً = فَبِالالَهِ مِنَ الشَيطانِ فَاِعتَصِمي
قالَت أَعوذُ بِرَبّي مِنكَ وَاِستَتَرَت = بِعادَةٍ رَخصَةِ الأَطرافِ كَالعَنَمِ
قُلتُ الذِمامُ وَعَهدُ اللَهِ خُنتِ بِهِ = لا عَهدَ لِلغادِرِ الخَتّارِ لِلذِمَمِ
أَلَم تَقولي نَعَم قالَت بَلى وَهَماً = مِنّي وَهَل يُؤخَذُ الإِنسانُ بِالوَهَمِ
تُبنا وَصُمنا وَصَلَّينا لِخالِقِنا = وَلَم تَتُب أَنتَ مِن ذَنبٍ وَلَم تَصُمِ
فَلُمتُ نَفسي عَلى بَذلي لَها مِقَتي = وبخلِها وَقَرَعتُ السِنَّ مِن نَدَمِ
فَأَبعَدَ اللَهُ إِنساناً وَاِسحَقَهُ = أدامَ وُدّاً لِإِنسانٍ وَلَم يَدُمِ



* ربيعة بن ثابت بن لجأ بن العيذار الأسدي الرقي، شاعر غزل لقب بالغاوي، ولد ونشأ في الرقة عاصر المهدي العباسي. والرشيد، قال عنه ابن المعتز: كان ربيعة أشعر غزلاً من أبي نواس. توفي سنة 813

.


صورة مفقودة

Dancing Beauty Hans Zatzka
 
أعلى